كان إعلان أوكرانيا علانية نيتها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى هو الشرارة الأولى التي أشعلت العملية العسكرية الروسية ضد كييف، ورغم سعى الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى بكل جد نحو الانضمام للحلف العسكرى إلا أن الناتو أدار ظهره له وقت الحاجة، ووقفت أوكرانيا تواجه مصيرها بمفردها.
ورغم أن تلك الأحداث لم يمر عليها سوى ثلاثة أشهر إلا أن فنلندا والسويد أقدمتا على خطوة مشابهة وأعلنت عزمها الانضمام للناتو قريبا، متجاهلة تهديدات روسيا برد عنيف حال انضمت دول الحدود معها للحلف العسكرى، مما أثار مخاوف دولية حول انعكاس هذا القرار على الأوضاع في أوروبا بالكامل وما قد يسفر عنه من حرب عالمية بمشاركة دول الناتو ضد روسيا وحلفاؤها.
وتسارعت الأحداث خلال الـ48 ساعة الماضية بعد أن أعلنت بريطانيا عن توقيعها اتفاقا على "ضمانات أمنية متبادلة" مع السويد وفنلندا، وقام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بزيارة لكلا البلدين للتوقيع على اتفاقيات وصفت بالـ"تاريخية".
ووفقًا لداونينج ستريت ، فإن الاتفاقيات الجديدة تتضمن "تكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسريع التدريب العسكري المشترك، والتمارين والنشر، وتعزيز الأمن في جميع البلدان الثلاثة وشمال أوروبا"، وقال المكتب إن المملكة المتحدة تعتزم أيضا "دعم القوات المسلحة للبلدين إما أن تواجه أزمة أو تتعرض للهجوم".
واعتبر المراقبون تلك الاتفاقية بمثابة رسالة طمأنة لكل من فنلندا والسويد عن مخاوفهما من انتقام محتمل من روسيا إذا تقدمتا بطلب للحصول على عضوية الناتو، حيث تبحث الغرف التشريعية في كلال الدولتين الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
و زعم جونسون خلال زيارته للسويد أن الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا - الذي وصفه بأنه "حملة بوتين المتعطشة للدماء ضد دولة ذات سيادة" - وضع حدًا للأمل في أن يستمر السلام في أوروبا، وقال جونسون عن الاتفاق الأمني : "هذا ليس حلاً مؤقتاً قصير الأمد، بل التزام طويل الأمد لتعزيز العلاقات العسكرية والاستقرار العالمي، وتحصين دفاعات أوروبا لأجيال قادمة".
وخشية إثارة غضب روسيا التي تعارض أي توسع للحلف، تسعى البلدان الاسكندنافيان إلى الحصول على ضمانات أمنية من أعضاء الحلف بتقديم الحماية لهما، خلال الفترة الانتقالية بين تقديم الطلب والحصول على العضوية الكاملة.
وبعد توقيع الاتفاق مع بريطانيا لم يخفى الرئيس الفنلندي سولي نينيستو نية بلاده الانضمام للناتو، معلنا :"إن انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) - في حال تم - لن يكون ضد أحد".
وذكرت وسائل إعلام فلندية أن فنلندا والسويد قد تتقدمان بطلب الانضمام إلى حلف "الناتو" مطلع الأسبوع المقبل، حيث قالت صحيفة "هيلسينغين سانومات" الفنلندية، أن "الدولتين قد تسلمان طلبهما إلى المقر الرئيس للحلف في نفس الوقت".
وكانت قد أفادت الصحيفة، بأن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو، سينشر رأيه حول عضوية البلاد المحتملة في الناتو في 12 مايو، بالإضافة إلى رئيسة الوزراء سانا مارين، وأعلن مكتب الرئيس الفنلندي، أن "خلال زيارة الأخير للسويد يومي 17 و 18 مايو، سيجري محادثات مع رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون حول القرارات المتعلقة بالسياسة الأمنية لبلديهما".
وتشجع الولايات المتحدة تلك الخطوة بشدة رغم أنها لم تساند انضمام أوكرانيا سابقا، مما يٌثير المخاوف من أن موقف واشنطن بمساندة انضمام السويد وفنلندا للناتو يأتي استفزازا لروسيا المستمرة في عمليته االعسكرية على رغم العقوبات المضاعفة التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها ضدها.
وفي وقت سابق وقبل اتخاذ الدولتان علنا خطوات للانضمام للحف، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة ستدعم بقوة السويد وفنلندا إذا قررتا السعي للحصول على عضوية الناتو، وأضاف بلينكن خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي: "نحن، بالطبع، نتطلع إليهم لاتخاذ هذا القرار. إذا كان هذا قرارهما، فسنؤيده بقوة". وقال بلينكن إنه لا يمكنه تقديم جدول زمني لكنه أشار إلى أنه "قيد النظر والدراسة من كلا البلدين".
وفى رد فعل سريع من جانب الناتو، قال أمين عام الحلف ينس ستولتنبرج إن عملية انضمام فنلندا ستكون "سلسة وسريعة".
تلك التصريحات العلنية من جانب الغرب، استدعت رد فعل روسى حيث أكد الكرملين أن انضمام فنلندا إلى حلف الناتو يشكل "تهديدا" لروسيا، واصفا سعي هلسنكي لذلك بالمؤسف، معتبرا أن فنلندا قررت الانضمام إلى الدول الأوروبية التي اتخذت موقفا عدائيا تجاه روسيا.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين إن "توسيع الناتو واقتراب الحلف من حدودنا لا يجعل العالم وقارتنا أكثر استقرارا وأمنا"، وأكد ردا على سؤال عمّا إذا كانت موسكو ترى في الخطوة تهديدا "بالتأكيد" .
ورغم أن العالم لم يتعافى بعد من تبعات العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، والتي ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية دوليا وإقليميا، تأتى فنلندا والسويد لإثارة بؤرة توتر جديدة على الحدود الروسية، ويلحقها الدعم البريطاني الأمريكي ليٌشعل الأجواء توترا مع موسكو، ليفرض مزيد من الغموض عما ستحمله الأيام القادمة.