رغم أن مواقع فيس بوك وتويتر تحمل لافتة «التواصل الاجتماعى»، فإنها سريعا ما تحولت لساحات ومجالات أخرى غير التواصل، فصار فى ارتيادها فوائد متعددة، كل على حسب أهداف صاحبه، وآخر تلك المجالات تحولها إلى سوق «افتراضية» لتجارة العملة، خاصة فى ظل أزمة الدولار الحالية والارتفاع الجنونى فى سعره، وبعد التضييق على تجار السوق السوداء، وإلقاء القبض على العديد منهم وإغلاق عشرات المنافذ، وسحب تراخيص البعض الآخر، وسن البرلمان لعقوبة تصل إلى 10 سنوات، وكذلك الغرامة حتى 5 ملايين جنيه على التجار الذين يبيعون الدولار بأسعار السوق السوداء، حيث استبدل عديد من تجار العملة أرض الواقع، وما تعج به من ملاحقات وأخطار بصفحات عبر «فيس بوك»، يتحركون فيها ويديرون تجارتهم منها.
اللافت أن صفحات البحث عن المارد الأخضر، وهو المسمى الذى يحلو للبعض إطلاقه على العملة الأمريكية موجودة بشكل علنى ومستمر، على الرغم من العقوبة التى تم سنها مؤخرا، ورصد «برلمانى » أحد الإعلانات على صفحة تحمل اسم «الدولار فى السوق السوداء» جاء نصه كالتالى: «يوجد 500 دولار فى العبور للبيع.. مكان التنفيذ العبور أو التجمع الخامس اللى عاوزهم يبعت على رسايل الصفحة».
وهناك بعض التجار يحاولون التخفى عن طريق عرض إعلاناتهم فى صفحات غير متخصصة فى العملة مثل صفحة «موبايلات مستعملة للبيع» وصفحة تحت مسمى «سوق الغردقة»، وذلك لمحاولة إخفاء نشاطهم الحقيقى، ويبدو التفاعل داخل هذه الصفحات كبير جدا، ومرتادوها يعلنون عن البيع بسعر أعلى من السوق أو سعر البنك، فى استغلال واضح للأزمة الحالية، حيث يصل سعر الدولار على هذه الصفحات إلى 14 جنيها، على الرغم من أن السعر الحالى فى البنوك لا يتجاوز 9 جنيهات، كما يشارك المتعاملون عبر صفحات المضاربة بمعلومات عن أسعار البيع المطلوبة والكميات الموجودة لديهم، إضافة إلى نصائحهم عن أشخاص لديهم كمية كبيرة من الدولار أو نصائح لمن يمتلكون الدولار بالانتظار لعدة أيام توقعا منهم بإمكانية ارتفاع الأسعار.
وعلى جانب آخر يستغل أصحاب هذه الصفحات موسم الحج لرفع سعر صرف الريال السعودى، وذلك إدراكا منهم أن الحاجة تكون ماسة لعملة السعودية فى تلك الفترة من كل عام، ويطالب المتعاملون على أحد الجروبات لبيع العملة بعدم بيع الريال بأقل من 3.30 جنيه على الرغم من أن سعره الحالى لا يتجاوز 2.38 جنيه.
"برلمانى" تواصل مع أدمن أحد الصفحات ويدعى «عرابى»، الذى أوضح أن دورهم وسيط فقط بين المتعاملين، لافتا إلى أن السعر يحدده العرض والطلب فقط، رافضا الإفصاح عن مصادر تحصلهم على العملة بهذه الكميات الكبيرة المتداولة عبر الصفحة، وبسؤاله عن سعر الدولار حاليا قال: أنه بلغ 14 جنيها للشراء، و12.5 للبيع.
الملاحظ أن أكثر الموجودين على الصفحات هم من المستوردين، وذلك لحاجتهم إلى توافر العملة الصعبة لشراء بضائعهم، ويقول أحد المتعاملين مع الصفحات: أنه مستورد ويريد جمع أكبر كمية من الدولارات لوجود عجز حاليا فى تجميع الدولار لشراء ما يحتاجونه من بضائع.
وفى المقابل يقول «سمير» وهو أحد المتعاملين مع تلك الصفحات: «أنا اضطريت أتعامل مع صفحات زى دى لأنى كنت مسافر ومحتاج دولار بأقصى سرعة، رغم إنهم بيرفعوا الأسعار جدا، مستغلين أن الدولار مبقاش موجود.. يعنى عشان أجيب 1000 دولار بشكل صحيح ورسمى أصعب من الوصول للمخدرات».
وأكد أن طريقة التواصل معهم تكون عبر رسائل الصفحة وبعد الاتفاق على السعر تجرى مقابلة أحد الوسطاء فى مكان يتفق عليه لتسليم الدولارات والحصول على المبلغ بالجنيه المصرى، لافتا إلى أن الاتفاق على السعر يكون على حسب الكمية والوقت «فكلما كان الوقت أمامك قليلا يستغلون هذا ويرفعون المقابل بالمصرى».
وتعليقا على السوق «الافتراضية» الجديدة للعملة، يقول الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد والمسؤول السابق بصندوق النقد الدولى: أن هذه الصفحات تعد نتيجة طبيعية لقرارات البنك المركزى بغلق السوق الموازية لتداول العملة الصعبة، مما أعطى الفرصة لخلق سوق لهذه الصفحات والمضاربة بها بأعلى الأسعار بسبب احتياج الأفراد لعملة صعبة فى وقت معين.
وتابع الفقى بأن المضاربة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى تحتمل الكثير من المخاطر العالية، حيث يوجد بها شبهة نصب ويمكن أيضا أن تكون عملة مزورة لأنك لا تعرف أى شىء عن الشخص الذى تتعامل معه سوى حسابه عبر «فيس بوك»، لافتا إلى أن الحل يكمن فى إنشاء شركات صرافة تابعة للبنوك وتعمل بشكل مؤسسى من شأنه خلق منافس قوى لشركات الصرافة، التى لا يزال معظمها يعمل بطريقة تجار العملة.
ورأى الخبير الاقتصادى وائل النحاس أن صفحات التواصل الاجتماعى حل توصل له المصريون «الفهلوية» على حد قوله، للتغلب على الأزمة الحالية، لأن الحكومة لا تتناول أزمة الدولار بجدية، مؤكدا أن استخدام القبضة الحديدية مع شركات الصرافة أدى إلى لجوء تجار العملة للعمل عبر صفحات الفيس بوك، مما قد يساهم فى تعقيد الأزمة بصورة أكبر، ويقود إلى تكوين بورصة مستقلة بعيدا عن الدولة.
وتابع بأن علاج العجز فى ميزان المدفوعات لن يتحقق إلا بإصلاح المنظومة الاقتصادية وإعادة هيكلتها، مضيفًا أن الاستيراد بالجنيه المصرى سيقطع الطريق على تجار العملة، ويقضى على السوق السوداء فى مصر، فيما أكد لنا مصدر بوزارة الداخلية، أن قسم تنكولوجيا المعلومات بقطاع التوثيق والمعلومات بالوزارة يرصد كل الصفحات والمواقع التى تحرض على الاتجار فى العملة عبر الإنترنت، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها.
وأضاف فى تصريحات خاصة أن الأجهزة الأمنية منوط بها مكافحة جميع أشكال الجرائم، خاصة التى يتم ارتكابها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، والتى تضر بالاقتصاد القومى للبلاد، ويتم التعامل معها بناءً على محورين، أولهما عمليات الرصد والتتبع، وثانيهما بلاغات المواطنين عن وجود مثل هذه الصفحات.