تعد تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، مصدرين هامين للاقتصاد المصرى، لدعم موارد العملة الصعبة، والاحتياطى الأجنبى لمصر، وهما العنصرين الأساسيين لأعنف حرب اقتصادية تتعرض لها مصر حاليًا، وهى "حرب عملات" من نوع جديد تتمثل فى التأثير السلبى على تدفقات العملة الصعبة من تلك المصادر على طريق جماعات ودول تستهدف "تركيع مصر اقتصاديًا".
وأحد أوجه الحرب الاقتصادية على مصر يتمثل فى التأثير السلبى على سمعة مصر كوجهة استثمارية دولية عن طريق التأثير على تدفقات رؤوس الأموال من الاستثمار الأجنبى إلى مصر برفع تكلفة التحويل بين البنوك الخارجية ونظيراتها المصرية، بالترويج الزائف أن مصر ذات مخاطر مرتفعة فى تعاملات العملة الصعبة، إلى جانب بعض الحملات المدفوعة الثمن فى الإعلام الغربى، وأن قرض صندوق النقد الدولى سوف يتم إهداره، على الرغم أن خطة إصلاح الاقتصاد المصرى بخفض عجز الموازنة ودعم أرصدة الاحتياطى الأجنبى وإقرار قانون القيمة المضافة وهيكلة منظومة الدعم هى خطط سابقة للتقدم للحصول على تمويل من المؤسسة الدولية.
ويوجد نوعان من استثمارات الشركات الأجنبية التى تعمل فى مصر، فيما يخص عمليات تحويل أرباح تلك الشركات إلى مراكزها الرئيسية فى الخارج، بعد أن تفاقمت أزمة تحويل الأرباح خلال الـ12 شهرًا الماضية، نتيجة تراجع الموارد الدولارية وأرصدة الاحتياطيات الدولية لمصر، الأول يتمثل فى تحويل الأرباح للخارج بشكل مباشر، وهو ما ظهر نتيجة تراكمات أرباح الشركات وتراجع قدرة البنوك على تحويل الأرباح بتدبير الدولار اللازم لذلك، وهو ما يتطلب تنسيقًا عالى المستوى بين كل أجهزة الدولة لوضع جداول تدبير دولار للشركات عن طريق تحديد تراكمات المتأخرات من الدولار، والتدفقات المستقبلية ووضع جداول زمنية لسدادها.
والنوع الثانى يتمثل فى إعادة تدوير أرباح الشركات العالمية فى السوق المصرية عن طريق التوسعات فى الأنشطة القائمة لتلك الشركات بمصر، ويتطلب ذلك تقديم الحكومة المصرية لحوافز وإعفاءات ضريبية وجمركية واستثمارية تتيح استثمار أرباح الشركات فى مصر، مما يحقق أهداف عدة أهمها تصدير لمنتجات مصنعة داخل مصر بقيمة مضافة، وتخفيف الضغط على العملة الصعبة فى مصر، إلى جانب تعزيز قدرة مصر على جذب الاستثمارات وطمأنة المجتمع الاستثمارى العالمى بالبيئة والمناخ الاستثمارى المصرى وقدرته على تقديم حوافز وضمانات لحماية رؤوس الأموال.
وسجلت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر أعلى مستوياتها فى العام المالى 2007 – 2008 بنحو 13 مليار دولار، تراجعت إلى 6.4 مليار دولار، فى العام المالى 2014 – 2015، ويعد وجود سعرين للدولار فى السوق الرسمية بالبنوك، والسوق السوداء بفارق نحو 4 جنيهات من أهم العوامل المؤثرة على قرار المستثمر بالدخول إلى السوق المصرية إلى جانب عدم وضوح الرؤية الاستثمارية للحكومة على الرغم من المساعى الحالية لجذب استثمارات أجنبية.
ويبلغ عدد المصريين العاملين بالخارج أكثر من 8 ملايين مواطن، وهم المصدر الثانى الأكبر حجمًا للعملة الصعبة بعد الصادرات المصرية لدول العالم، حيث يسهم الأول بنحو 19.2 مليار دولار فى موارد العملة الصعبة خلال العام المالى 2014 - 2015، وتسهم الصادرات بنحو 22 مليار دولار، لكن خلال الفترة الأخيرة بدأت حركة تحويلات العاملين بالخارج فى التراجع لعدة أسباب، أبرزها الحرب التى تواجهها البلاد من خلال منع العملات العربية والأجنبية من الدخول إلى السوق المصرية، إلى جانب اتساع الفارق بين سعر العملات بين السوق السوداء والبنوك.
وتتمثل آلية منع تحويل العملات العربية والأجنبية من الخارج إلى شرايين الاقتصاد المصرى، فى شراء جماعات ودول، العملة الصعبة فى الدولة التى يقيم بها المصرى خارج البلاد، فى مقابل فارق أكبر من السعر فى السوق الرسمية فى البنوك، والدفع بمقابل تلك العملة بالجنيه المصرى لأهل هذا المواطن فى مصر، وبالتالى حرمان الاقتصاد المصرى من دخول العملة الصعبة من الخارج، وهو ما يتطلب زيادة توسع البنوك فى زيادة فروعها فى الدول التى تستضيف نسبة كبيرة من المصريين، وجذب تلك الشريحة بمنتجات مصرفية مغرية لحل تلك الأزمة، وهو ما تأكد فى طرح منتجات للمصريين بالخارج بشهادات استثمار بالدولار واليورو.
وتراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، خلال الفترة من يوليو إلى مارس – 9 أشهر - من السنة المالية الماضية 2015 – 2016 لتصل إلى نحو 12.4 مليار دولار مقارنة بـ14.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة المالية السابقة، بتراجع قدره نحو 2 مليار دولار، وفقًا لأحدث بيانات البنك المركزى المصرى.
وتتمثل العلاجات العاجلة لأزمة تراجع الاستثمارات الأجنبية وتحويلات العاملين بالخارج، فى الحملات الترويجية للاستثمار والقضاء على السوق السوداء للعملة وإقرار تعديلات قانون الاستثمار، إلى جانب وضع خريطة استثمارية فى إقليم قناة السويس والذى يعد أبرز المشروعات القومية والأكثر قدرة على دعم الاقتصاد المصرى، إلى جانب زيادة فروع البنوك المصرية فى الخارج، والتعاقدات الخاصة بشكل موسع مع بنوك أجنبية – بنوك مراسلة – لدعم زيادة التحويلات والعلاقات التجارية خاصة مع شركات مصر الدوليين فى الاتحاد الأوروبى وروسيا.
ويعد الإصدار المتوقع سندات مصرية فى الأسواق الخارجية بقيمة 3 مليارات دولار من أهم العوامل التى سوف تساعد على دعم ثقة الاستثمار الأجنبى فى ظل الموافقة المرتقبة من صندوق النقد الدولى على إقراض مصر 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، وهو أهم العوامل التى تساعد على دعم الاحتياطى الأجنبى وأرصدة العملة الصعبة لمصر، وبالتالى الإسهام فى تعزيز قدرة البنك المركزى المصرى على إنهاء تعاملات السوق السوداء للدولار، وبالتالى عودة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى القطاع المصرفى الرسمى.
ومن الإجراءات المهمة أيضًا لحل الأزمة الحالية، خفض عمولات التحويل بين البنوك المصرية ونظيراتها فى الخارج، سواء الخاصة بالاستثمار الأجنبى أو تحويلات العاملين بالخارج، وتقليص قيم رسوم فتح الاعتمادات المستندية وعمليات تمويل التجارة، مما يعزز الإقبال على التعامل التجارى والتحويل إلى النظام المصرفى المصرى، وذلك فى خطوة هامة بعد إنهاء تعاملات السوق السوداء.
وتتمثل مصادر العملة الصعبة ذات الأهمية للبلاد، فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإيرادات قطاع السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، وإيرادات الصادرات، إلى جانب المساعدات والمنح والودائع من دول العالم التى دعمت أرصدة الاحتياطى الأجنبى خلال الفترة الماضية، وبعض تلك القطاعات تأثرت بالفعل على مدار السنوات الـ5 الماضية نتيجة الاضطرابات، خاصة قطاعى الاستثمارات والسياحة.