أعلن الحزب المصرى الديمقراطي، عن حزمة من الملاحظات حول مشروع الموازنة العامة للدولة في العام المالي 2022-2023، خاصة خلال الوضع الاقتصادى العالمى والمحلى، في ظل رتفاع معدلات التضخم، حيث جاء خلال النقاشات التي دارت بالجلسة العامة لمجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، لمناقشة التقرير العام للجنة الخطة والموازنة بشأن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعى ومشروعات موازنات الهيئات العامة الاقتصادية، والهيئة القومية للإنتاج الحربى.
1.هناك تقديرات تتسم بالتفاؤل ولا تعكس الوضع الحالي للاقتصاد العالمي والمحلي، فقد بنيت الخطة على وصول معدل التضخم السنوي إلى 9٪، وهي لا يتسق مع يحدث حتى في الاقتصاديات المتقدمة كالاقتصاد الأمريكي الذى بلغ به معدل التضخم على أساس سنوي إلى 8.5٪. وهذا المعدل لا يأخذ حتى بتوقعات المؤسسات المالية العالمية مثل بنك BNB PARIBAS الذي يتوقع أن يصل معدل التضخم في مصر لما يقارب 12.5 ٪ في العام الحالي، بينما يتوقع بنك جولدمان ساكس أن يصل معدل التضخم المحلي لـ 17٪ في السنة الحالية مع توقع بتخفيض جديد في قيمة الجنية المصري أمام الدولار.
في حين تشير خطة التنمية الاقتصادية التي عرضتها وزارة التخطيط على البرلمان بغرفتيه أن معدلات التضخم في السنة المالية الحالية سوف تكون في حدود 10٪ بينما بنيت افتراضات الموازنة على معدل تضخم أقل بمقدار 1٪، من الممكن أن تكون معدلات التضخم مختلفة فهي في النهاية تقديرات، لكن يجب على الأقل أن تتطابق خطة التنمية مع الموازنة في الافتراضات الاقتصادية الرئيسية حتى تكون الأرقام في كلا الوثيقتين الحكوميتين واحدة.
2.ينطبق ذلك على أسعار البترول المتوقعة التي بها تقدير أيضا أقل من الحقيقي، حيث بنيت الموازنة على توقع متوسط سعر برميل البترول في السنة الحالية 80 دولار للبرميل، وإذا كان هناك توقعات اقتصادية بأن ينخفض سعر البترول قليلا في الفترة القادمة نتيجة لتوقعات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لكن من المستبعد أن يصبح 80 دولار قريبا، وبالتالي بناء الخطة على توقعات غير حقيقة سوف يصل بنا إلي زيادة العجز الكلي في النهاية عن الخطة، حتى وأن كانت بالموازنة احتياطات تبلغ 5٪ وحتى أن كان لدى وزارة البترول عقود تحوط، وفي هذا الشأن نطلب معرفة تفاصيل هذه العقود والسعر التحوطي للتأكد من السعر الذي يجب أن تبني عليه الموازنة.
3.غياب الانضباط المالي للإنفاق في السنوات الماضية الذي طالبنه به باستمرار، مما دفع بمدفوعات الفوائد وسداد القروض (أصل الدين) في مشروع الموازنة العامة الحالي لمستويات غير مسبوقة، حيث تبلغ مدفوعات أصل الدين العام للسنة المالية الحالية حوالي 965.4 مليار جنيه، وتصل مخصصات سداد الفوائد على الدين العام 690 مليارا، أي أن مخصصات خدمة الدين العام في السنة الحالية تصل 1655.4 مليار أو ما يعادل أكثر من 54٪ من إجمالي الاستخدامات في الموازنة العامة والبالغ حوالي 3 تريليونات جنيه، وفي هذا الشأن لا يمكن قبول وجود استراتيجية وحيدة لإدارة الدين العام تعتمد فقط على إطالة عمر الدين، وهو ما حدث بالفعل في السنوات الأخيرة ولكن مع إطالة عمر الدين سوف نضطر في النهاية لأن نقوم بسداد أصل الدين، ويزداد الأمر تعقيدا في حالة عدم وجود سوق للديون يساعدنا علي إعادة تدوير الدين واستبداله، وهو ما حدث هذا العام للأسف حيث يتعرض الاقتصاد المصري لضغوط شديدة نتج عنها انخفاض الاحتياطي الأجنبي إلي 35.5 مليار دولار، ويتوقع أن يستمر هذا الأمر سوء إذا لم تتدخل المؤسسات الدولية بحزم مساعدات جديدة، أو تتدخل الدول الشقيقة بدعم الاحتياطي النقدي باستثمارات مباشرة أو ودائع جديدة، لكن يتوقع أن تكون شروط هذه الجهات المانحة مؤلمة علي السيادة المصرية، وبالتالي فإن الحديث عن استراتيجية أكثر كفاءة لإدارة الدين العام يتطلب في المقام الأول حوكمة الانفاق الجاري، الاستثماري وترشيده نحو القطاعات ذات الأولوية، وأن تشرع الحكومة جديا في تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصاد الهيكلي التي نسمع عنها ولا نلاحظ انعكاس كبير لتحقيقها.
4.بلغ إجمالي الدين العام في يونيو 2022 نسبة 84.6٪ من الناتج المحلي حسب تقديرات الموازنة العامة، والحقيقة هناك نقص شديد في شفافية عرض رقم الدين العام والاعتماد على عرض نسبة من الناتج المحلي فقط، ولكن بافتراض أن الناتج المحلي سيبلغ 9.2 تريليون جنيه في عام الخطة حسب خطة التنمية الاقتصادية، ذلك يصل بنا إلي إجمالي دين عام يبلغ 7.8 تريليون جنيه.
وبناء عليه فإن هذا الرقم يشير إلي زيادة قيمة الدين العام بمقدار 2.250 تريليون جنيه اذا ما قارناه بالرقم المعلن في الحساب الختامي للدولة عن العام المالي المنتهي في 30 يونيو 2021 والبالغ 5.5 تريليون جنيه يوضح الشكل التالي، وهو ما يتنافى مع عن إستراتيجية الحكومة المعلنة لإدارة الدين العام، ويظل ضمانات وزارة المالية للديون خارج الموازنة والمتعلقة بالهيئات الاقتصادية عبء غير منظور بشكل شفاف لممثلي الشعب، لذا طالبنا العديد من المرات بإعداد بيان مالي مجمع حتى تتضح صورة الديون داخل وخارج الموازنة بشكل شفاف للبرلمان.
5.ما زال التشوه الضريبي مسيطر على هيكل الضرائب في مصر فحوالي 46٪ من الضرائب (540 مليار جنية) تأتي من خلال ضرائب السلع والخدمات، مثل ضرائب القيمة المضافة وضريبة الجدول والتي هي ضرائب تتسم بسهولة التحصيل لكنها تحمل المواطن عبء الضرائب بشكل غير متساوي لأن الكل يدفع تلك الضرائب بغض النظر عن الدخل، وتساهم تلك النوعية من الضرائب في رفع معدلات التضخم.
نجد أيضا أن الضرائب على الممتلكات والتي تتوقع الحكومة أن تكون حصيلتها في حدود 114 مليار جنيه معظمها تأتي من الضرائب على أذون وسندات الخزانة والتي تقدر بمبلغ 93 مليار جنيه، بينما تصل حصيلة ضريبة المباني لحوالي 7 مليار فقط والضرائب والرسوم على السيارات ل10 مليار جنية تقريبا، كما يلاحظ أيضا أن الضرائب على المهن الحرة ما زالت مشكلة كبيرة في الهيكل الضريبي، حيث تصل حصيلتها إلى 6 مليار جنية فقط في السنة الحالية، وهو ما يعكس انعدام الكفاءة الضريبية على مساحة كبيرة من الدخول ضمن الاقتصاد غير الرسمي، والذي يشمل مهن مثل الأطباء، والمحاميين، والمحاسبين، وغيرها من المهن الحرة. تمثل تلك مشكلة كبيرة في تسرب مدخولات ضريبية هامة يستعاض عنه بالاستدانة أو زيادة الضرائب من المنبع على السلع والخدمات، أو ضرائب مرتبات الموظفين، وهو ما يساهم أكثر في تشوه الهيكل الضريبي. ويشير هذا التركز في ضرائب السلع والخدمات وضرائب كسب العمل إلى انعدام عدالة النظام الضريبي، وبالرغم من وجود نظام ضرائب تصاعدية على الدخل، لكن النظام الضريبي العادل هو نظام يجب أن تشكل فيه ضرائب الممتلكات والأرباح نسبة أكبر من ضرائب السلع والرسوم غير المباشرة.
6. فيما يتعلق بمخصصات الدعم، تلاحظ لنا الانخفاض المتتالي في مخصصات الدعم كنسبة من المصروفات الحكومية، والتي انخفضت بمقدار كبير من 25٪ في 2016 إلى 17٪ في الموازنة الحالية. يرجع ذلك لخطة الحكومة لتخفيض أنواع الدعم وبالأخص دعم الطاقة والكهرباء والتي أثرت بشكل مباشر على معدلات التضخم في الفترة التي تلت تعويم الجنية في 2016 وحتى يومنا هذا، وقد استجابت الحكومة لتلك السياسات المالية اتفاقا مع شروط المؤسسات الدولية المانحة،
وساهم تعديل هيكل الانفاق الحكومي في تحسينات طفيفة على مستوي الأداء المالي، لكنه لم يقلل من عجز الموازنة كما كان مأمول، فالديون والاستثمارات غير ذات الأولوية استهلكت المبالغ التي تم توفيرها من خلال التقشف في بنود الدعم، وذلك لأنه في خلال نفس الفترة الزمنية ارتفعت مدفوعات الفوائد من 30 ٪ من المصروفات، إلى 34٪ في الموازنة الحالية، وكذلك ارتفعت الاستثمارات الموجه أغلبها للمشروعات القومية ومنها جزء لدينا عليه تحفظات من حيث الأهمية والأولوية من 8 ٪ ل 18٪ في الموازنة الحالية.
وأكد الحزب أن ارتفاع نسبة الاستثمارات من المصروفات لا يشكل مشكلة في حد ذاته، بل أن المشكلة هو السياسة الاقتصادية في توجيه تلك الاستثمارات، والتي تتوجه لقطاعات مثل النقل والأنشطة العقارية، ويتم تمويلها عبر القروض مما يساهم في تحميل الموازنة العامة لأعباء كان من الممكن أن يتحمل جزء منها القطاع الخاص من خلال استثمارات مباشرة. وتوجه تلك الاستثمارات إلى مخصصات التعليم والصحة وتمهيد البنية التحتية لقطاعات الاقتصاد الحقيقي، ما يساهم في التنمية المستدامة الحقيقة.
7. بالمثل انخفضت نسبة الأجور وتعويضات العاملين خلال الخمس سنوات محل المقارنة من 26٪ من إجمالي المصروفات إلى 19٪، وبالرغم من الزيادة المطلقة في رقم الأجور إلا أن ذلك لا يعكس زيادة حقيقة في الأجور في ظل معدلات تضخم عالية خلال تلك السنوات بلغت بشكل تراكمي أكثر 80٪.
ويرجع كذلك انخفاض نسبة الأجور إلى خطة الدولة إلي إيقاف التعيينات الجديدة، وخروج نسبة مهمة من العاملين للمعاش، وأن كان هذا مقبول في بعض القطاعات التي عانت من تضخم شديد في أعداد الموظفين، إلى أن المشكلة الكبرى هو أن جزء كبير من انخفاض أعداد العاملين جاء في قطاعي الصحة والتعليم مما أثر بشكل كبير على التنمية الاجتماعية الحقيقة، وانعكس ذلك بشكل كبير في العجز الشديد في المدرسين والأطباء في السنوات الأخيرة، ومحاولة الدولة لتدارك هذا الخطأ الجوهري في السياسات.
8.تستمر الحكومة في التنصل من الاستحقاقات الدستورية الخاصة بالتعليم والصحة، فعلي الرغم من حيث يبلغ الإنفاق الموجه لقطاع التعليم في التقسيم الوظيفي للموازنة العامة إلى 192 مليار جنية أي أقل من الاستحقاق الدستوري للتعليم البالغ 6٪ من الناتج القومي. إذا كانت الحكومة تريد الالتزام بالفعل بالاستحقاق الدستوري للإنفاق على التعليم فإنها على الأقل ملزمة بإنفاق ما لا يقل عن 553 مليار جنية بحساب الناتج المحلي بالأسعار الجارية للسنة الموازنة والبالغ 9.216 تريلون جنية، أو حتي 474 مليار جنيه باستخدام رقم لناتج المحلي للسنة المالية الحالية والبالغ 7.9 تريلون جنيه.
أيضا فيما يتعلق بالصحة، فإن مخصصات التقسيم الوظيفي للقطاع وصلت إلى 128 مليار جنيه، وهي أقل كذلك من النسبة الدستورية المخصصة للإنفاق على الصحة في الدستور، والبالغة 3٪ من الناتج القومي. لذلك إذا كانت الحكومة تريد إنفاق الرقم الحقيقي على الصحة بما يلائم الاستحقاقات الدستورية فإن عليها أن تنفق 276 مليار جنية من الناتج المحلي للسنة المالية القادمة، أو يعادل 237 مليار جنيه من الناتج المحلي للسنة المالية الحالية.
9.فيما يتعلق بالدعم الغذائي، تضمن مشروع الموازنة العامة للعام المالي الجديد انخفاضًا بنسبة تتجاوز 8% في مخصصات دعم السلع التموينية، قياسًا إلى الإنفاق الفعلي المتوقع في العام المالي الحالي. فتبعًا لمشروع الموازنة العامة الجديدة، فقد خصصت الحكومة 90 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، مقابل 98 مليار جنيه، تمثل الإنفاق الفعلي المتوقع على دعم السلع التموينية بنهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو القادم.
يمثل هذا الانخفاض مشكلة كبيرة في ظل معدل التضخم الحالي في أسعار السلع، والتي وصلت لما يقرب من 14٪ على أساس سنوي، وهو ما يستدعي يجعل الانفاق الحقيقي على مخصصات دعم السلع التموينية يتجاوز ال8٪ مقدار ليصبح في حدود 22٪ بإضافة معدل التضخم الحالي، والمعرض للزيادة في الفترة القادمة في ظل انعدام استقرار أوضاع الاقتصاد العالمي.
10.أما فيما يتعلق بالدعم النقدي، وتحديداً برنامج تكافل وكرامة فإن أضافت الحكومة في الموازنة 400 ألف أسرة وليس 450 ألف أسرة كما أعلنت رسميا في مارس، وبالإضافة لذلك فإن مخصصات الأسرة في البرنامج لم تزد بنسبة كبيرة، فتكلفة الدعم النقدي في البرنامج في السنة الماضية كانت حوالي 19 مليار جنية مقسمة على 3.6 مليون أسرة أي بمتوسط 5277 جنية للأسرة سنويا في البرنامج، أو 439 جنية شهريا. بينما بلغت في السنة محل الموازنة مبلغ 22 مليار مقسمة على 4 مليون أسرة، بواقع 5500 جنية سنويا في المتوسط للأسرة أو 458 جنية شهريا، أي أن المتوسط الشهري للأسرة زاد فقط بواقع 19 جنية للفرد، وهذا لم يراع معدل التضخم المرتفع هذا العام على الاطلاق.
كان الأولي بالحكومة أن تتوسع من تغطية برنامج تكافل وكرامة بإضافة مليون أسرة على الأقل في هذا العام، بتكلفة زائدة تقدر بحوالي 4.7 مليار جنية فقط، وهو رقم قليل إذا ما قورن بالكثير من بنود لإنفاق الأخرى، أو حتى تسعي أن ترفع نسبة الأموال المخصصة للبرنامج بحيث يرتفع نصيب الأسرة بشكل يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن المستفيد من برنامج تكافل وكرامة.