على مدار 50 يوما يعيش العراق أزمة سياسية طاحنة على خلفية فشل محاولات البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، بعد إخفاق الأحزاب السياسية فى التوافق حول شخصية واحدة لانتخابها، الأمر الذى طرح العديد من التساؤلات حول مستقبل البلاد فى ظل التعطيل الدستورى، بل وامتدت الاحتمالات حول السيناريوهات المستقبلية التى تنتظر البرلمان المنتخب فى حال فشل فى أولى مهامه منذ انتخابه.
وانفجرت الأزمة بشكل واضح بعد فشل جلسة الانتخاب الأخيرة، السبت الماضى، وشهدت مقاطعة عدد كبير من نواب البرلمان وغياب النصاب القانونى للانتخاب، حيث حضر الجلسة 202 نائب فقط، ولم تستطع الجلسة أن تؤمّن العدد الدستورى الكامل للتصويت، مما أدى إلى حالة من الإحباط فى الشارع العراقى الذى كان يترقب بفارغ الصبر انتخاب رئيس الجمهورية ثم تشكيل الحكومة الجديدة لمواجهة الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها بغداد.
وأعلنت بعض القوى المستقلة قبيل انعقاد الجلسة مقاطعتها الحضور، وعٌقدت الجلسة النيابية المقررة فى الـ11 صباحاً أى بعد نحو 3 ساعات على موعدها، على أمل أن يُستكمل الحضور لاحقاً، إلا أنه خلال أوقات انعقاد الجلسة قدمت قوى الإطار التنسيقى – الشيعية - ورقة بالمقاطعة تضم 125 نائباً، فاضطر رئيس البرلمان محمد الحلبوسى إلى رفعها وتأجيلها للأربعاء المقبل لعدم اكتمال النصاب القانوني.
وتعتبر هذه المحاولة الثانية التى يخفق فيها مجلس النواب من تحقيق النصاب القانونى لانتخاب رئيس الجمهورية، عقب الجلسة التى قاطعتها أغلب القوى السياسية فى الـ7 من فبراير الماضى، ووسط ترقب محاط باليأس تتم مشاورات سياسية حاليا لتأمين النصاب القانونى لجلسة الأربعاء المقبل، والتى فى حال فشلها فإن الكلمة الأخيرة ستكون للمحكمة الاتحادية التى قد تقضى بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة.
ورغم أن الخلاف الظاهرة هو منصب الرئيس، إلا أن الخلاف الحقيقى بين القوى السياسية على شكل الحكومة والمشاركين فيها، حيث تضغط قوى الإطار التنسيقى – الشيعية - وحلفاؤها بتعطيل عمل البرلمان للحصول على ضمانات بدخولها فى تحالف مع التيار الصدرى صاحب الأغلبية البرلمانية، وتبنى مشروع تشكيل حكومة توافقية يشارك فيها الجميع، فى حين يرفض الزعيم مقتدى الصدر المقترح ويريد تشكيل حكومة أغلبية يسيطر عليها تياره السياسى.
ويتنافس على منصب الرئيس العراقى 40 مرشحا أبرزهم ريبر أحمد مرشح الكتلة الأكثر عددا، وبرهم صالح مرشح الإطار التنسيقى الشيعى وحلفائه فى حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى بزعامة بافل طالبانى وعدد من النواب الآخرين.
وعقب جلسة السبت أكد الرئيس العراقى برهم صالح أن انعدام التفاهمات الوطنية وعدم انعقاد جلسة البرلمان لاستكمال الاستحقاقات الدستورية فى مواعيدها المُحددة هو أمر مؤسف ومثير للقلق، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة فى العراق أكتوبر الماضى.
وقال الرئيس العراقى فى بيان صحفى إن البرلمان العراقى الجديد المُنبثق عن الانتخابات المبكرة يقع على عاتقه مسؤولية استثنائية كونه جاء بعد حراك شعبى وإجماع وطنى واسع، يُطالب بتصحيح المسارات وإنهاء الأزمات السياسة المُستحكمة فى البلد لا تكريسها.
وأضاف صالح أن القوى السياسية اليوم أمام اختبار وطنى حاسم، وأن الظروف العصيبة التى مرّت بالبلد والظرف الدقيق الراهن، يفرض على الجميع مسؤولية تاريخية وعملاً استثنائياً فى الخروج من الأزمة الراهنة بروح الوطنية والتكاتف، والشروع فى تلبية الاستحقاقات الوطنية بتشكيل حكومة مُقتدرة فاعلة تحمى مصالح البلد وتُعزز سيادته واستقلاله.
وأوضح الرئيس العراقى قائلاً: من هذا المنطلق ندعو جميع الأطراف السياسية العراقية إلى حوار جاد وفاعل للخروج من الأزمة الراهنة بلا تهاون أو تأخير، وتغليب مصالح العراق والعراقيين والأخذ فى الاعتبار الظروف الإقليمية والمُتغيرات الدولية والتحديات الداخلية الماثلة أمامنا، وخصوصا الأوضاع الاقتصادية الخطيرة التى تستدعى حرصاً على تمتين الجبهة الداخلية ورص الصف الوطنى فى سبيل الخروج من الأزمة الراهنة.
كما أكد مصطفى الكاظمى رئيس الوزراء العراقى ومحمد الحلبوسى رئيس مجلس النواب على ضرورة تجاوز العقبات والانسداد السياسى الذى تمر به البلاد، مشددا على ضرورة تعزيز ثقة المواطن بالعملية السياسية من خلال التركيز على هدف خدمة قطاعات الشعب، وأهمية تمرير الالتزامات القانونية المتعلقة بحياة الناس، ومواجهة التحديات العالمية والتوترات المتزايدة التى انعكست على الاقتصاد العراقى.