شمال سيناء ـ محمد حسين
الدكتور سليمان القماش، عميد كلية الطب بجامعة قناة السويس سابقًا، قرر الاستغناء عن عيادته، والإقامة فى مستشفى العريش العام، لخدمة أهالى سيناء، وانتظار وصول المصابين للتدخل وإنقاذ حياتهم، يتخذ من إحدى الغرف مكانًا للمبيت آخر الليل، حتى لقبه المرضى بـ"جراح الوطن".
وعلى الرغم من أن الدكتور القماش تجاوز عمره السبعين عامًا، إلا أنه لا يزال يمتلك حيوية الشباب أثناء أداء عمله، وبسبب عشقه لمهنة الطب، دفعه لهذا المكان لخدمة المرضى تاركًا أى مجد أو شهرة أو مال.
فى حديقة أمام بوابة الطوارئ بمستشفى العريش العام، التقى "برلمانى" الدكتور سليمان القماش، فى حديث انقطع أكثر من مرة بسبب وصول سيارات إسعاف تحمل حالات حرجة، تحدث خلاله الجراح الكبير عن أسباب تمسكه بالعمل فى مدينة العريش، ودوره فى إنقاذ الحالات الحرجة التى تصل للمستشفى.
وعن بداية مشواره قال الدكتور سليمان القماش، "أنا من أبناء مدينة الإسماعيلية، ولدت وعشت وتزوجت فيها، وفى بداية حياتى العملية التحقت بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية، وحصلت على وظيفة محاسب، وتمكنت من إعادة الدراسة فى الثانوية العامة، والحصول على مجموع مرتفع ودخول كلية طب قصر العينى، وعينت طبيبًا مقيمًا بمستشفى الزقازيق، وواجهت الحياة كطبيب بالتزامن مع انتشار حالات البلهارسيا، وتتلمذت على يد أستاذ الجراحة الدكتور محمد عاطف رئيس جامعة الزقازيق السابق".
وأضاف "القماش"، فى هذا الوقت طالبنا، كمجموعة شبابية نشطة فى مدينة الإسماعيلية، بإنشاء جامعة، والتقط الفكرة المهندس عثمان أحمد عثمان، مع محافظ الإقليم فى ذلك الوقت عبد المنعم عمارة، وكان القرار بإنشاء جامعة قناة السويس، وفيها عينت أستاذًا للجراحة، حتى وصلت إلى منصب مدير المستشفى الجامعى وعميدًا لكلية الطب، وعقب إحالتى للمعاش عملت مع فريق الطوارئ بوزارة الصحة، وأستاذًا متعاونًا مع "جامعة دمار" اليمنية، ورفضت عرضا لمنظمة الصحة العالمية بالعمل فى "جامعة صباح" بماليزيا، رغم الفارق المالى، بسبب إيمانى برسالتى وأهمية دورى لعلاج البسطاء.
وأكد عميد طب قناة السويس السابق، أنه أثناء عمله مع فريق الطوارئ بوزارة الصحة، تم تكليفهم بالتوجه لمستشفى العريش العام فى 2008 لعلاج المصابين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، نتيجة الهجوم الإسرائيلى آنذاك، وكانت ملحمة لوزارة الصحة المصرية، شارك فيها أكثر من 70 طبيبًا انتقلوا لقطاع غزة للإشراف على نقل المصابين، ومن هنا كان الوصول للعريش وارتباطه بها بعد ذلك.
وأضاف "القماش"، أن وزارة الصحة كلفت فريق الانتشار السريع الذى كان ضمن طاقمه بالتوجه لمستشفى العريش، قبل 3 سنوات، لعلاج الإصابات الناتجة عن العمليات الإرهابية، ووصلوا إلى هناك بالفعل، وغادر الفريق المستشفى بعد إجراء العمليات الجراحية للمصابين، إلا أنه قرر البقاء بالمستشفى الذى يعمل به كطبيب متعاقد مع وزارة الصحة، مؤكدًا أن تمسكه بالبقاء جاء بعد اطلاعه على الأوضاع ومدى حاجة الأهالى لطبيب متخصص لعلاج أبرياء يسقطون كل يوم، ولا يجدون من ينقذهم بسبب افتقار المنطقة لمتخصصين فى الجراحات، وأنه يعتبر نفسه صاحب رسالة مهنية تحتم عليه ألا يتخلى عن دوره الوطنى فى هذا الوقت الذى تمر به مصر.
وأشار "القماش" إلى أنه لا يحصل على أى مميزات مالية، لأنه متعاقد مع وزارة الصحة، وهو أكبر الأطباء المتعاقدين مع الوزارة، طبقًا لدرجته العلمية، وما يحصل عليه فى اليوم يحصل عليه الأطباء المتعاقدون فى بروتوكول التعاون مع جامعة قناة السويس مضاعفًا، وبالتأكيد لو استمر فى عيادته بالإسماعيلية كان سيحقق إيرادات مضاعفة.
وأوضح "القماش" أنه يقضى يومه فى المستشفى مقيمًا بإحدى غرفه، ليكون قريبًا من المرضى حال استدعائه فى أى وقت، ويظل مرتديا ملابس العمليات طوال يومه، مؤكدًا أن بقاءه فى المستشفى أفاد كثيرًا من الحالات الحرجة التى تصل ليلا، مشيرا إلى أنه أصبح صديقًا للمرضى خاصة المصابين فى العمليات الإرهابية والذين لقبوه بـ"جراح الوطن"، قائلا، "إن العمل فى شمال سيناء رسالة أوجهها لجميع الأطباء، بأنه ينمى روح الانتماء لمصر، وعندما تقابل أحد الضحايا من الأبرياء المدنيين تشعر بقيمة الانتماء، لأنهم يتمسكون بأرضهم رغم ما يواجهونه من مخاطر".
وأشار "القماش"، إلى أنه خلال تواجده بمستشفى العريش أجرى أكثر من 600 عملية جراحية، وهى حالات نادرة فى الإصابة وجديدة من نوعها، فضلا عن عمليات استئصال أورام والتدخل فى عيوب خلقية، مشددًا على ضرورة توفير احتياجات مستشفيات شمال سيناء، بمختلف التخصصات، مخ وأعصاب وجراحة أوعية دموية وغيرها.