تواجه الأسرة في واقعنا المعاصر مشكلات وتحديات عديدة أفرزتها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتحول التكنولوجي الهائل وتهدد هذه المشكلات الآن مكانة الأسرة التي ظلت راسخة عبر قرون طويلة من الزمان، وقد نتج عن ذلك حاليا على نطاق واسع من انحراف وجرائم الكبار والصغار وعزلة المسنين وتشرد المعاقين، وانتشار ما يعرف بالأسرة الفردية التي يمثلها فرد واحد "أرملة، مطلقة، مسن، عاجر".
ولأجل ذلك شُرع الزواج الذي الأصل فيه عدم الطلاق، الذي يبقى تشريعاَ استثنائياَ وحلاَ لحالات خاصة جدا فليس انتقاما ولا تشفيا ولا إظهارا للرجولة ولا هروبا من مواجهة المسئولية، وتحتل مصر مرتبة متقدمة بين الدول التي تشهد انفصالا بين الأزواج والزوجات، وللطلاق أشكال متعددة، إلاّ أن شكلا من هذه الأشكال يحمل قصصا أكثر ألما ووجعا، وهو الطلاق على الإبراء، حيث يتم الطلاق على الإبراء إذا اتفق الزوج والزوجة على الطلاق مقابل تنازلها على حقوقها الشرعية.
ما هو موقف المشرع من الطلاق نظير الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم آلاف الزوجات المتضررات، باعتبار أن الطلاق نظير الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة طلاق بائن طبقاً للمادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 التى تنص على أن كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال، ويعتبر الطلاق على الإبراء طلاقا بائنا بينونة صغرى بمعنى أدق لا يجوز للزوج أن يرد الزوجة لعصمته مرة أخرى إلا إذا تم موافقة الزوجة، وكذلك يجب أن يكون بعقد ومهر جديدان – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم.
في البداية - طبقا لنص المادة الخامسة من القانون 25 لسنة 1920: "كل طلاق يقع رجعيا إلا المكمل لثلاث أو الطلاق قبل الدخول أو الطلاق على مال وما نص على كونه بائنا"، وهذه المادة كما هي لم يتم تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985، ويستند هذا النص في مشروعيته إلى قوله تعالى: "وبعولتهن أحق في ذلك إن أرادوا إصلاحا"، ولقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس حين أتته طالبة تطليقها عليه رغم أنها لا تعيبه في دين أو خلق وكان قد أمهرها حديقة "فقال لها ردي عليه حديقته"، فقبلت فطلقها، ونص المادة أن أي طلاق يوقعه الزوج إنما يكون طلقة رجعية، وقد استثنى المشرع من وصف الطلاق الرجعي أربعة حالات لا يعتبر الطلاق الواقع في أي منهما طلاقا رجعيا كالتالى – وفقا لـ"رحيم".
الحالة الأولي
الطلاق المكمل للثلاث فهو يقع بائنا بينونة كبرى فلا تحل الزوجة من بعده للزواج إلا بعد أن تنكح غيره ويدخل بها ويطلقها وتنقضي عدتها منه.
الحالة الثانية
وهي الطلاق قبل الدخول فهو يقع بائن بينونة صغري ولا يستطيع من بعده الزوج مراجعة زوجته الا بعقد ومهر جديدين.
الحالة الثالثة
وهي الطلاق على مال أي الطلاق على الإبراء ويقع به طلاق بائن بينونه صغري، لأن المال في هذه الحالة يمثل عوضا يأخذه الزوج من زوجته قاصدا به أن تملك الزوجة أمرها، ويمتنع من مراجعتها بدون رضاها، وقررت محكمة النقض ذلك بموجب نقض الطعن رقم 136 لسنة 63 قضائية جلسة 29 مايو 200، ولا يشترط أن يقع على كافة الحقوق ليكون بائنا، وإنما يكفى الإبراء علي جزء من الحقوق.
الحالة الرابعة
وهي ما نص على وقوعه بائنا في القانونين رقمي 25 لسنة 1920و25 لسنة 1929، والذي نص عليه القانون رقم 25 لسنة 1920 هو الطلاق للعيب فيقع بائنا، أما ما نص على كونه بائنا في القانون رقم 25 لسنة 1929 هو الطلاق للضرر المتمثل في الإيذاء والهجر، والطلاق للضرر للزواج من أخري، والطلاق للغياب، والطلاق لحبس الزوج وهذه الحالات يقع فيها الطلاق بائن لأنه في هذه الحالات قصد به دفع الضرر عن الزوجة وحسم النزاع بين الزوجين، ولا يقع الطلاق في جميع الحالات السابقة إلا بقضاء القاضي ومن شروط ايقاعه أن يكون عقد الزواج صحيح.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لهذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 1 لسنة 41 ق "أحوال شخصية"، حيث قالت في حيثيات الحكم إن حاصل السببين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم ثبوت نسب الطاعن لمورث المطعون عليهم، ذلك أنه لا يشترط لثبوت النسب أن يكون من نكاح صحيح بل يثبت من النكاح الفاسد فإذا أبان الزوج زوجته ثم وطأها في العدة ثبت النسب، ولما كان طلاق والدة الطاعن من مورث المطعون عليهم لم يوصف بوثيقة الطلاق بأنه بائن مما فهمت منه والدة الطاعن أن من حق مطلقها أن يعيدها إلى عصمته وقد راجعها فعلاً بدون عقد ابتغاء عدم غضب زوجته الأخرى فمن المسلم به شرعاً أن يثبت بذلك النسب.
وبحسب "المحكمة": هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن الطلاق الذي تم بين والدة الطاعن ومورث المطعون عليهم بتاريخ 7 مايو 1944 كان طلاقاً نظير الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة، فيكون الطلاق بائناً طبقاً للمادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 25 سنة 1929 التي تنص على أن: "كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال..."، لما كان ذلك، وكان من المقرر وفقاً لحكم المادة 15 من المرسوم بقانون سالف الذكر ألا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد المطلقة إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد ولد في سنة 1950 أي بعد ست سنوات من الطلاق وقد أنكره مورث المطعون عليهم حال حياته كما أنكر قيام أية علاقة زوجية جديدة بينه وبين والدة الطاعن بعد الطلاق، وكان الحكم قد دلل على عدم قيام هذه الزوجية بعد الطلاق بأسباب سائغة استمدها من المستندات المقدمة من المطعون عليهم.
الرضوخ لطلبات الزوج خشية منه
ومفادها أن والدة الطاعن ذكرت في وثيقة زواجها المؤرخة 18 فبراير 1954 أنها طلقت من مورث المطعون عليهم في سنة 1944 وقد انقضت عدتها برؤية الحيض ثلاثاً، كما ذكرت في الدعاوى التي رفعتها قبل مورث المطعون عليهم لمطالبته بنفقة لابنها "......" وإيصالات استلامها هذه النفقة وأنها لم تقل أبداً بقيام زوجية جديدة بينها وبين مورث المطعون عليهم بل كانت تذكر في هذه المستندات كلها أنها مطلقة، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
كما أن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك أنه لم يرد على دفاع الطاعن المتضمن أن الإيصالات والمستندات المقدمة من المطعون عليهم لا تدل على عدم الزواج أو الرجعة، لأنه كان على الزوجة بسبب عدم جواز مطالبتها بنفقة عن زواج غير موثق وخشية أن يقوم الأب بضم الطاعن إليه أن ترضخ لطلبات الأب، وتذكر له في إيصالات استلام نفقة ابنها الآخر أنها مطلقة منه مع أنها كانت في عصمته، كما لم يرد الحكم على دفاع الطاعن من أنه كان لزاماً على والدته أن تذكر في عقد زواجها من "......" في سنة 1954 أنها مطلقة من مورث المطعون عليهم في 7 مايو 1944 لأن كلاً من الزواج والطلاق التاليين كان بغير وثيقة مكتوبة.