حالة من الزخم تشهدها العلاقة بين جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، في السنوات الأخيرة، تقدم نموذجا مهما للعلاقة بين المنظمة الأم، وغيرها من المنظمات الإقليمية خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تشهدها العديد من مناطق العالم، وهو ما يبدو واضحا في الحوار التفاعلى غير الرسمي بين المنظمتين، والذى عقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مدينة نيويورك الأمريكية، ليصبح اللقاء بمثابة دليلا دامغا على الانسجام الكبير سواء في الأهداف والرؤى، في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشهد تطورات كبيرة، في الآونة الأخيرة، سواء في القضية الفلسطينية، أو الأزمات الأخرى في ليبيا وسوريا واليمن، ناهيك عن حالة الترقب المرتبط بقرار الانسحاب الأمريكي من العراق خلال الأسابيع القادمة، وما سوف يترتب عليه من تداعيات.
ولعل التقارب الكبير بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، قد تجلى بوضوح في العديد من المناسبات السابقة، حيث لم يقتصر على القضايا السياسية، وإنما امتد إلى العديد من المسائل الأخرى، التوسع الكبير في نطاق التعاون بين المنظمتين، تزامنا مع اندلاع أزمة تفشي فيروس كورونا، والتي فتحت الباب أمام تعاون واسع النطاق لا يقتصر على الجانب الصحي، والذى يمثل لب الأزمة التى ضربت العالم، وإنما امتدت ليشمل مجالات أخرى أبرزها التحول الرقمي والاقتصاد وقضايا السكان، وهي جميعا ترتبط في الأساس بخطة التنمية المستدامة، والتي تمثل أولوية قصوى للعمل داخل "بيت العرب" في المرحلة الراهنة.
وتحت شعار "السياسة هي الحل"، كان الحديث عن الحلول السياسية لأزمات المنطقة أحد أبرز نقاط الاتفاق بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، حيث تم التأكيد عليها بصورة كبيرة خلال الحوار التفاعلى، والذى عقد أمس الأربعاء، في نيويورك، وهو الأمر الذى أثبتته السنوات الماضية، سواء خلال حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة، التي سعت خلالها قوى إقليمية حسم الصراعات لصالحها، عبر التدخل غير المباشر، من خلال تجنيد ميليشيات موالية لها في دول المنطقة، أو في النزاعات المباشرة، على غرار القضية الفلسطينية، والتي لم تستطيع فيه إسرائيل فرض كلمتها، على الفلسطينيين رغم تفوقها الكبير من حيث السلاح أو العتاد.
فمن جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، خلال كلمته أمام الحوار التفاعلى، إن تجربة السنوات العشر الماضية أثبتت استحالة الحل العسكري، واستحالة فرض واقع جديد بالقوة والإجبار على السكان، ومن ثمّ حتمية الحل السياسي، ولكن تبقى المشكلة هي أن الأطراف جميعها لم تصل بعد إلى هذا الإدراك، حيث مازال لدى البعض أوهامٌ باحتمال تحقيق حسم عسكري ما، وترجمته إلى واقع سياسي جديد.
وأشار أبو الغيط إلى الحال الذى تشهده دول المنطقة التي عانت جراء الفوضى التي ضربت المنطقة، وعلى رأسها اليمن وسوريا وليبيا، باعتبارهم نماذج مهمة، لتداعيات "الربيع العربى، حيث فشلت القوة العسكرية من تحقيق أهداف السيطرة التي حملتها بعض القوى الإقليمية.
وعن القضية الفلسطينية، يرى أبو الغيط أنها تُمثل مصدراً دائماً لانعدام الاستقرار في منطقتنا.. وقد أثبتت السنوات الماضية أن معالجة القضية بمنهج خاطئ أو منحاز لن يكون من شأنه سوى إضاعة المزيد من الوقت وسقوط الضحايا الأبرياء، موضحا ان الاعتداءات الإسرائيلية في مايو الماضي كشفت عن وجهٍ قبيح للاحتلال لم يعد له مكان في عالمنا المعاصر.
الثقة المتبادلة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، تجلت بوضوح في دعوة الأمين العام إلى إطلاق عملية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية دولية، وبدعم من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، حيث تبقى محددات التسوية النهائية منصوص عليها في قراراتٍ أممية.. مثل القرار 2334 الذي سبق وأن توصل إليه مجلس الأمن بالإجماع في عام 2016 والذي يُطالب إسرائيل بالوقف الفوري للأنشطة الاستيطانية في الأراضي المُحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية.
وعلى الجانب الأخر، يبقى الاعتماد الأممى على الجامعة العربية، فيما يتعلق بقضايا منطقتها مهما، باعتبارها الكيان الجامع للعرب، بالإضافة إلى حالة الثقة الكبيرة، والتي توطدت مع زيادة التعاون في الأزمات الأخيرة التي ضربت العالم، وعلى رأسها أزمة كورونا، ناهيك عن الأزمات السياسية الأخرى في المنطقة، وربما أخرها المشاركة المتميزة في مؤتمر بغداد، والذى شهد مشاركة العديد من الدول العربية، جنبا إلى جنب مع منافسيهم الإقليميين.
في هذا الإطار، قال وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني، والذى ترأس الحوار التفاعلى، إن الأمم المتحدة تحتاج إلى دعم كامل من جامعة الدول العربية، في الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي في كل من سوريا واليمن، وكذلك في التعامل مع الأزمات الأخرى في الشرق الأوسط.
وأضاف أن هذا الاجتماع ينعقد في أكثر الأسابيع الدبلوماسية ازدحاما في العام، يظهر بوضوح استثمارا سياسيا كبيرا في العلاقة (بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية)، في مواجهة مجموعة من الأزمات الإقليمية، موضحا أن الحوار التفاعلى يعكس حالة من التصميم حول الالتزام الراسخ بمعالجتها جميعا.
ويعد التركيز الكبير على القضية الفلسطينية خلال الحوار التفاعلى، بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، بمثابة نجاح مهم لجامعة الدول العربية، والتي تضع على عاتقها إعادة التركيز على فلسطين، خلال الاجتماعات الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعدما توارت خلال السنوات الماضية.
يرى أبو الغيط، في تصريحات تلفزيونية أدلى بها قبيل مغادرته إلى نيويورك، أن القضية الفلسطينية انزوت خلال السنوات الماضية، بسبب "الربيع العربى"، موضحا أن هناك ضرورة ملحة للانتباه حتى لا تؤدى إلى الفوضى فى بلداننا.
وأضاف أن الأولوية التى يضعها على عاتقة خلال مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تتمثل فى إعادة التركيز على القضية الفلسطينية، والمطالبة بحل سياسى.