بالرغم من مرور أكثر من 86 عام على صناعة السيارات فى مصر، والتى بدأت بإحدى الشركات الأمريكية -أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم في ذلك الوقت- حيث أنشأت تلك الشركة في عام 1936 أول مصنع لتجميع سيارات النقل فى محافظة الإسكندرية، وكانت تقوم باستيراد أجزاء السيارة من الشركة الأم بأمريكا وتجميعها في مصر، وبعد ذلك فى عام 1961 قامت الدولة المصرية بتأسيس أول شركة لصناعة السيارات وكانت مملوكة للدولة، إلا إنه منذ ذلك الوقت ولا يوجد أى شركات مصنعة للسيارات فى مصر -بشكل كامل- صناعة وطنية، وإنما يقتصر سوق السيارات فى مصر على التجميع فقط وليس التصنيع، وذلك من خلال الشراكات مع الشركات العالمية سواء بتأسيس مصانع لها فى مصر أو بالعمل مع وكلاء لها من رجال الأعمال المصريين فى هذا المجال.
ولأن صناعة السيارات باتت من أهم الصناعات فى العالم حاليًا، خاصة فى ظل ارتفاع الطلب عليها بسبب زيادة عدد السكان وتوسع الطبقات الوسطى مما جعل من السيارة شيئًا أساسيًا الآن في متطلبات الحياة، ونظرًا لأن مصر تحتل المركز الثالث في الدول الأفريقية الأكثر إنتاجًا للسيارات مع ارتفاع حجم المبيعات على مستوى الدول العربية، قررت الدولة المصرية تطوير هذا القطاع والعودة مجددًا للتصنيع وتوطين صناعة السيارات وعدم اقتصارها على التجميع فقط.
ولكن فى هذه المرة، التصنيع لن يكون بمكونات محلية الصنع فقط، وإنما سيكون صديق للبيئة أيضًا، ونحو هذا التوجه، أطلقت الدولة إستراتيجية متكاملة لصناعة السيارات، كما قامت بإعداد التشريع اللازم لضبط هذا الأمر قانونيًا والتشجيع عليه أيضًا، حيث أطلقت الحكومة المصرية في شهر يونيو من العام الجارى "2022"، استراتيجية تنمية صناعة السيارات، والتي تستهدف منها جذب استثمارات أجنبية ضخمة لإقامة مشروعات لتصنيع السيارات في مصر والصناعات المغذية لها بالمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد.
توطين صناعة السيارات
كما تضع الحكومة المصرية مسألة توطين صناعة السيارات على قمة أولوياتها، وهو ما أكده الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء في اجتماعاته الأخيرة مع مسئولي هذا القطاع ومع عدد من شركات السيارات العالمية، مؤكدًا على أنه لا يوجد أي خيار أمام الحكومة الآن سوى الإسراع في إنجاز هذا الملف المهم الذي يحظى بجميع صور الدعم من الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، كما أكد على أن "استراتيجية تنمية صناعة السيارات" تتضمن حزمة من الحوافز التنافسية لأي مستثمر، وأن الحكومة مستعدة أيضًا لمناقشة وتسهيل أي إجراءات في سبيل المضي قدمًا نحو تنفيذ هذه الإستراتيجية.
هذا بجانب ما حرصت الدولة على توفيره من جانب تشريعى لهذا الأمر، حيث قامت الدولة بإعداد تشريع بشأن إنشاء مجلس أعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويلى، وهو التشريع الذى وافق البرلمان بغرفتيه "نواب وشيوخ" نهائيًا عليه في شهر أكتوبر الماضى، ليصبح هناك تشريع مختص بإنشاء مجلس أعلى لصناعة السيارات وصندوق لتمويل صناعة السيارات صديقة البيئة، وقد جاء هذا التشريع بناءً على ما يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، من اهتمام لملف تطوير صناعة السيارات، والعمل على توطين هذه الصناعة العالمية المهمة وتعميق المكون المحلي بها، هذا بحسب ما أكده البرلمان وقتها بعد موافقته على التشريع.
وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية لتطوير وتنمية صناعة السيارات في مصر، التي تم إطلاقها في يونيو الماضى، ويتمثل الهدف من هذا التشريع والذى وافق مجلس النواب إطار الإستراتيجية الوطنية، فى تنمية الموارد اللازمة لتمويل صناعة السيارات صديقة البيئة،كما يتضمن التشريع فى مهامه إنشاء المراكز التكنولوجية والأبحاث اللازمة لتطوير تلك الصناعة، والعمل على تشجيعها وتطوير الابتكار بها لرفع القدرة التنافسية لصناعة السيارات صديقة البيئة.
لجنة الصناعة بمجلس النواب
ومن جانبه، قال النائب مدحت الكمار، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، إن تصنيع السيارات في مصر يعد من المشروعات القومية الضخمة التي تتوجه إليها الدولة في الفترة الحالية، مؤكدًا أن المضي قدمًا في هذا المشروع سيساعد فيما بعد فى تصنيع قطع غيار السيارات، خاصة إننا نستوردها بمبالغ كبيرة، كما أنه يتوافر لدينا العديد من المصانع التي تنتج الحديد والصاج والأولومونيا، والتي نستطيع من خلالها تصنيه "شاسيه وبودى" السيارة.
وأشار الكمار، إلى أن الخبرة والمقومات البشرية متوفرة لدينا بكثرة في هذا المجال، مؤكدًا أنه لا يوجد أي صعوبات تواجه إنطلاق مثل تلك المشروعات القومية، خاصة مع الدعم المتواصل والكبير من قبل القيادة السياسية والحكومة أيضًا، والتي تضع هذه الإستراتيجية على رأس أولوياتها.
وأوضح عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب في تصريحات لـ "برلماني"، أن إستراتيجية تصنيع السيارات التي أطلقتها الدولة منذ أشهر قليلة، ستساهم بشكل كبير في توفير العملة الصعبة والتي ننفقها في استيراد السيارات وكل ما يتعلق بها من قطع غيار، لافتًا إلى أن الفترة المقبلة تحتاج التوسع في عدد من الصناعات التكميلية التي تخدم مشروع توطين صناعة السيارات، كإنشاء مصانع لإنتاج الكاوتش، إذ لا يوجد في مصر سوى مصنعا واحدا فقط، وباقى الكميات التي نحتاجها نقوم باستيرادها.
وتوقع النائب مدحت الكمار، أن عام 2023 سيشهد إنشاء أول مصنع لتصنيع السيارات، لافتا إلى أن توجه الدولة نحو إستراتيجية توطين صناعة السيارات، جاءت من حرص الدولة على تقليل العجز في الميزان التجارى الدولارى، والذى كان استيراد السيارات يستحوذ على نسبة كبيرة منه، لذا فإن التوجه للتصنيع سيقلل من حجم الاستيراد وباللتالى يوفر المزيد من العملة الصعبة.
فيما أكد النائب عربى فؤاد، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، أن توجه الدولة لتوطين صناعة السيارات يعد من أهم الخطوات التي اتخذتها الدولة في الفترة الأخيرة، نظرًا لما سيوفره هذا الأمر من عملة صعبة نحن في حاجة كبيرة لها الآن، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية نحو هذا الإطار تعد جيدة ومبشرة، فبحسب تصريحات وزير النقل، اقتربت الدولة المصرية من فتح أسواق جديدة لها في إفريقيا والدول العربية لتصدير أنواع من السيارات التي بدأنا في تصنيعها كالأوتوبيسات وعربات القطارات.
وقال فؤاد في تصريحات لـ "برلماني"، إنه بالرغم من أن الحالة الاقتصادية العالمية تشهد نوع من التخبط حاليًا، بسبب استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، يؤثر على وتيرة إسراع التنمية الاقتصادية للدول، إلا أن الدولة المصرية تحاول تخطى هذا الأمر والسعى على توطين صناعتها وتطوير مختلف القطاعات الاقتصادية، كما إنها تحرص على توفير كل مقومات الجذب الاستثمارى سواء من بنية تحتية أو تشريعات وغيرها، مؤكدا أن الدولة المصرية تحظى بثقة المستثمر الأجنبى، متوقعًا أن يشهد العام المالى المقبل بدء لإنتاج وتصنيع السيارات في مصر.