تصريحات تصدر من الملاك وأخرى من المستأجرين يوما بعد يوم بشأن ملف الإيجار القديم، وذلك في إطار التطورات الجديدة والمهمة التي سيشهدها ملف الإيجار القديم، وذلك بعد إعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر، إلا أن الواقع والحقيقة يؤكدان أن أزمة مستأجري القانون القديم مستمرة على الرغم أن ساكني هذه الوحدات حصلوا عليها بموجب القانون الحالي.
"حزب النور" يدعو لمراجعة القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية لهذه الأسباب
وضمن هذه التصريحات التي خرجت خلال الساعات الماضية، ما أعلن عنه النائب أحمد حمدى عن حزب النور، الذي طالب خلال الجلسة العامة لمجلس النواب أمس، بضرورة مراجعة القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية، باعتبار أن قوانين الإيجارات بها مخالفات للشريعة، وذلك على الرغم من أن الشريعة الإسلامية حددت قواعد واضحة للملكية، ومدد معينة للإيجارات، ولكن الحديث عن وجود مخالفات للشريعة في قانون الايجار القديم ليس بجديد فقد تضاربت آراء علماء الدين حول الحكم الشرعي لقانون "الإيجار القديم" بكونه فيه ظلم بيّن وفاسد ولا يقل تحريمه عن الربا لاشتراكهما في نفس العلة وهي أكل أموال الناس بالباطل، فضلًا عن نقطة "توريث العقد التي تعتبر إهدار للعدالة الاجتماعية كما وصفها البعض".
ليس ذلك فقط بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن عقود الإيجار لا تخضع للتأبيد، كما يشرع في عقد الزواج، فهي "مؤقتة" ولابد أن ترتبط بمدة محددة، بالإضافة إلى ضرورة تراضي الطرفين لقوله تعالي: "وأوفوا بالعقود"، فضلا عن بنود القانون التي تفيد بأن يمتد الإيجار إلى ورثة المستأجر، ما يعتبر معه إهدار للعدالة الاجتماعية، ما يتضح معه أن القانون كما يقوم بحماية شريحة من التشرد يقوم بظلم الطرف الآخر هم "الملاك" – ليس ذلك فقط – بل أن قيمة الإيجار التي حددها القانون وقت صدوره التي استمر عليها الوضع حتى الآن لا تتناسب مع ظروف المعيشة الراهنة، وذلك لاختلاف قيمة الجنيه المصري لقوله تعالى: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم".
آراء فقهية تؤكد: القانون ليس له علاقة بالدين وليس فيه حرمه لهذه الأسباب
في الوقت نفسه، يرى آخرون أن القانون ليس له علاقة بالدين وليس فيه حرمة لعدم وجود نص شرعي بتحريمه، وما ورد من فتاوي تخص القانون هي مجرد آراء شخصيه، ولا تخص الدين، وأن مسألة التراضي بين الطرفين هي بالأولى تخص الدولة وهي مسؤولة عن الإشراف عليها، كما إن قانون الإيجار القديم غير محرم ولا يوجد نص شرعي يحرمه، فلا يجوز اقحام الدين في هذه المسائل، لأنها معاملات إنسانية يتم التعامل معها بالتفاهم وما تردد من فتاوى لتحريم هذا القانون هي رأى شخصي لبعض الشيوخ، ولن تنسب إلى الدين، حيث أن قانون الإيجار القديم عبارة عن اتفاق بين طرفين هما المستأجر والمستهلك تشرف عليه الدولة، وعلى المتضرر أن يتقدم بشكوى إلى مجلس النواب لإيجاد حل لها – كما هو الحال الآن – حيث تقام المناقشات والاقتراحات لتعديل القانون أو طرح قانون جديد.
الرد على مخالفة قانون الإيجار القديم لأحكام الشريعة
بينما يرى الخبير القانوني والمحامي بالنقض شريف عبد السلام الجعار – أنه كان يجب قبل طرح الإشكالية التي سبق الحديث عنها مرات ومرات أن نربط القانون بين الشريعة والقانون، فكلاهما ليس بمنأى عن الآخر، فما أثير حول مخالفة قانون الإيجار القديم لأحكام الشريعة كون العقد غير محدد المدة، ومخالفة ذلك أيضاَ للمادة 2 من الدستور المصري والتي جاء بنصها أن أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي فى التشريع، وفى حقيقة الأمر مردود على ذلك أن المادة 2 أدرجت في الدستور المصري عام 1981 أي بعد قوانين الإيجارات رقم 49 لسنة 1977 وقانون 136 لسنة 1981 والتي لا تطبق بأثر رجعى على مراكز قانونية تم الاتفاق عليها طبقا لنظرية - عدم رجعية القوانين.
وبحسب "الجعار" في تصريح لـ"برلماني": نضيف إلى ذلك الأمر أن قانون الإيجار القديم تجارى وسكنى حالياَ وبعد حكم المحكمة الدستورية العليا لعام 2002 أصبح محدد الأجل لعملية امتداد العلاقة الإيجارية لأقارب الدرجة الأولى فقط وذلك بشروط، وبذلك فإن فتوى أو الرأي الفقهي بمخالفة قانون الإيجار القديم للشريعة الإسلامية ليس له أى أساس من الصحة، حيث أنها تتطرق لـ"العقود غير محددة الأجل والمدة"، كما أننا كما هو معلوم لجميع المختصين لا نطبق أحكام الشريعة الإسلامية في مصر إلا فى المواريث والقوانين المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية .
التعديلات الأخيرة للأشخاص الاعتبارية
ولا يفوتنا أن نذكر التعديلات التي وافق عليها مجلس الوزراء ثم وافق عليها مجلس النواب بشأن مشروع قانون إجراءات ومواعيد إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكنى، ويستهدف مشروع القانون منح الأشخاص الاعتبارية المعنية بهذا القانون مهلة لا تجاوز 5 سنوات من تاريخ هذا القانون، لتوفيق أوضاعها، يتم بعدها تحرير العلاقة بين تلك الأشخاص الاعتبارية وبين الملاك أو المؤجرين بحسب الأحوال، وتحدد القيمة الايجارية بـ 5 أمثال القيمة القانونية السارية، وتزاد سنوياً وبصفة دورية آخر قيمة قانونية مستحقة وفق هذا القانون بنسبة 15% خلال السنوات الأربعة التالية، ويستهدف مشروع القانون أيضا تنظيم الإجراءات القضائية والقانونية المتعلقة بإخلاء المكان المؤجر فى اليوم التالي لانتهاء الحد الأقصى للمدة المبينة بالقانون "5 سنوات" في حالة امتناع المستأجر عن ذلك – الكلام لـ"الجعار".
أسئلة قانونية شائكة حول التعديل
أما بالنسبة للرد على أن حل مشكلة "قانون الإيجار القديم" هو زيادة القيمة الإيجارية سكنى وتجارى، فمردود على ذلك أن اقتراح الزيادة لن يرضى الطرفين المالك والمستأجر لأن طموحات الجمعيات المتعلقة بالملاك هى فى الأساس - طرد المستأجر - ولن ترضيه أو تعجبه الزيادة وستظل تلك المشكلة قائمة خاصة بعد رفض المستأجرين ذلك المقترح فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وبالنسبة لما جاء فى معظم مقترحات تعديل قانون الإيجار القديم بضرورة عدم المساس بالمستأجر محدود الدخل، فإن هذا الحديث من الناحية العملية غير منطقي، وذلك لأنه فى حالة تشريع قانون جديد من المقرر أن يطبق على الجميع ونحن حسب آخر الإحصائيات هناك نسبة كبيرة تحت خط الفقر، وحقيقة الأمر أن الحديث عن تعديل ذلك القانون أصبح مجالا للترويج وإثارة الشائعات والفتن كما وصل الأمر فى كثير من الأحيان لارتكاب عدد من الجرائم بين المالك والمستأجر فى حين أن المالك صدق الكذبة ونسى أنه بنى ملكه المستأجر بدعم من الدولة والتى نظمت تشريعات الإيجار القديم لتحافظ على استقرار الأسر المصرية وفى مقابل ذلك دعمت "المالك" فى البناء فقد جاءت كافة دساتير العالم بمبدأ أساسه الحفاظ على السلم الاجتماعي واستقرار شعوبها والحديث عن اى مقترح قانون مخالف لأحكام المحكمة الدستورية ومبادئها إهدار للوقت.
رأي دار الإفتاء المصرية في الأزمة
هذا وقد سبق لدار الإفتاء المصرية التصدي لمثل هذه الإشكالية، فقد سبق لورود سؤال للإفتاء، فكان رد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بقوله في فتوى له: "إنّ قانون الإيجار القديم جائز شرعًا طالما ارتضى عليه الطرفان من قبل، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية"، داعيا إلى إعادة النظر قانونًا وليس شرعًا في قانون الإيجار القديم، لأنه يتفق مع الدين، ولكنه في الوقت الحالي قد يضر مالك العقار الأصلي الذي أجره، فعلى الدولة إعادة النظر فيه مرة أخرى.
عقود غير محددة المدة
بينما قال الدكتور على جمعة، مفتي الديار السابق، في تصريحات سابقة له - إن عقدُ الإيجار في الشريعة الإسلامية يجب أن يكون مؤقتًا بمدة، ولا يجوز أن يكون من غير أجلٍ محددٍ على التأبيد، فإذا نُص في العقد أنه مؤبَّد بطل، وإذا نُص فيه على مدةٍ محددةٍ يجب الالتزام بها، وإذا صدرت قوانين تمد أجله بشروط معينة فإن لولي الأمر أن يقيد المباح، وتُنزَّلُ حينئذٍ مدة العلاقة الإيجارية منزلة المدة الطويلة التي تمتد إلى خمسين سنة عند بعضهم، وإلى تسعين عند آخرين، والعلاقة بين المؤجر والمستأجر لازمة من طرف المؤجر، جائزة من طرف المستأجر.
وعليه، يقول المفتي السابق إن للمستأجر أن يبيع باقي المدة التي في عقده لصاحب المِلك أو للغير بحسب الحال، وهذا النظر يصحح عقود الإيجار المعمول بها الآن في عصرنا، ولا يُبطِل على الناس جُلَّ عقودهم من ناحية، ولا يعارض ما ارتآه ولي الأمر لتحصيل المصالح الاقتصادية والاجتماعية لاستقرار الأمن في البلاد من ناحية أخرى، والأخير غرض شريف مطلوب في الشريعة، ومرغوب إليه فيها.