"ازدراء الأديان".. هو الطريق الأمثل للوقوع بين أمرين الأول الوصول للشهرة والنجومية من خلال الطعن في العقائد السماوية، حيث يستند هذا الرأي على أن الدستور كفل حرية العقيدة والتعبير، الأمر الثاني أن يكون المصطلح "سيفا مسلطا" على رقاب المفكرين والمبدعين، بحجة أن القانون تصدى وحافظ على سلامة المجتمعات من عملية الاختراق للثوابت الدينية والتقاليد والأعراف، وبين هذا الرأي وذاك يأتي الدور التشريعي في محاولة لضبط المسألة من ناحية مقدار العقوبة والصياغة.
منذ عدة أيام – وتحديدا 25 نوفمبر الماضي، تقدم النائب أحمد مقلد، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بطلب لتشكيل لجنة استطلاع ومواجهة في شأن قياس الأثر التشريعي للمادة 98 فقرة (و) والمعروفة بازدراء الأديان، وتنص المادة على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 1000جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
بين السيف المسلط على رقاب المبدعين واختراق ثوابت العقيدة
وعلى ما يبدو أن النائب "مقلد" تحرك عقب صدور حكم بحبس باحث ومفكر مصري 5 سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمة ازدراء الأديان، هذا وقد وجهت تهمة ازدراء الأديان للعديد من الكاتب والمفكرين – وبحسب "مقلد" - فإن طلبه يهدف إلى استقصاء ما أسفرت عنه تلك المادة من أثر تشريعي أدى إلى حبس العديد من الباحثين بالتهمة المصطلح عليها "ازدراء الأديان"، وتابع أنه: حيث أن المادة 98 فقرة (و) التي أضيفت بالقانون رقم 29 لسنة 1982 الصادرة في 14 أبريل 1982 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 أبريل 1982 لم تهدف إلى ملاحقة الباحثين أو غلق باب الاجتهاد أمام طارقيه بل قصدت تجريم استغلال الأديان، مما يضر بالوحدة الوطنية وفقاً لمشروع القانون الوارد للمجلس حينها واتجه المجلس وقتها إلى التعديل في النص الوارد حين العرض عليه بجعل العقوبة تخييرية بين الحبس والغرامة بدلاً من الجمع الوارد بمشروع القانون.
ووفقا لـ"مقلد" - ثم لاقت المادة المذكورة تعديلا بالقانون رقم 147 لسنة 2006 بحذف عبارة "أو التحبيذ" وعبارة "أو السلام الاجتماعي" الواردتين في المادة إعمالاً لقياس الأثر التشريعي وقتها، ولما كانت لجان الاستطلاع والمواجهة تنضوي تحت أهدافها وفقاً لنص المادة 247 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، الاستماع إلى اقتراحات المواطنين في المسائل والموضوعات التي تشغل الرأي العام وفي التشريعات المهمة التي يراد إصدارها، وذلك تأكيدًا لحق الشعب في الإدلاء بالرأي في الموضوعات العامة، والاستماع إلى الشخصيات العامة المصرية، أو الدولية، لتبادل الرأي في القضايا والمشكلات الدولية والعامة، فإنني التمس تشكيل لجنة استطلاع ومواجهة لقياس الأثر التشريعي للأمر المبين أعلاه – إلى هنا يكون قد انتهى نص طلب "مقلد".
وأكد النائب أحمد مقلد، عضو مجلس النواب، أن قانون ازدراء الأديان غير مستقيم تشريعيا ويجب خلق حالة حوار مجتمعي لبحث عقوبات ازدراء الاديان والاهتمام بالتناسب بين الضرر الواقع على الاخرين والعقوبة، موضحا أن المقصود من تشريع مادة ازدراء الأديان محاربة الفتن الطائفية وهذا ما لم يتم تنفيذه.و
وأشار النائب أحمد مقلد، عضو مجلس النواب، إلى أن أكثر من 20 نائب ابدو موافقة على تشكيل لجان استطلاع حول الاثر التشريعي للحبس في ازدراء الاديان، مؤكدا أن الدين لا يحتاج حماية ولكنه يحتاج لناس تفكر وتتدبر.
المادة 98 فقرة (و) المعروفة بازدراء الأديان بين التأويل والتطبيق
ولكن الذي يطرح نفسه هو.. متى أدرجت تلك الجريمة ضمن قانون العقوبات المصري؟ وما عقوبتها؟ وما رأى الخبراء القانونيون في إزالة وتعديل المادة فى القانون؟ وما هو نص المادة 98 فقرة ومن قانون العقوبات؟ وهل تفتقر المادة 98 فقرة "و" عقوبات الضوابط الدستورية لصياغة التشريعات؟ وماهي الضوابط الدستورية لصياغه التشريعات؟ وغيرها من الأسئلة التي تدور في ذهن المواطن المصري سواء من يتفق مع التعديل من عدمه، وذلك في الوقت الذي تتردد فيه مقولة أن: "الشعب المصري متدين بطبعه"، سواء كان هذا المواطن مسلما أو مسيحياَ أو يهوديا، فدائما ما يربط المصري تصرفاته وعاداته وتقاليده حتى في الفرح والحزن بالدين، وهل هذا الأمر يتوافق مع الدين أم لا؟
تاريخ وأسباب وضع المادة 98 فقرة "و"
في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض حسام حسن الجعفري - إنه لا يوجد لهذه الجريمة باب مستقل بقانون العقوبات المصري، لكنها تندرج تحت نصوص مختلفة تنظم حالات معينة يتعلق بعضها بطريق مباشر بالأديان وبعضها يتعلق به ولكن بطريق غير مباشر حيث أن المواد الخاصة بالقانون أدرجت في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ومنها المادة 98 ووضعت عندما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة للدين المسيحي، فوضع السادات قانوناً يجرم به استخدام أي دين لسب دين آخر، وأن ازدراء الأديان بمثابة الاعتداء والتحريض على قدسية الاعتقاد الديني، والإساءة للأديان والرسل، ومهاجمة العقيدة بالباطل.
ازدراء الأديان فى القانون والمواثيق الدولية
وبحسب "الجعفرى" في تصريح لـ"اليوم السابع - القانون يعرّف جريمة ازدراء الأديان بأنه احتقار الدين أو أحد رموزه أو مبادئه الثابتة أو نقده أو السخرية منه، لأن مثل هذه السلوكيات تثير الفتن، ومن هنا فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعتبر ازدراء ولا يسمح به، والقانون يعاقب عليه، كما أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ضمنت الحق في العقيدة وحرية التعبير من بين الحقوق الأساسية والحريات العامة للإنسان، إلا أن المواثيق والقرارات الدولية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، أولت الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة الاعتبار والعناية، حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2008 حظر مجاوزة الأفراد للحدود القانونية للحق في التعبير، كما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على طلب مصر ودول المؤتمر الإسلامي تقييد حرية التعبير بما يتفق مع خصوصيات كل مجتمع والقوانين السائدة فيه ومراعاة واحترام وتوقير العقائد الدينية.
ويرى الخبير القانوني: أن نص المادة 98 فقره (و) من قانون العقوبات، افتقرت إلى الضوابط الدستورية المطلوبة في أي نص عقابي مما يعد إخلالًا بمبدأي مشروعية التجريم والعقاب والفصل بين السلطات المرتبطين بدورهما بعدد من الحقوق المصونة وفقًا للدساتير المصرية المتعاقبة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كالحق في المحاكمة العادلة والحق في الدفاع والحق في المساواة، فهذا النص لا يخل فقط بعدد من الحقوق الأساسية المحصنة دستوريًّا ولا يلعب دورًا في الحد من الاحتقان الطائفي بقدر ما يسهم في دعم مناخ التعصب والتطرف الديني.
هل تفتقر المادة 98 فقرة (و) عقوبات الضوابط الدستورية لصياغة التشريعات؟
نعم، بالرغم من كل المحاولات التي قام بها المشرع لضبط النص سواء بحذف عبارة أو تكدير الأمن العام ثم حذف عبارة أو تحبيذ وعبارة السلام الاجتماعي، وذلك لغموضهما وعدم تحديد المقصود بهم تحديدا دقيقا إلا أن النص يفتقر الي الضوابط الدستورية لصياغة النصوص العقابية كالآتي:
أولاَ: مصطلحات النص مبهمة غامضة وتطبيقه وفقا الأهواء
"فلم يحدد النص ماهية الأفعال المنهي اتيانها بصورة يقينية لا التباس ولا جدال فيها ولم يحدد عناصر الجريمة تحديدا دقيقا وحوي العديد من العبارات المطاطة".
ثانيا: استخدام حرف (أو) في غير موضعه وعدم استلامه النص لغة
من المتعارف عليه أن النص على (أو) تعني فرضا آخر يفصل بين ما تقدم عنها وما تأخر.
ثالثا: الاعتداء على حقوق الإنسان وحرياته
فقد استقر قضاء المحكمة الدستورية: "غموض النص التشريعي وتجميل المشرع بالفعل المجرم وعدم تعريفه تحديدا على وجه اليقين يعد في حد ذاته انتهاكا للعديد من الحقوق التي صانها الدستور فالنصوص القانونية تخاطب الناس كافة على اختلافهم وتنوعهم فتشكل المادة 98 وعقوبات تعديا علي الحق في المساواة أمام القانون، وذلك في حق الكافة في العلم بالقانون".
ما هي الضوابط الدستورية لصياغة التشريعات؟
أولا: المعايير الشكلية وهي صياغة القانون
ومن المستقر عليه بالمحكمة الدستورية العليا بقولها: "إن الأصل فى النصوص العقابية هو أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكما فقد صار من المحتم أن يكون تمييعها محظورا، ذلك أن عموم عباراتها واتساع قوالبها قد يصرفها إلى غير المقصود منها، فيتعين أن يكون النص العقابي حادا قاطعا لا يؤذن بتداخل معانيه كى لا تنداح دائرة التجريم، وتظل دوما فى إطار الدائرة التى يكفل الدستور فى نطاقها قواعد الحرية المنظمة" ــ حكم المحكمة الدستورية العليا جلسة 12 فبراير 1994 القضية 105 لسنة 12 قضائية دستورية.
فالصياغة أو صناعة القاعدة القانونية مجموعة الأدوات التى تُخرج القاعدة القانونية إلى الوجود العملي إخراجا يحقق الغاية التى يفصح عنها جوهرها بما يحقق الهدف من فرضها، ومن الممكن التعبير عن ذلك بمقولة القالب اللغوى الذى تُصب فيه القاعدة القانونية، والتى يجب أن تتوافر بها الإحاطة الكاملة بالأهداف والأغراض التى يهدف إليها المشرع عند وضع النصوص القانونية، وأن يتوافر لديه القدر المطلوب من التشريع المراد صناعته، ومدى ضرورته وجميع المعلومات المطلوبة عن موضوع التشريع ذاته.
ويجب أيضا ألا يعمد المشرع إلى استخدام عبارات واسعة المعنى يسهل تأويلها بأكثر من مدلول، والأمر الأخير بالغ الدقة والخطورة معا، حيث نرى دقة الأمر فى عدم احتمال التشريع لأكثر من تفسير أو معنى من الممكن الأخذ به، أو الذهاب بالتشريع لأبعد من الغرض الذى وُضع من أجله، والخطورة فى ذلك تكمن فى سهولة استخدام الصياغات الفضفاضة والمحتملة التأويل لأكثر من غرض أو معنى، وهو الأمر الذى تلوح خطورته فى التشريعات الجنائية تحديدا، لكونها تمثل قيودا على ممارسات المواطنين من ناحية، وتمثل فتحا للسلطة للزج بالتأويلات المختلفة وقتما ترغب حتى تضع بعض المواطنين قصدا فى وضع المحاكمة وفقا لتأويلاتها لهذه النصوص الفضفاضة.
ثانيا: المعايير الموضوعية:
يجب أن يكون المشرع على علم كاف بالقواعد الدستورية والحقوقية الثابتة، وألا يعمد إلى مخالفتها، ويجب عليه البعد عن الغموض فى صياغة النصوص التشريعية وبشكل خاص العقابية منها، ويجب عليه أن يستهدف مصالح المواطنين حين استصدار أى قانون، ولا يكون الغرض من التشريع غير ذلك، ويجب بشكل رئيسي أن يكون مدركا وملما لموضوع التشريع.
3 سيناريوهات لمحاكمة المتهم بازدراء الأديان
يشار إلى أن هناك 3 سيناريوهات تنتظر كل من يتم توجيه الاتهام له، الحالة الأولى: أن يحضر المدعي بالحق المدني في القضية ويقدم لهيئة المحكمة ما يفيد تنازله عن الدعوى الجنائية، ومن ثم تقضى المحكمة بانقضاء الدعوى بالتصالح.
الحالة الثانية هي أن يقدم المشكو في حقه ما يغير من وجدان المحكمة، وأن التصرف الذي بدر منه يعتبر من صحيح الدين، وهو ما يمكن أن يغير وجه النظر في الدعوى إذا ما استطاع أن يُقنع المحكمة بأن ذلك التصرف الذي بدر منه لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ولا يخرج عن كونه تفسيراَ من صحيح الدين.
السيناريو الثالث أن تقتنع المحكمة ويثبت في وجدانها أن السلوك الذي صدر من الشيخ سالم عبد الجليل، يشكل جريمة المنصوص عليها في قانون العقوبات وفقًا لجرائم ازدراء الأديان وفي هذه الحالة ستقضي المحكمة بإدانة المتهم.