أدلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات مهمة، خلال الحوار الذى أجرته معه قناة "BBC عربي" على هامش انعقاد الدورة الرابعة من منتدى شباب العالم قبل أيام، وأذيع مساء اليوم الأحد، ضمن برنامج بلا قيود، الذى تقدمه الإعلامية نوران سلام.
وفى مستهل الحوار طرحت الإعلامية سؤلاً حول دور الشباب وتمثيلهم فى الحكومة الحالية، فأكد مدبولى أنه منذ اللحظة الأولى، كان هناك اهتمام كبير من القيادة السياسية، بتمكين الشباب على مستوى الدولة المصرية، وهذا انعكس منذ البداية فى دخول جيل من صغار السن فى الكادر الحكومي، وعلى الأخص فى المناصب القيادية، مثل الوزراء، لافتاً إلى أنه على المستوى الشخصي، فقد انضم إلى الحكومة وهو مازال فى النصف الثانى من الأربعينيات، ومعه زملاء كثيرون من الوزراء فى ذات الفئة العمرية، أو أقل، وهو الأمر الذى لم يكن معتاداً فى مصر على الاطلاق.
وفى تساؤل حول حقيقة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، أجاب رئيس الوزراء بأن ذلك ربما كان موجوداً فى فترات سابقة، عن الوقت الراهن، ففى فترات معينة كان هناك نوع من عدم الوعى بالأبعاد السياسية، مؤكداً أن الشباب أصبحوا أكثر وعيا ورغبة فى دخول معترك العمل العام، ويعتبرونه خطوة جيدة ومدخلا مناسبا للمشاركة السياسية.
ونفى رئيس الوزراء ما تم ذكره فى معرض هذا السؤال من عزوف الشباب عن المشاركة فى التصويت، لاسيما فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2020، حيث أرجع رئيس الوزراء ذلك لظروف جائحة كورونا، مشيراً إلى أن الاحصاءات تؤكد أن نسب مشاركة الشباب فى الإنتخابات لم تكن بالقليلة، بل بدأت تزيد على العكس فى الفترة الأخيرة مقارنة بحقب سابقة من عمر الدولة المصرية، لافتاً إلى أن الوعى السياسى يبنى فى دولة خرجت من معترك سياسى ضخم، وأحداث استثنائية مرت بها البلاد خلال العقد السابق، والتى كانت تدفع المواطنين، وليس فقط فئة الشباب، إلى ما يشبه العزوف من خلال مراقبة ما يحدث فى الدولة وما يحدث من تغيبرات، ولكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الشباب يستوعب الكثير مما لم يكونوا يدركونه سابقاً.
وفيما يتعلق بمحور الاقتصاد، حيث تساءلت الإعلامية عن عدم شعور المواطن العادى بما يحققه الاقتصاد المصرى من أرقام جيدة، ومعدلات نمو ايجابية، بلغت نحو 5% فى العامين السابقين فى ظل كوفيد 19، كما من المتوقع تحقيق 5.6%.
حيث أجاب الدكتور مصطفى مدبولى بأنه يختلف مع ما تم ذكره، مؤكداً أن المواطن العادى يشعر بمدى الاختلاف الكبير، من خلال الحجم الهائل من الخدمات التى يلمسها على الأرض، فالمواطن المصرى كان يشكو من فقر الخدمات، واليوم تغير الأمر، الأمر الذى يعكسه توصيل المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والغاز، والحجم الضخم لمشروعات الإسكان، الذى تم تنفيذه لفئة الشباب، ومحدودى الدخل، وتطوير المناطق غير الآمنة التى تم اتاحة أكثر من 300 الف وحدة لتسكين قاطنيها، لفئات كانت مهمشة تماماً.
ونفى رئيس الوزراء ما تم ذكره فى معرض هذا السؤال من كون الوحدة السكنية للاسكان الاجتماعى تتكلف نصف مليون جنيه، بينما الحد الأدنى للأجور يراد رفعه إلى 2400 جنيه فى الشهر، مؤكداً أن الدولة المصرية تطرح وحدات الإسكان الإجتماعى بأسعار مدعمة بصورة كبيرة جداً، فالوحدة تتكلف نصف مليون جنيه، ولكن لا تتيحها الدولة للشباب بهذا السعر، لافتاً إلى آخر الوحدات المعروضة كانت بسعر 300الف جنيه، بأقساط على أكثر من 25 سنة، وبمقدم بسيط جداً، مشيرأً إلى أن القسط يبدأ من 800 جنيه، ما يمثل أقل من ايجار شقة فى المناطق العشوائية او منخفضة التكلفة.
وأكد مدبولى أن البرنامج الأهم فيما يخص الإسكان، بصفته خبيراً فى التخطيط العمراني، والذى لم يتم تنفيذه فى أى دولة فى العالم، ويتحقق فى مصر، هو تطوير المناطق غير الآمنة، والتى كان يطلق عليها "العشش"، حيث نفذتها الدولة بالكامل، وتتكلف الشقة على الدولة أكثر من 600 ألف جنيه، وتمنح مجهزة ومفروشة بدون مقابل للأسر، وكل ما يدفعونه ايجار يصل إلى 300 جنيه، يمثل فقط الصيانة الخاصة بتلك الوحدة.
وفى سؤال حول شكوى بعض المواطنين من الغلاء، والتضخم، وإرتفاع أسعار بعض السلع، وشكوى الشباب من البطالة، أكد الدكتور مصطفى مدبولى أن الأرقام تعكس حجم ما تحقق فى الدولة المصرية، مشيراً إلى أنه فى عامى 2011 و 2012 كانت نسب البطالة تتجاوز 13%، وكان التضخم مع الوضع الاقتصادى حينها قد بلغ 30 أو 33%، وذلك عندما بدأنا الاصلاح الاقتصادي، الذى كنا مجبرين عليه، بسبب الظروف السياسية الاستثنائية التى مرت بها الدولة، وحالة عدم الاستقرار، مشيراً إلى أنه حتى العام الماضى كان حجم التضخم 4.2%، و 4.3%، وهى درجة لم تحدث، مضيفاً أننا فى النصف الأول من العام المالى نستهدف متوسط معدل نمو من 6 إلى 6.5%، وهذا الرقم مدفوع فى الأساس بموجة التضخم العالمية، مؤكداً أنه على العكس، فإن ما حدث فى مصر كان تأثيره أقل بكثير مما حدث فى دول أخرى متقدمة.
وتساءلت الإعلامية حول ما إذا كانت الحكومة تعتمد فقط على الأرقام، فأجاب رئيس الوزراء قائلاً: "أن كافة أعضاء الحكومة متواجدون فى الشارع مع المواطنين، لافتاً إلى حرصه على الإستمرار فى القيام بالزيارات والجولات الميدانية على مستوى الجمهورية، منوهاً كذلك إلى الجولات الميدانية التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، والتى يحرص خلالها على مقابلة المواطنين للتعرف على المشكلات التى تواجههم والعمل على حلها.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولى أن أعضاء الحكومة ليسوا منفصلين عن الشعب المصرى، لأنهم جاءوا من أبناء هذا الشعب العظيم، وأنهم يعون حجم التحديات والمشاكل المتراكمة التى تواجه مصر، قائلا: "الأهم هو التحرك لحل هذه المشاكل والتغلب على تلك التحديات.. وأن هذا هو ما يعطى الأمل للمواطنين أن هناك تغييرا إيجابيا يحدث".
وحول ملف الدين الخارجى ونسبته إلى إجمالى الناتج المحلى، أوضح رئيس الوزراء أن نسبة الدين الخارجى تصل حالياً إلى 91%، وأنها وصلت إلى 108% منذ أربع سنوات، مؤكداً أنه يتم تنفيذ العديد من الاجراءات التى من شأنها الاتجاه به إلى المسار التنازلى، مشيراً إلى أنه وصل إلى 87 % قبل حدوث جائحة كورونا، ومع حدوث الجائحة وصل إلى 91%، وجار الاستمرار فى تنفيذ تلك الاجراءات خلال السنوات الثلاث القادمة، بالتنسيق مع العديد من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولى للتعافى من تداعيات أزمة فيروس كورونا، منوهاً فى هذا الصدد إلى معرفة المجموعة الاقتصادية فى الحكومة المصرية لحجم هذا التحدى، وكيفية التعامل معه، للاحتفاظ بما تحقق من معدلات وثقة فى الاقتصاد المصرى.
ورداً على التساؤل الخاص بكيفية التعامل مع الـ 137 مليار دولار دينا خارجيا، و الـ6 تريليونات جنيه دين داخلى، أشار رئيس الوزراء إلى أن أى دولة اقتصادها ينمو فى البدايات من الممكن أن تعتمد فى تمويلها على عدد من المصادر منها الداخلية والخارجية، وصولا لقوة الاقتصاد وقدرته على رد هذه المبالغ المالية، مشيراً إلى أن أغلب النمور الاسيوية بدأت بهذا الشكل، لافتا إلى أن أكبر اقتصاديات فى العالم اليوم هى أكبر اقتصاديات مستدينة، فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى، نجد أن حجم الدين بها كبير، قائلا:" الأهم ليس النظر إلى رقم الدين كرقم ، ولكن الأهم كم يمثل من الاقتصاد كنسبة، وكذا من الناتج المحلى الاجمالى"، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالدين الخارجى ما زلنا فى إطار الحدود الآمنة التى تصل إلى 32 % من الناتج المحلى الاجمالى، بل وأقل، مؤكداً أنه من التحديات التى مررنا بها خلال الفترة الماضية، إلا اننا نستهدف خلال السنوات الثلاث القادمة ضبط الدين الداخلى والخارجى، إلى جانب العمل على تحقيق المسار الخاص بالنمو الاقتصادى، بنسب لا تقل عن 5.5 إلى 7 %.
وردا على مخاوف القطاع الخاص من منافسة القوات المسلحة له فى المجال الاقتصادى، أشار رئيس الوزراء إلى سعادته بهذا السؤال، قائلاً: "كل دول العالم، دائماً الدولة تدخل فى تنفيذ استثمارات فى قطاعات استراتيجية من وجهة نظر تلك الدول، حيث تمس هذه الاستثمارات الامن القومى والاستقرار الاقتصادى بها، لافتا إلى دراسة العديد من التجارب العالمية فى هذا الشأن، مشيراً إلى أن حجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة لا تمثل شيئا بالنسبة للاقتصاد المصرى، حيث تمثل تلك المؤسسات أقل من 1%.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة المصرية تعتمد بشكل كبير فى اقتصادها على القطاع الخاص، وستظل تعتمد عليه، مضيفا أن المؤسسات الخاصة بالقوات المسلحة تواجدت خلال الفترة الاستثنائية التى مرت بها البلاد فى قطاعات لم يكن موجودا بها القطاع الخاص، أو متواجد بنسبة قليلة جداً، لا تلبى احتياجات الاقتصاد المصرى، حيث كان يتم الاستيراد بكميات هائلة والسداد بعملة صعبة فى بعض الصناعات نتيجة لعدم قدرة القطاع الخاص على تغطية أكثر من 10 إلى 20% من الاحتياجات المطلوبة بهذه القطاعات.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولى أن الدولة تحتاج خلال الفترة الحالية إلى زيادة حجم الاستثمارات العامة، لبنائها، وتنفيذ العديد من المشروعات فى مجال البنية الاساسية وغيرها، موضحاً أن حجم الاستثمارات العامة التى تم انفاقها خلال الفترة الماضية 50% منها فى مجال البنية الأساسية.
وأكد رئيس الوزراء أنه تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، جار العمل على هيكلة الشركات التابعة للقوات المسلحة التى تعمل فى قطاعات اقتصادية مدنية، بحيث تكون جاهزة للطرح فى البورصة المصرية، وللشراكة مع القطاع الخاص، مثلها مثل شركات قطاع الاعمال والشركات التابعة للحكومة التى بدأ طرحها كشركة "اى فينانس" والتى كانت مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتم طرح 25% منها، منوهاً أننا نستهدف خلال العام القادم طرح عددٍ كبير من الشركات الحكومية؛ منها شركات تابعة للقوات المسلحة التى تعمل فى القطاع المدنى.
وردا على سؤال حول العلاقات المصرية الأمريكية فى الوقت الراهن، حيث وصف العلاقات بين البلدين بأنها علاقة استراتيجية ممتدة منذ تاريخ طويل، تحديدا منذ النصف الثانى من سبعينات القرن الماضي، منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مضيفا: وعلى اختلاف الإدارات فى الدولتين، استمرت هذه الشراكة الاستراتيجية من منطلق إيمان الدولتين بالحرص على استمرار وتقوية هذه العلاقات.
ونفى رئيس الوزراء تماما وجود فتور فى العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، قائلا إنه لأول مرة منذ فترة يتم عقد الحوار الاستراتيجى فى شهر نوفمبر الماضي، وهذا لم يحدث حتى فى فترة حكم الإدارة الأمريكية السابقة، مشيراً إلى أن التقرير الذى خرج عن الحوار الاستراتيجى تضمن فى مجمله الحديث عن إيجابيات وتفهم حول جميع القضايا المشتركة بين البلدين.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى خلال إجابته عن تساؤل حول حقوق الإنسان فى مصر: إنه لابد من الحديث عن كيف يرى الغرب مسألة حقوق الإنسان فى الدول النامية والشرق كله بصفة عامة، وليس فى مصر فقط على الأخص، ولابد من أن نعى أن ظروف الدول مختلفة، وبالتالى عندما ننظر إلى قضية حقوق الإنسان لابد ان نضع فى اعتبارنا أيضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية.
وأشار إلى أنه لا يمكن تطبيق نفس المعايير التى يتم تطبيقها فى دول العالم المتقدم بطرق معينة على جميع الدول الأخرى، ونحن تحدثنا مع مسئولين فى دول كثيرة لتوضيح الصورة؛ لأن المشكلة الحقيقية هى أن الصورة تكون غير مكتملة.
ولفت إلى أن أغلب المؤسسات التى تنتقد أوضاع حقوق الإنسان فى مصر تستقى تقاريرها من حالات فردية لا يمكن القياس عليها وتعميمها على الوضع العام فى الدولة المصرية.
وتطرق اللقاء إلى مناقشة مسألة التنوع فى الإعلام المصري، حيث أشار رئيس الوزراء إلى أن الإعلام فى مصر يتمتع بوجود آراء متعددة، كما أن التليفزيون لم يعد هو المنصة الوحيدة لإظهار اختلاف وتباين الرأي، بل هناك الآن العديد من المنصات التى تقوم بهذا الدور، لكن حتى فى التليفزيون هناك تنوع فى الآراء كما يوجد نقد لأوضاع كثيرة للغاية وبشكل يومي.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولى فى هذا الصدد أن الدولة المصرية تحاول قدر الإمكان صنع التوازن على الساحة الإعلامية، لأنه توجد اليوم منصات إعلامية موجهة ضد الدولة المصرية، بالتالى فنحن نحاول أن نشرح الوضع الحقيقى من خلال بعض المنصات التى تشرف عليها الدولة، وفى نفس الوقت، فإن المساحة الإعلامية للمنصات الأخرى مفتوحة، والمواطن يتعرض لجميع وسائل الإعلام وهو فى النهاية لديه القدرة على التمييز.
وتناول اللقاء ملف سد النهضة، وفى هذا السياق، قال رئيس الوزراء: نحن دائما نؤكد أننا لسنا ضد أى تنمية تحدث فى أى دولة فى حوض النيل، وأبلغنا الجانب الأثيوبى رغبتنا فى ان نتشارك فى إنشاء هذا السد، لكن الشيء المهم للغاية بالنسبة لنا ألا تتسبب هذه النوعية من المشروعات فى ضرر لمصر فى حقوقها المائية.
وفى رده على تساؤل حول مدى تأكده من أن التحركات الأثيوبية لن تضر الدولة المصرية، اجاب الدكتور مصطفى مدبولي: طبعا، نحن نتابع هذا الموضوع بحرص شديد جدا من خلال كل الوسائل الممكنة الدبلوماسية والسياسية لكيفية التعامل مع هذا الملف، وكل ما ننادى به حتى هذه اللحظة أن نصل معا مصر واثيوبيا والسودان إلى توافق حول اتفاق قانونى ملزم ينظم حقوق الدول الثلاث فى الاستفادة من أعمال التنمية.
وأضاف: "نحاول من هذه المنصة ان نتحدث مع أشقائنا فى أثيوبيا، بأنه لابد ان نصل إلى حوار وتوافق، لأنه فى النهاية سيكون لصالح شعوبنا، فليس من مصلحة شعوبنا ان يكون هناك خلاف او نزاع أو صراع على مورد طبيعي، وهبه الله لنا جميعا، بالعكس لدينا جميعا المساحة أن نستفيد من هذا المورد الهام الطبيعى بما يخدم حقوق شعوبنا، بما لا يجور على حق شعب آخر".