لملايين المتضررين.. هل للإيذاء النفسى تجريم فى القانون؟.. المشرع تفادى الثغرة من خلال تعديلات قانون العقوبات.. وجرم أشكال الإساءة والإيذاء بمادتى "التنمر" و"التهديد"..والعقوبة تصل للحبس سنة و100 ألف ج
الأربعاء، 22 سبتمبر 2021 03:37 ص
النفس البشرية تعرف بكونها جزءاً لا يتجزّأ من الإنسان غير مادية أو محسوسة، ولقد أُطلق عليها مفاهيم عديدة من قبل الأديان السماوية ومن هذه المفاهيم: "الروح، والعقل، واللاوعي"، وقد عُرفت الروح من وجهة نظر دينية بكونها الوجود الإلهي في جسد الإنسان، ولكن سرعان ما بدأ يتلاشى هذا المفهوم مع التقدم الحضاري، وللنفس البشرية وظائف متعددة منها النمو والتغذية والقدرة على الاستنساخ والحركة والقدرة على الإدراك والقدرة على التفكير والعمل.
وينبغي عدم الخلط منذ البداية بين قصد الجاني إيذاء نفس المجني عليه في حد ذاته وبين الإيذاء النفسي الذي يستهدف به الجاني نتيجة أبعد، كوفاة المجني عليه أو توقعها وفقا للمجرى العادي للأمور ورغم ذلك يقبلها، إذ لا خلاف على أنه إذا أثر الانفعال النفسي على نفسية المجني عليه، فتوفي فإنه يمكن مسألة الجاني عن جريمة قتل بالوسائل المعنوية، لأن الجاني هنا وأن لم يمس جسد المجني عليه إلا أنه أحدث به انفعالات تؤثر على عمل أعضائه الداخلية، فتؤثر على عمل هذه الأعضاء أو تعطلها مما تؤدى إلى وفاته.
هل للإيذاء النفسي تجريم في القانون؟
في التقرير التالي، يلقى "انفراد" الضوء على إشكالية تجريم الإيذاء النفسي من عدمه والذي يتسبب في الكثير من الكوارث خاصة داخل الأسر والبيوت، وفى الحقيقة القانون لم يحدد وسائل القتل ويحصرها في الأفعال المادية، وإنما أطلق النصوص بقوله: "كل من قتل نفسا فأي وسيلة تفضي إلى القتل كافية ولو كانت معنوية أو بالأحرى نفسية والعمد قصد الجاني المباشر أو الاحتمالي وعلاقة السببية بين الوسيلة والوفاة – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - من تلك الوسائل المعنوية التي تتسبب أحيانا في الوفاة: ترويع طفل صغير مريض بالأعصاب بطريقة متتابعة ومتصاعدة حتى ينهار ويموت، شتم وإهانة شخص مريض يتأثر بالانفعالات، إشهار سلاح فى وجه آخر، فيموت المجني عليه خوفا، وكذلك الصيحة على شخص يقف على حافة عالية فيسقط، وإخبار شخص مريض بالقلب خبر بطريقة مفزعة، مما يودى به بنوبة قلبية تنتهى بوفاته، التنمر على شخص وايذائه نفسياَ حتى يفكر في مغادرة الحياة، كل هذه الأفعال تعتبر جرائم قتل سواء "مقصودة أو غير مقصودة حسب نية الفاعل"، فيما إذا أدت إلى وفاة المجنى عليه – وفقا لـ"فاروق".
الإيذاء النفسي في كثير من الأحيان يكون أشد فتكا بالإنسان من الايذاء الجسدي
وعلى الرغم من أن النفس غير مادية أو محسوسة إلا أنها من المتصور أن تتعرض لإيذاء الغير من خلال أفعال أو أقوال بما يؤثر بالسلب على وظائفها، فيعتل جسم الإنسان ويمرض دون أن يستهدف الجاني هذا وذاك، ولقد أوضح العلماء حديثا أن الإيذاء النفسي في كثير من الأحيان يكون أشد فتكا بالإنسان من الايذاء الجسدي، ولهذا يتساءل فقهاء القانون الجنائي هل ايذاء نفس الإنسان في حد ذاته يشكل جريمة جنائية؟ ومن ذلك الشخص الذي يتلاعب بمشاعر فتاة، فيوهمها بحبه لغرض غير مشروع، فيحيك الشباك حولها ويرسم لها الأماني، ويفرش المستقبل زهور وبساتين، فتصير عواطفها ومشاعرها ملك له، ولا تملك منها فكاكا وحينما يحقق غرضه أو يفشل يتركها صريعة اللآلام والحسرة بعد أن تكون مشاعرها وعواطفها قد ارتبطت به.
وكذلك الفتاة التي تستغل شاب لمصلحتها الشخصية واستغلاله ماليا، فتتلاعب بعواطفه انائ الليل وأطراف النهار، وتوهمه بالحب، ثم تتركه بعد قضاء مصالحها، فيصاب بألم نفسي وجرح نافذ في المشاعر والأحاسيس، وأيضا من يتعمد إيذاء آخر بإيصال اخبار كاذبة اليه تعكر صفو حياته وتهز كيانه، فيمرض ويكتئب، وكذلك المعلم الذي يشعر أحد الطلاب بأنه غبي وفاشل فيمرض ويكتئب، ولا شك في أن هذا المسلك يشكل جريمة اخلاقية يلفظها المجتمع، ولا ترض عنها اخلاقه بل يتعارض مع تعاليم الأديان السماوية التي قررت أن "الغش ذنب"، ولكن هل يحقق هذا السلوك جريمة جنائية؟ وبعبارة أخري هل ايذاء الإنسان في مشاعره وأحاسيسه يشكل جريمة جنائية؟
المشرع تطرق للمساس بجسم الإنسان المادي
يقول "فاروق" – لا خلاف في أن هذا الإيذاء النفسي إذا ترتب عليه استغلال الرجل والحصول منه على مال أو المرأة والحصول منها على لذة جنسية، قد يشكل جريمة نصب أو ارتكاب فعل مخل بالحياء مع امرأة أو حتى أحد جرائم العرض، ولا يعترض بفرض الرضا لأنه رضا معيب ناتج عن غش وخداع أثر في الإرادة، فلا يعتد به في نفي الجريمة، ولكن يدق الأمر في غير هذه الأحوال أو بالأحرى حينما يلحق بالإنسان، فحسب ضرر وألم نفس فهل هناك جريمة؟
لا شك في أن المشرع في أي دولة يسعى إلى حماية جسد الإنسان، فيحظر إيذاءه بدنيا أو معنويا ولهذا كان من المفروض أن التلاعب بمشاعر الناس أن ترتب عليه إيذاء معنويا اندرج في مصاف التجريم، لاسيما وأن الضرر النفسي قد يكون أشد باسا من مجرد لطم على الوجه أو جرح بسيط في ظاهر الجسم، ولكن يلاحظ أن المشرع المصري جرم فحسب المساس بجسم الإنسان المادي من خلال تحريم أفعال الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة دون تجريم السلوك الذي لا يمس جسد الإنسان الخارجي، ويترتب عليه الإضرار المعنوي بنفسيته رغم خطورته، ونظرا لعدم جواز القياس على نصوص التجريم، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص كان الإيذاء النفسي في حد ذاته غير مجرم في مصر ولو ترتب عليه ضرر واضطراب نفسي للضحية ولو كان جسيما – الكلام لـ"فاروق".
وما ذكرناه سياسة تشريعية - محل نظر - ذلك أن المساس بمشاعر إنسان وإيذائه معنويا لا يقل خطورة عن إيذائه بدنيا من خلال المساس بجسده خارجيا بل قد يكون خطره أكثر، فمحل الحماية هو الإنسان ككل دون فرق بين الإيذاء المادي أو المعنوي، فكل سلوك يضر بصحة الأنسان يجب تجريمه، وهي نتيجة لم تغب عن بال بعض الفقهاء والمشرعين مثل المرحوم الدكتور محمود نجيب حسني الذي حاول أن يتوسع في تحديد معنى الأفعال التي تمس بجسد الإنسان والمتمثلة في الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة، ليدخل فيها أي سلوك يضر بصحة الإنسان ماديا أو معنويا، ولو لم يتخذ أحد هذه الصور الثلاثة متي ترتب عليه مثلا صدمة عصبية أو اكتئاب.
تعديلات تشريعية جرمت الإيذاء النفسي الخاصة بالتنمر
وهي نتيجة محمودة الدوافع - ولكنها محل نظر إذ تنطوي علي تفسير موسع وقياس محظور، وهي ولئن كانت تصلح كدعوة كي يجرم المشرع أفعال المساس بنفسية الأنسان، إلا أنها لا تصلح لمد التجريم دون نص بلي عنق نصوص قائمة، ولكن نعتقد أن من يتلاعب بمشاعر الناس، ويترتب عليه اصابتهم بضرر نفسي يرتكب جريمة ايذاء خفيف، وهي الجريمة المنصوص عليها بالفقرة التاسعة من المادة 377 عقوبات وهي مخالفه عقوبتها – طفيفة - غير أنه بموجب التعديلات التي أدخلت علي قانون العقوبات بإضافة المادة 375 مكررا الخاصة بالبلطجة والمادة 309 ب الخاصة بالتنمر يمكن القول أن الإيذاء النفسي صار مجرم بعقوبات رادعة.
تعديلات تشريعية جرمت التلويح بالعنف والتهديد واستعراض القوة
إذ نصت المادة 375 مكررا على أن: " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أى أذى مادى أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير فى إرادته لفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على الامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع تنفيذ الأحكام، أو الأوامر أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو تكدير الأمن أو السكينة العامة، متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجنى عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر، أو باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أو مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرات أو منومة أو أية مواد أخرى ضارة، أو إذا وقع الفعل على أنثى، أو على من لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة".
التنمر بوجه عام هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء
وأيضا فإن التنمر بوجه عام هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجّه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة بهدف التلاعب والتسلط والسيطرة عليه سواء كان هذا الايذاء مادي أو معنوي أو بالأحرى نفسي، فالمادة 309 مكررا "ب" من قانون العقوبات نصت علي أن يعد تنمر كل استعراض الجاني قوته أو سيطرته، أو استغلاله ضعف المجني عليه أو حالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه.
وقررت المادة ذات المادة المضافة العقوبة التي توقع حال اقتراف جريمة التنمر، مع تشديدها إذا توافر أحد ظرفين أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مسلماً إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني مع مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين، وفي حالة العود تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى إذ نصت تلك المادة علي أن يعاقب مرتكب جريمة التنمر بمدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل على 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين وفي حالة وقوع التنمر من شخصين أو أكثر أو كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتوالين تربيته أو كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه وتضاعف العقوبة في حالة العودة.