تغييرات كبيرة أحدثتها الحرب فى أوكرانيا فى المشهد السياسى العالمى، والذى وصفه كثير من المحليين والخبراء بأنه إعادة تشكيل للنظام العالمى. وفى هذا الإطار، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الحرب فى أوكرانيا أدت إلى أكبر عملية لإعادة التفكير فى السياسة الخارجية الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وأشعلت بالولايات المتحدة مهمة تغيير حساباتها الإستراتيجية مع الحلفاء والخصوم على حد السواء.
بالنسبة لأوروبا، قالت الصحيفة، إن الغزو الروسى عزز روابط أمريكا بالقارة العجوز بشكل أكثر قوة من أى وقت مضى منذ الحرب الباردة، وتعميق الروابط الأمريكية مع حلفاء واشنطن فى آسيا، بينما أدى إلى إعادة تقييم للخصوم مقل الصين وإيران وفنزويلا.
كما أن الحرب فى أوكرانيا أعادت تنشيط ما وصفته الصحيفة بدور واشنطن القيادى فى العالم الديمقراطى بعد أشهر من انسحاب أمريكا الفوضوى من أفغانستان والذى أنهى 20 عاما من الصراع بشكل كئيب.
إلا أن التركيز الجديد على روسيا يأتى بخيارات صعبة ومناقشات داخلية، أشبه بتلك التى واجهت الدبلوماسية الأمريكية خلال الحرب الباردة، عندما تغاضت أمريكا فى بعض الأحيان عن انتهاكات حقوق الإنسان ودعمت حكام مستبدين باسم النضال ضد الشيوعية.
وقال بنجامين رودس، نائب مستشار الأمن القومى السابق فى البيت الأبيض فى عهد أوباما إنه الأمر يبدو كما لو أننا فى عصر جديد بالتأكيد، فحرب ما بعد 11 سبتمبر على الإرهاب أصبحت خلفنا، والآن نحن لسنا متأكدين بشأن ما هو قادم.
ووصفت نيويورك تايمز حرب روسيا على أوكرانيا بأنها أصبحت أشبه بالمنشور الزجاجى الذى سيتم من خلال طرح جميع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية تقريبا فى المستقبل القريب.
وفى حين يحذر بعض الخبراء من أن التركيز المتجدد على أوروبا سيؤدى حتما إلى تحويل الانتباه عن آسيا، فإن العديد من كبار مسئولى البيت الأبيض يقولون إن الولايات المتحدة يمكنها الاستفادة من الطريقة التى أقنعت بها الحرب بعض الحكومات الآسيوية بأنها بحاجة إلى العمل عن كثب مع الغرب من أجل بناء "جبهة أيديولوجية عالمية للدفاع عن الديمقراطية". وقال كيرت كامبل، كبير مسئولى السياسة الآسيوية بالبيت الأبيض فى عهد أوباما، إن ما نشهده الآن هو مستوى غير مسبوق من الاهتمام والتركيز الآسيوى.
وتقول نيويورك تايمز إن نهج أمريكا صوب العالم كان يمر بالفعل بتغيير كبير بعد انتهاء حربيها فى العراق وأفغانستان وبعدما لم تعد النقاشات حول داعش فى المقدمة. ورحب العديد من الأمريكيين الذين يقلقون من الحرب بخفض البصمة العسكرية فى الخارج الذى قام به الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى شكك فى اهمية حلف الناتو بل انه طرح فكرة الانسحاب من الحلف.
وسعى بايدن لإعادة بناء تحالفات أمريكا فى الخارج، لكن لم يفعله باسم مواجهة الصين. ووسع غزو روسيا لأوكرانيا بشكل كبير مهمته وزادها إلحاحا، ومهخد لتغير جيوسياسى من شانه أن يضع الصين وحلفائها فى مواجهة الصين وروسيا لو شكلتا معا كتلة مناهضة للغرب.
لكنه قدم لواشنطن أيضا إحساسا جديدا وأكثر "نبلا" بالهدف، كما يقول روديس، الذى أشار إلى أن الولايات المتحدة كانت تحاول الوصول إلى حقبة جديدة منذ فترة طويلة، والآن يعتقد أن الغزو الروسى قد استلزم عودة أمريكية إلى ما أسماه "المكانة الأخلاقية العالية".
من ناحية أخرى، ترى الصحيفة أن حرب روسيا فى أوكرانيا ستنشط بالتأكيد سعى بايدن من أجل الديمقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية، إلا أن هناك بعض الدول السلطوية فى الناتو التى تلعب أدوار رئيسبة فى الحلف الذى يساعد الناتو مثل بولندا والمجر.
ومن بين التغييرات التى تحدثت عنها الصحيفة، أن الغزو الروسى خلق حوافز جديدة قوية للولايات المتحدة لإيجاد سبل لإبعاد الصين عن بوتين، الذى ربما يعتمد على الإمداد الدبلوماسى والاقتصادى من بكين فى ظل العقوبات الغربية. لكن البعض داخل إدارة بايدن ينظر إلى الصين كقضية خاسرة ويفضلون التعامل مع الصين وروسيا على أنهما شريكين ملتزمين.