كعادته، يبعث الرئيس عبد الفتاح السيسى برسائل الطمأنة للمصريين هنا وفي مختلف بلدان العالم؛ فرغم كل التوترات التي يشهدها العالم، ورغم كل الظروف المعقدة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، يطمئن قلبك من خلال كلمات الرئيس، خاصة في المناسبات والاحتفالات، أن هذا البلد علي الطريق الصحيح، وأن معركتي البناء والبقاء اللتان تخوض غمارهما مصر- رغم كل التحديات والمؤامرات وحروب الجيل الرابع وبالوعة الشائعات التي تتعرض لها الدولة المصرية- هما الأساس في انطلاق هذا البلد وانتصاره ضد كل من يحاول-بما أوتي من قوة ومال- انكساره.
اليوم، لم تستغرق كلمة الرئيس السيسى خلال تهنئته للشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه من كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية، سوي دقائق معدودة، وكانت الأقل وقتاً عن كل الكلمات السابقة التي وجهها الرئيس فى احتفالات عيد الميلاد المجيد؛ لكنها كانت الأكثر دلالة، والأشد في رسائلها، والأعمق في معانيها، وفقاً للظروف الراهنة، والمقتضيات التي تفرض نفسها.
الرئيس مع بدء كلمته حدد رسائل مقتضبة ومركزة، فكانت الرسالة الاولى للمصريين بكافة ميولهم ومعتقداتهم، قالها كعادته بالعامية، من القلب للقلب:"إحنا لازم دايما نخلى بالنا من علاقتنا لبعضنا البعض، وبكلم كل الناس، لازم إذا كنتوا بتحبوا ربنا حبوا بعضكم".
يؤمن الرئيس السيسى بأن فى الحب والمودة بين أبناء الوطن الواحد قوة ومنعة، وربط ذلك بحب الله الذي نعبده جميعاً، فمن أحب الخالق، لا بد أن يعمل بتعاليمه وفطرة الإنسانية التي خلقنا عليها، وهي البناء لا الهدم، والمحبة وليس الكراهية، والسلام وليس التشرذم والتطرف والاقتتال.
وفى رسائله أيضاً كان الرئيس واضحاً وهو يقدم النصيحة لأبناء الوطن الواحد:" متخلوش حد أبداً يدخل بيننا ويحاول يوقع بيننا ويحاول يعمل فتنة بيننا، البلد دى بلدنا كلنا وهتفضل بلدنا كلنا، لا حد ليه زيادة ولا حد ليه نقص، والكلام دا بقى ثقافة وعادات وتقاليد بينا، وإحنا دايماً مع بعض وكل واحد عارف زيه زى أخوه، وكلنا زى بعض، ودايمًا تخلوا بالكم، وأى محاولة للفتن أو الوقيعة ننتبه لها، ويبقى مخنا وقلبنا أكبر منها".
هذه نصائح تؤكد علي السياسة المصرية التي تعلى مفهوم المواطنة، وترفعه علي كل النعرات القبلية والعرقية والطائفية التي تعاني منها دول أخرى؛ إنها هوية المصريين التي قامت ثورة 30 يونيو من أجل استردادها بعدما ظن "أهل الشر" أنهم قادرين علي العبث بها ومحوها من قلوب المصريين، ولا يدركون أنها محفورة فى عقولهم وتراثهم.
ثم جاءت رسالة الرئيس السيسى، التي يؤكد عليها دائماً، وصارح بها العالم كله فى المحافل الدولية:"احنا بنتعامل بشرف فى زمن مفيش فيه شرف".
نعم، يقصد الرئيس السيسى المعني بكل تفاصيله، فى عالم توحش وغلبت فيه المادة علي الإنسانية، وتوحشت فيه الرأسمالية علي أنقاض البسطاء، ويترقب "الأندال" انطلاق شرارة الحروب فى بلدان لتدميرها ونهب ثرواتها، فى حين بح صوت مصر منأ الحفاظ على الدولة الوطنية ونبذ العنف والتطرف ومواجهة الإرهاب والقضاء عليه واستعادة المؤسسات الشرعية واحترام إرادة وخيارات الشعوب.
ولم تخل رسائل ونصائح الرئيس السيسى، من التشبث بالأمل، وبث روح المحبة، ونثر بذور الخير واليقين بأن الله مطلع ولا يمكن أن يكون إلا عادلاً:"ربنا موجود فوق ومطلع علينا، ولا يمكن أبدًا ربنا ينصر إلا الأشراف والمخلصين والأمناء والمحبين لبعضهم البعض، وكلنا مع بعض".
وإذا كان الرئيس بعث برسائل المحبة والمودة لكل المصريين، فإنه لم ينس طمأنتهم فى ظل الظروف الصعبة التي تخيم علي المنطقة والعالم، والتداعيات الخطيرة التي تنذر بحرب إقليمية؛ وجاءت كلمات الرئيس للمصريين :"أنا شايف المصريين قلقانين، انتو قلقانين من إيه؟"، لتؤكد على أن الرئيس متابع جيد لكل ما يدور علي الساحة الإعلامية، وما يتم ترويجه علي "السوشيال ميديا"، كما أنه يملك من الفطنة ودهاء القائد ما يجعله مطمئناً لكافة التدابير المتخذة لقيادة وصيانة بلد بحجم مصر.
لقد أثبت الرئيس السيسى، أنه قارئ ممتاز لهذا العالم وتقلباته اللحظية وتموجاته العاتية، فلم يحذر من تداعيات إلا وكان لها أثراً، ولم يحذر من إرهاب إلا وضرب دولاً وعواصم حتي تلك التي كانت بعيدة عن الاضطرابات، كما لم يراهن علي شئ لم يحدث، والأمثلة علي ذلك عديدة أبرزها رهانه علي فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن كل استطلاعات الرأى ومراكز الأبحاث العالمية كانت تشير لفوز المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون!
وبعد أن كان العالم متأثراً بما تبثه القنوات ووسائل الإعلام غير المهنية عن الأوضاع فى مصر، عقب الإطاحة بحكم الإخوان بفضل ثورة 30 يونيو، أجبر الرئيس السيسى العالم على احترامه، وصارت القاهرة قبلة للقادة والمسئولين الذين يحترمون القيادة المصرية، ويتطلعون لمعرفة تقديراتها للأوضاع فى المنطقة والعالم.
لقد رد الرئيس السيسى على ما استنتجه من متابعته للأحداث خلال الأيام الماضية، بأن المصريين قلقين، لكنه رد بالقطع:"مفيش مجال للقلق، لسبب واحد، إن احنا مع بعض، وطول ما إحنا مع بعض محدش يقدر يعمل فينا حاجة..وربنا سبحانه وتعالى أراد إننا نكون فى ظروف صعبة، بس ده لينا وعلينا، لينا إننا ناخد بالنا وننتبه ونلاحظ ونقول، كان ممكن يبقى حالنا كده وظروفنا كده، ايوة، وعلينا إننا نخلى بالنا من بلدنا، طول ما إحنا مع بعض والشعب المصرى إيد واحدة محدش يقدر يعمل معانا أو فينا حاجة، ولا حد يقدر يجرجرنا هنا ولا يجرجرنا هنا، واحنا قادرين بفضل الله سبحانه وتعالى وبدعوات الناس الطيبين زيكم إن ربنا يلهمنا الصدق والبصيرة ونبقى شايفين وفاهمين كويس قوى الإجراء الأفضل اللى ممكن نعمله".
هذا وطن لا خوف عليه، بقيادة واعية ونسيج واحد، رغم كل التحديات الصعبة التي يواجهها، والظروف الإقليمية القاسية التي يعيش في محيطها..فمصر التي تخلصت من دنس الذين أرادوا نسف هويتها، ستعبر إلى البر بأمان، حاملة هذه الأزهار المبهجة كالتى قدمها السيسى للشعب المصرى فى كاتدرائية ميلاد المسيح.