الحرب بقوت الشعوب من أخطر أنواع الحروب، ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية واحتلت قضية تصدير القمح صدارة الأجندة الدولية، بعد أن عرقلت العمليات العسكرية تصدير جميع أنواع الحبوب من روسيا وأوكرانيا واللذان يملكان أكبر مخزون عالمى، مما أثار مخاوف بأزمة غذاء كبرى تواجه جميع دول العالم بدون استثناء.
التوتر بشأن القمح عاد مجددا بعد فترة من الهدوء النسبى، فى اعقاب توقيع كل من موسكو وكييف فى 22 يوليو الماضى، اتفاقا عُرف باسم "اتفاق الحبوب"، وينص على السماح بضخ صادرات الحبوب والمواد الغذائية الأخرى والأسمدة، من الأراضى الأوكرانية عبر ممر إنسانى بحرى آمن ينطلق من 3 موانئ أوكرانية.
خلال الأيام الماضية أعلنت موسكو تعليق مشاركتها فى اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية الذى رعته الأمم المتحدة، وذلك بعد استهداف الاسطول الروسى فى البحر الأوسط بشبه جزيرة القرم، وأكدت أن قرارها جاء بعدما عثرت على حطام المسيّرات التى هاجمت السبت الماضى أسطولها مشيرة إلى أن القصف الأوكرانى استخدم الممر الآمن المخصص لتصدير الحبوب، وطرحت موسكو احتمال استغلال إحدى السفن المدنية المستأجرة بموجب اتفاق تصدير الحبوب.
قرار موسكو أدى فى الحال إلى قفز سعر القمح فى بورصة شيكاغو بنسبة 6.4% عند 8.8225 دولار للبوشل، كما ارتفعت أسعار الذرة 1.6% وزيت فول الصويا 2%، بينما قالت وزارة الزراعة الأوكرانية، إن صادرات الحبوب الأوكرانية تراجعت إلى 4.22 مليون طن فى أكتوبر الماضى، مقارنة بـ 5.05 مليون طن مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضى بانخفاص 16.4% على أساس سنوى، وأضافت الوزارة أن حجم صادرات أكتوبر الماضى شمل 1.9 مليون طن من القمح ونحو مليونى طن من الذرة و313 ألف طن من الشعير.
وبعد أيام من الشد والجذب بين موسكو والغرب وهلع ساد العالم، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إن موسكو ستستأنف مشاركتها فى اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، بعد تلقيها ضمانات مكتوبة من أوكرانيا بأنها لن تستخدم الممر الإنسانى والموانى الأوكرانية للقيام بعمليات عسكرية ضد روسيا.
ورغم انتهاء الأزمة وسط بعض المخاوف من تجددها إلا أن ما أعلن عنه مجلس الدوما الروسى حول مسار القمح الذى يتم تصديره أثار مخاوف كثيرة، حيث أكد المجلس أن ثلاثة ارباع القمح الوأكرانى الذى تم تصديره منذ توقيع الاتفاق وصل إلى دول أوروبا على حساب دول افريقيا وآسيا الأكثر احتياجا، ملمحا إلى أن أوكرانيا تكاقئ دول الاتحاد على مساندتها لكييف عسكريا.
وقال فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس الدوما الروسى، إن كييف صدرت ثلاث أرباع الأقماح إلى بلدان الاتحاد الأوروبى، وأضاف فولودين عبر بيان رسمى فى قناته بـتليجرام أن روسيا منحت أوكرانيا فرصة لتصدير الحبوب التى كان من المفترض أن تذهب إلى الدول الأكثر احتياجًا فى أفريقيا وآسيا، لكن هذه الحبوب ذهب ثلاث أرباعها للاتحاد الاوروبى قيما وصل هذه البلدان أقل من الربع.
ووجه الغرب انتقادات لاذعة لموسكو لتعليقها العمل باتفاق تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا الجنوبية على البحر الأسود، واتهمت الدول الغربية روسيا بمفاقمة مشكلة الأمن الغذائى عالمياً، لاسيما بالنسبة للدول الإفريقية وغيرها من الدول النامية، التى تأثرت بشكل كبير منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية على الأراضى الأوكرانية، فى 24 فبراير الماضى.
إلا أن روسيا سارعت بالرد على الانتقادات الغربية، بإعلان استعدادها لمساعدة الدول المحتاجة، وتصدير القمح إليها مجانا، وقال مندوب روسيا الدائم فى فيينا، ميخائيل أوليانوف، إن بلاده مستعدة لتوريد 500 ألف طن من الحبوب، وأضاف أن تلك الكميات من الحبوب ستصل إلى البلدان المحتاجة مجاناً.
ماحدث على مدار اليومين الماضيين أثار تساؤلات عديدة حول هشاشة هذا الاتفاق والذى قد ينهار فى أى لحظة مستقبلا، فما هى الضمانات للدول الأكثر احتياجا، كما طرح قضية أكثر أهمية كشفت عنها روسيا فى الأزمة وهى أن القمح الذى تصدره أوكرانيا عبر الممرات الأمنة لا يذهب للأكثر احتياجا، فكما حصلت روسيا إلى ضماناتها الأمنية من يمنح دول العالم ضمانات بالأمن الغذائى.