"عذرا بسنت خالد".. عشرات السنين ونحن نهتم بتقنين" النصوص التي تعاقب على الابتزاز الجنسي"، ولم نهتم يوماً بتقنين "أساليب تربية الطفل وغرس القيم الأخلاقية فيه"، وعشرات السنوات ونحن نسعى إلى تغليظ العقوبة، وفي ذات الوقت نترك معاول هدم الأخلاق تمارس عملها عبر الشاشة الساحرة، وفى الحقيقة منذ وقوع الحادث وتنهال عشرات الاقتراحات ومشاريع القوانين حول إما سد الفراغ التشريعي بشأن جرائم الابتزاز الإلكتروني، أو تغليظ العقوبة حول جريمة الابتزاز بصفة عامة حتى وصل البعض للمطالبة بعقوبة "المبتز" بعقوبة لا تقل عن السجن 15 سنة.
هذا وقد انتشرت خلال الفترة الأخيرة الكثير من جرائم الابتزاز الإلكتروني نتيجة للاستخدام الهائل لوسائل الاتصال والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، لكن البعض يسيء استخدام هذه الوسائل من خلال التشهير بالحياة الشخصية للآخرين وتسريب معلومات وصور شخصية لهم، أو تركيب صور وفيديوهات من ثم ابتزاز الضحية، الأمر الذي يُلحق الأذى والضرر بهم يصل لحد الانتحار، كما حدث مع "بسنت خالد"، وجريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم المستحدثة والتي طفت على سطح المجتمع المصري تقوم على تهديد الضحايا، من خلال نشر صور فاضحة أو أخبار شخصية مفبركة، أغلب ضحاياها من الفتيات، يهدف مرتكبها من ورائها الحصول على مكاسب مادية أو غير أخلاقية.
كيف تحمي نفسك من الابتزاز الإلكتروني؟
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامي محمد الشهير - فى الحقيقة الابتزاز الجنسي هو "طلب أو عرض خدمة جنسية مقابل إنجاز أمر معين أو امتناع عن أمر معين"، ويجب أن يترتب على "رفض الضحية" لهذا الابتزاز، حرمانه من ميزة معينة أو إلحاق ضرر ما به، ومثال ذلك: "تحرش المدير بموظفة مقابل ترقيتها" أو "تحرش أستاذ بتلميذة مقابل رفع درجاتها" أو "عرض امرأة لنفسها على شخص مقابل إتمام مصلحة خاصة بها"، في الغالب، يقترن "الابتزاز الجنسي" بتصرفات عدائية ضد "الضحية" التي ترفض هذا الاعتداء، ويمكن أن تظهر هذه "التصرفات العدائية" في صورة "نشر شائعات أو سخرية من الضحية أو تحريض الآخرين على إيذائها.
وبحسب "الشهير" في تصريح لـ"برلماني": جرائم الابتزاز الإلكتروني هي استعمال وسيلة إلكترونية لربط معلومات أو صور شخص ما بمحتوى مناف للآداب "وغالبا تكون الضحية أنثى أو طفل"، وأكثر صور هذه الجريمة انتشارا هي "تلفيق صور فاضحة لشخص ما بواسطة برنامج تركيب الصور "فوتوشوب"، ويجب أن يعى الشخص جيدا كيفية حماية نفسه من الابتزاز الإلكتروني كالتالي:
أولاً: عدم الاحتفاظ بأى صور "خاصة" على الهاتف المحمول أو الحاسب الآلي المرتبط بالإنترنت، وعدم تداولها في رسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك ـ واتساب ـ انستجرام - أو أي وسيلة أخرى".
ثانياً: عدم الوثوق في أي شخص تتعرفين عليه من خلال الإنترنت، وضبط "خصوصية الحساب" ليكون مقتصرا على الأهل والأصدقاء فقط.
ثالثاً: عدم الدخول على الروابط المجهولة "حتى لو كانت تحمل عنوان أو خبر هام"، وكذلك عدم دخول المواقع الإباحية بكافة صورها "خاصة التي تظهر ضمن إعلانات جوجل".
رابعاً: الاحتفاظ بالهاتف في مكان بعيد عن غرف النوم وأي مكان آخر يتم تبديل الملابس فيه.
كيف يمكن إثبات جريمة الابتزاز الجنسي الإلكتروني؟
في القانون المصري، نصت المادة "26" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه لا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه"، ونصت المادة "11" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أنه:
"يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط الدعامات الإلكترونية، أو النظام المعلوماتي أو من برامج الحاسب، أو من أي وسيلة لتقنية المعلومات ذات قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية فى الإثبات الجنائي متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية لهذا القانون"، مما يعني أن محادثات "الشات" والرسائل النصية تصلح أن تكون دليل إدانة على ارتكاب جريمة الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت.
رأى قانونى آخر: الابتزاز جناية وليست جنحة
وفى سياق آخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى – إن مسألة الابتزاز الإلكتروني ليست جنحة كما يراها البعض ولكنها جناية باعتبارها جناية تهديد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 327 من قانون العقوبات التي تتوافر إذا وقع التهديد كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال، وكان التهديد مصحوباً بطلب أو تكليف بأمر، ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجاني سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون قد وجه التهديد كتابة إلى المجني عليها وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفسها، وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجني عليها راغماً اإلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة اإلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليها.
وبحسب "صبرى" في تصريحات خاصة - يجب معاقبة المتهمين بهذه الجريمة "الابتزاز الإلكتروني" وفقاً لنص المادة 325 من قانون العقوبات كل من اغتصب بالقوة أو التهديد سندا مثبتا لدين أو موجدا لدين أو تصرف أو براءة أو سندا ذا قيمة أدبية أو اعتبارية أو أوراقا تثبت وجود حالة قانونية أو اجتماعية أو اكره أحدا بالقوة أو التهديد على امضاء ورقة مما تقدم أو ختمها يعاقب بالسجن المشدد، مفاد نص المادة 325 من قانون العقوبات أن ركن الإكراه في هذه الجريمة كما يكون مادياً باستعمال القوة و العنف يكون أدبيا بطريق التهديد ويعد اكراها أدبيا كل ضغط على إرادة المجنى عليها يعطل من حرية الاختيار لديه.
7 عوامل اجتماعية مختلفة ودوافع عديدة وراء مثل هذه الجرائم
ويضيف الخبير القانوني: من المقرر أن ركن القوة أو التهديد فى جريمة الإكراه يتحقق بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليها فهو يتم بكل وسيلة قسرية تقع على أشخاص يكون من شأنها تعطيل الاختيار او إعدام قوة المقاومة عندهم تسهيلا لارتكاب الجريمة فكما يصح أن يكون الإكراه ماديا باستعمال القوة فانه يصح ايضا ان يكون أدبيا بطريق التهديد ويدخل فى هذا المعنى التهديد بخطر جسيم على النفس أو المال كما يدخل فيه التهديد بنشر فضيحة أو بإفشاء أمور ماسه بالشرف، وهناك عوامل اجتماعية مختلفة ودوافع عديدة وراء مثل هذه الجرائم، التي انتشرت منذ سنوات، ومن أبرز هذه الدوافع ما يلي:
1-تراجع منظومة القيم الاجتماعية الراسخة في المجتمع.
2-اختزال المرأة في مجرد جسد، وتغييب المرأة ككائن اجتماعي واع يسهم مع الرجل جنبًا إلى جنب في نهضة المجتمع.
3-تقلص الرقابة الأسرية إنّ تفاقم مشكلات غياب الرقابة الأسرية، ونقص الوعي والتوجيه، وعدم القدرة على الإشباع العاطفي للأبناء وحتى البالغين، والتربية بالمنع أو العقاب بدلاً من التوعية والإشباع النفسي، وانتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الصور والمعلومات الشخصية بحثاً عن الاهتمام والانتباه من قبل الآخرين، والفراغ النفسي والعاطفي ، كل هذا قد يؤدى إلى زيادة التحريض على ممارسة الابتزاز والتهديد والتحرش من خلال الانترنت، وبالتالي زيادة إمكانية تعرض مستخدمي الشبكة والأجهزة الالكترونية لهذه الممارسات.
4-سهولة إخفاء الهوية "القناع الرقمي" على شبكة الإنترنت تساعد في خلق مبتزين جدد، لأن لا أحدًا يعرف شخصيته الحقيقية، بالإضافة إلى الهروب من نظرة المجتمع السلبية تجاه من يفعل ذلك في الواقع على أنه غير منضبطًا اجتماعياً، وهي أمور يتم التخلص منها في العالم الافتراضي الذي لا يستطيع أحد أن يتأكد فيه من شخصية الآخر.
5-التنشئة غير الصحيحة ونقص الوعي، والكبت الاجتماعي، والأسري "السلطة الأبوية"، حيث ينشأ الابن أو البنت في بيئة خالية من التواصل والود، والبيئة الصحية للنمو.
6-الانفتاح الاجتماعي "الصدمة الثقافية"، فلقد أسهم الانفتاح الهائل والمفاجئ على خصوصيات الأشخاص الآخرين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الإلكترونية وسهولة الوصول إلى الآخرين إلي حدوث ما يعرف بالصدمة الثقافية لدى مستخدمي هذه الشبكات، وعدم القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين نتيجة نموه في بيئة خالية من حوافز النمو الصحي.