تواصل إثيوبيا المراوغة في قضية سد النهضة وعدم توافر إرادة سياسية حقيقية للتوصل لاتفاق قانونى ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد الذى يشكل هاجسا لدولتى المصب في ظل تعنت حكومة أديس ابابا وتوظيفها لقضية سد النهضة سياسيا في ظل المشكلات الداخلية التي تعانيها.
ورغم إبداء مصر والسودان حسن النوايا والتوقيع على اتفاق المبادئ مع إثيوبيا فلم يكن لديهما أي مشكلة في قيام أديس أبابا بتوليد الكهرباء أو حقها في التنمية بشرط أن يكون هناك إطار قانوني ملزم بعمليات الملء والتشغيل والإدارة، وبدأت أديس أبابا في تنفيذ الشق الأول من الاتفاق، إلا أن أديس أبابا لم تلتزم بما وقعت عليه وضربت عرض الحائط باتفاق المبادئ ما يضر مصالح مصر والسودان.
ويرى خبراء أن التخوف المصرى والسودانى من الملء الثانى لسد النهضة ليس من فراغ وسببه المخاطر التي تعرضت لها دولة السودان في عملية توليد الكهرباء من سد الروصيرص خلال عملية الملء الأول لسد النهضة، وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشاكل نتيجة القرار الأحادى بعملية الملء الأول.
وتحتاج عملية الملء الثاني لسد النهضة إلى 13.5 مليار متر مكعب من المياه، وفى حال أقدم أديس أبابا على تلك الخطوة دون إخطار السودان سيؤدى ذلك إلى تضرر الخرطوم بشكل كبير لأن السودان يتعامل في تشغيل سدوده عن طريق البيانات اليومية التي تأتي من أعالي النيل الأزرق، فإذا ما انفردت إثيوبيا بالملء الثاني دون تنسيق مع السودان وإخطارها بالبيانات اليومية بعملية ملء سد النهضة ومعرفة نهاية فترة الملء حتى يستطيع السودان أخذ احتياطات فستكون هناك مشكلة كبيرة.
فيما تواجه مصر والسودان تحد آخر بسبب الملء الثانى لسد النهضة وهو يتعلق بالتغييرات المناخية في ظل الارتفاع الملحوظ في درجة الحرارة، وتغيير في توزيع المطر والجفاف، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب سطح البحر، ما يتطلب إعادة توطين المواطنين وتغيير أنشطتهم، فضلا عن الزيادة السكانية في مصر ونقص الموارد المائية، حيث تحتاج القاهرة فعليا إلى 114 مليار متر مكعب سنويا، ومتاح لديها الآن 60 مليار متر مكعب فقط، وتعيد استخدام 20 مليار متر مكعب، وفى حال نقص مليار متر مكعب من حصة مصر فهذا يعنى تضرر 200 ألف أسرة مصرية.
وكثفت مصر والسودان تدخلها النشط من قبل المجتمع الدولي لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا في انتهاج سياستها القائمة على السعي لفرض الأمر الواقع، وحذرتا من المخاطر الجدية والآثار الوخيمة المترتبة على الملء الأحادي لسد النهضة.
اتفق الجانبان المصرى والسودانى على المخاطر الجدية والآثار الوخيمة المترتبة على الملء الأحادي لسد النهضة وأكدا على أهمية تنسيق جهود البلدين على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا على التفاوض بجدية وبحسن نية وبإرادة سياسية حقيقية من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة، بعد أن وصلت المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي.
وتتوافق رؤى البلدين حول ضرورة التنسيق للتحرك لحماية الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة وفي القارة الأفريقية، وهو ما يتطلب تدخلاً نشطاً من قبل المجتمع الدولي لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا في انتهاج سياستها القائمة على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب والإرادة المنفردة التي تواصل إثيوبيا اتباعها والتي تتجسد في إعلانها عن عزمها على ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل دون مراعاة لمصالح السودان ومصر.
في آخر اجتماع لوزراء الخارجية والري في السودان ومصر أعربوا عن بالغ القلق إزاء الآثار والأضرار المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي ومن دون اتفاق ملزم قانوناً ينظم عمل هذا السد الضخم على حقوق السودان ومصر ومصالحهما المائية، وأكدوا على أهمية تضافر الجهود الدولية من أجل الوصول لتسوية لأزمة سد النهضة تراعي مصالح الدول الثلاث وتحقق مصالحها المشتركة.
كانت وزارة الخارجية قد أرسلت خطاب وزير الموارد المائية والرى للوزير الإثيوبى، الذى يفيد بالبدء فى الملء الثانى لسد النهضة، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإحاطة المجلس - والذى سيعقد جلسة حول قضية سد النهضةالخميس المقبل - بهذا التطور الخطير، والذى يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا، وإصرارها على اتخاذ إجراءات أحادية لفرض الأمر الواقع، وملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق يراعى مصالح الدول الثلاث، ويحد من أضرار هذا السد على دولتى المصب، وهو الأمر الذى سيزيد من حالة التأزم والتوتر فى المنطقة، وسيؤدى إلى خلق وضع يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمى والدولى.