يوم أمريكى حزين، وسنوات من الدموع العربية.. أطفال أمريكا يتذكرون أحزانهم يومًا واحدًا كل عام.. وأحزان أطفال العراق وأفغانستان عرض مستمر
سيظل يوم الحادى عشر من سبتمبر 2001 يومًا مشهودًا فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤثرًا فى تاريخ عدد من بلدان العالم، خاصة بلدان الشرق، مثل العراق وأفغانستان، إذ تسببت أحداث هذا اليوم فى خلق شرخ عميق بين دول الشرق، خاصة العرب، والعديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ما سيجعله دائمًا يومًا راسخًا فى أذهان الأطفال فى كثير من بقاع العالم، إلا أن رسوخه يختلف فى المضمون حسب ما حل بدولة كل طفل من آثار.
أطفال أمريكا.. الدقائق المعدودة بين خطف ثلاث طائرات مدنية، وتفجيرها فى برجى مركز التجارة العالمى، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، وما أسفر عنه من مقتل 2973 شخصًا، حولت اليوم لذكرى يحييها أطفال الولايات المتحدة الأمريكية يومًا واحدًا فى العام، حدادًا على أرواح ضحايا ذويهم، وبسبب هذا اليوم والسياسات الأمريكية التى تلت هذه الهجمات جعلت بلاد العراق وأفغانستان موطنًا دائمًا للأحزان.
يتجمع أهالى الضحايا بموقع التفجيرات التى تحل ذكراها الـ 15 اليوم، حاملين الورود، موقدين الشموع، ذارفين الدموع، غير عابئين بتلك الإجراءات التى قامت بها إدارة بلادهم ضد العرب والمسلمين، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ما تسبب فى موجة غير مسبوقة من الكراهية تجاه العرب والمسلمين، سواء داخل أمريكا أو خارجها، امتدت منذ ذلك التاريخ إلى الآن.
فى أفغانستان والعراق الحزن أعوام عديدة من الحزن.. بعد أقل من شهر تقريبًا على هجمات 11 سبتمبر 2001، كان أطفال العاصمة الأفغانية كابول لا يجدون مخبأ يحتمون به من القذائف الأمريكية المصوبة نحو منازلهم، مستهدفة آباءهم وذويهم، تلك القذائف التى استمرت لأكثر من 13 عامًا منذ أكتوبر 2001، حتى الخروج الأمريكى فى نهاية عام 2014.
خلفت الحرب الأمريكية على أفغانستان - بحسب إحصائيات دولية - نحو 150 ألف قتيل، كان ثلثهم من الأطفال والنساء، بما يمثل نحو 50 ألف ضحية، فيما تجاوزت أعداد النازحين داخليًا وخارجيًا نحو 4 ملايين أفغانى.
ووفقًا لما رصده فريق من الخبراء الكنديين فى مجالات الصحة والغذاء وعلم النفس، فى زيارة للعراق قبيل الحرب لمعاينة أحوال الأطفال، فقد خرجوا بتقرير يحمل عنوان "مسؤوليتنا المشتركة: تأثير الحرب القادمة على أطفال العراق"، أوضحوا من خلاله أن أطفال العراق يعيشون حالة من الرعب والخوف من الحرب التى من المتوقع أن يصل عدد ضحاياها من الأطفال إلى عشرات أو مئات الآلاف، حيث سيواجهون الموت إما جوعًا أو قتلًا، أو يحملون معهم ذكرى إلى مدى العمر، وهو الواقع الذى لم يكترث به الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الذى أصر على خوضها، ما كان من شأنه تعميق الجراح لأجيال كاملة.
فأطفال العراق الذين ولدوا لحظة تفجير برجى مركز التجارة العالمى كانت أعمارهم لا تتجاوز حينها العامين تقريبًا، عندما بدأت طائرات الـ إف 16 الأمريكية فى قصف بلادهم، فخلعوا ملابس الطفولة ليرتدوا الزى العسكرى، أو زى التشرد بسبب الحرب التى امتدت آثارها إلى اليوم.. تقول تقارير أممية إن ما بين 800 و900 طفل تم اختطافهم على أيدى تنظيم داعش من مدينة الموصل العراقية عام 2015 فقط، وذلك لتدريبهم دينيًا وعسكريًا، وجرى تقسيم الأطفال إلى مجموعتين، الأولى لأطفال تتراوح أعمارهم بين خمس و10 سنوات، وتم وضع هؤلاء فى مخيمات لتلقى تكوين دينى، والمجموعة الثانية للأطفال بين الـ10 و15 سنة، واقتيد أصحابها إلى مخيمات تدريب عسكرية.
وبحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة «يونيسيف»، تراوح عدد اليتامى فى صفوف أطفال العراق منذ الاحتلال الأمريكى بين 4 و5 ملايين طفل يتيم، تعيلهم 1.5 مليون أرملة، حيث بلغ معدل القتل 100 حالة يوميًا، ثلثهم تقريبًا من الأطفال.
وقالت «اليونيسيف» فى تقريرها إن أطفال العراق يعانون الحرمان من أبسط الحقوق التى يتمتع بها أقرانهم فى الدول الأخرى، وذكرت المنظمة أن أكثر من 360 ألف طفل يعانون من أمراض نفسية، وأن 50 % من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة، ووفقًا لوكالة الأخبار العالمية إكسبريس السويدية فإن 500 دولار هى قيمة بيع الأطفال الرضع والكبار، بأحد أسواق بغداد.
وبحسب بيانات رسمية من وزارة البيئة العراقية، فإن أطفال العراق مهددون أيضًا برواسب ومتبقيات الحرب والقنابل غير المنفجرة التى تودى بحياة الكثيرين، ومن بينهم الأطفال بشكل يومى، خاصة فى ظل وجود نحو 16 مليون قنبلة عنقودية لم تنفجر حتى الآن، بما يمثل نحو 30% من القنابل العنقودية التى ألقيت على العراق، والتى تمثل نحو 50 مليون قنبلة عنقودية، فيما تشير وكالة «فيدس» الإيطالية إلى وجود نحو 20 مليون لغم، موزعة على مساحة تبلغ 1700 كم مربع. وبحسب «اليونيسيف» أيضًا فإن أكثر من نصف مليون طفل عراقى سيكونون بحاجة إلى علاج نفسى من الصدمة النفسية التى تعرضوا لها خلال الحرب، كما تشير تقارير صحفية إلى أن العديد من الأطفال الذين ساءت أحوالهم النفسية فى أوقات الحرب، واستطاعوا النجاة فإن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا فى جيل كامل ممن نجوا من الحرب، وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها، قد يكون أقلها العداء أو الكره للبلد الذى تسبب فى تدمير بلاده، وهو ما يفسر ازدياد أعداد الأطفال أو الفتيان المنضمين للتنظيمات المسلحة.
شرخ فى هيبة الولايات المتحدة.. قاد «بوش الابن» لجنون الحرب على أفغانستان والعراق.. ودفع الإدارة الأمريكية إلى خلق بيئة فوضوية فى أغلب دول العالم
فى صباح 11 سبتمبر 2001 لم يكن سكان مدينتى نيويورك وواشنطن فقط على موعد مع المصدمة، ولكن العالم كله كان على موعد مع بدء شرارة لحروب كبرى ما زال يعانى منها حتى اليوم رغم مرور 15 عامًا.
خسائر يوم 11 سبتمبر لم تتوقف على برجى مركز التجارة العالمى، ولا فى أعداد الضحايا الذين سقطوا، لكنها امتدت إلى هيبة الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، حيث قضت على مزاعم الأمريكان حول قدرتهم العالية على التأمين الداخلى لبلادهم، وهو الأمر الذى أطلق العنان للإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن شهوة الانتقام التى لم تتوقف إلا بعد سنوات.
بعد أيام قليلة من 11 سبتمبر كان بوش قد قرر بدأ الهجوم على حركة طالبان، وتنظيم القاعدة فى أفغانستان إلا أن هذه الهجمات لم تُعد الهيبة الأمريكية، خصوصًا أن الهدف المعلن منها هو القبض على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، إلا أنه لم يقتل إلا بعد مرور نحو 9 سنوات على الحرب، كما أن طالبان لم ترفع يدها عن أفغانستان بعد، بل إن التقارير الدولية تشير إلى إمكانية سيطرتها على أفغانستان مرة أخرى خلال عام 2017.
انكسار الهيبة الأمريكية بالتزامن مع الرغبة العالية فى الانتقام نتج عنهما تغير كلى فى رؤية الولايات المتحدة لكيفية حماية مصالحها فى الداخل والخارج، فلم تقتصر هذه المرة كما كان فى السابق بالهجوم على الجماعات الإرهابية، بل امتدت لاستهداف أنظمة تتعارض مع المصالح الأمريكية، أو كما أطلق عليهم الرئيس الأمريكى السابق بوش الابن «محور الشر» الذى ضم بحسب مزاعمه كلًا من العراق وإيران وكوريا الشمالية، حيث اتهم هذه الدول بدعم الجماعات الإرهابية، والسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، مما يهدد العالم بأسره.
وفى عام 2003 جاء وقت الجد، حيث قادت الرؤية الجديدة لبوش الابن إلى الحرب على العراق، بدعوى امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل على عكس ما جاءت به بعثة المفتشين الدوليين، التى أكدت بدورها أنها لم يثبت لها امتلاك العراق لهذه الأسلحة، علاوة على تقديم الرئيس العراقى ما يثبت أنه توقف عن برنامجه النووى منذ 1991، لكن كل هذه الأسانيد لم توقف ما نواه بوش الابن الذى قاد تحالفًا دوليًا، وبدأ عمليات عسكرية فى العراق لتسقط بغداد 9 إبريل 2003.
على مدى سنوات بقاء القوات الأمريكية داخل العراق، لم يثبت وجود هذه الأسلحة، واعترفت مؤخرًا الدول المشاركة فى التحالف أن بوش الابن قد ضللهم فى مزاعم هذه الحرب، لكن اعترافهم هذا لن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، حيث خلفت الحرب وراءها حالة من الفوضى فى العراق، بدأت من تشكيل قوات مناهضة للوجود الأمريكى، ثم صراع بين السنة والشيعة داخل العراق نتيجة التميز الأمريكى للشيعة على حساب السنة، خلف وراءه صراعًا لا يدفع ثمنه سوى العراق وجيرانه من العرب فقط.
من رحم الأزمة فى العراق، خرج تنظيم جهادى تحت مسمى «التوحيد والجهاد» يقوده أبومصعب الزرقاوى، والذى مثل مبعوثًا لتنظيم القاعدة فى هذه المعركة، وظهر للمرة الأولى فى ساحة المعركة بالعراق، بإعلانه إنشاء جماعة التوحيد والجهاد، التى بايع من خلالها تنظيم القاعدة فى 2004، والذى ظهر فى أول فيديو له بإعلان ذبح رهينة أمريكية، فصار الذبح نهجها فى العراق.
ومع بداية انتكاسات ثورات الربيع العربى، خاصة فى سوريا، تبلورت الجماعات الجهادية، واندمجت مع بعضها مكونة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، بحسب زعمهم، لتستغل الصراع بين ما يسمى بالجيش السورى الحر، وما يعرف بالجيش النظامى، فالاستحواذ على أراض واسعة داخل الحدود السورية، واستفاد من خلالها بالنفط والأسلحة المتساقطة من الطرفين، وسرعان ما تطور التنظيم، حيث أعلن فى 29 يونيو 2014 تغيير اسمه إلى تنظيم الدولة فقط، ليؤكد توجهه إلى العالم كله بمزاعم إنشاء خلافة عالمية، وبهذا يصبح العالم كله على موعد مع الدمار الذى يفعله الابن المشوه الذى نتج عن فوضى ما بعد غزو العراق.
لم تنته أحداث الحادى عشر من سبتمبر بانفجار الطائرتين، وخسائر فى الاقتصاد الأمريكى، ومقتل المئات من المواطنين الأمريكيين، لكن دعوة الانتقام التى انتهجتها الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية، والخلط بينها وبين أنظمة تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، كنظام صدام حسين، وما ترتب عليه من ميلاد لتنظيم كبير يحمل أفكارًا متطرفة حول منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة صراع، دفعت ثمنه أوروبا، سواء بتحمل المزيد من اللاجئين النازحين من مسرح الصراع الجديد، أو بالعمليات الإرهابية التى وقعت بالفعل فى قلب أوروبا، سواء أحداث نيس أو بروكسل أو باريس، وغيرها من العمليات الذى ينفذها مهاجروون بايعوا التنظيم، وكذلك تدفع الدول العربية فاتورة تهور الولايات المتحدة الأمريكية للانتقام من أجل هيبتها، سواء بالمزيد من الفوضى، أو تأجج الصراعات داخل أراضيها، أو مولاة الأنظمة العربية لها لضمان الاستمرار، ومن ثم عدم التقدم نحو النمو الذى تتطلع له شعوب المنطقة العربية.