علامات استفهام عديدة طرحها تراجع النظام الإيرانى خلال الساعات الماضية بعد أن أعلن حل شرطة الأخلاق واجراء مراجعة لقانون الحجاب الإلزامى، فهل هو إحساس بانفراط الأوضاع من بيدى أيدى النظام؟، أم أنه نتيجة زيادة الضغط الأجنبى والدعم الغربى للمظاهرات مما وصل بالأوضاع إلى نقطة اللارجعة؟، أم أن السلطات تحاول إخماد الدعوة لإضراب عام فى البلاد هذا الشهر تحت شعار "انتفاضة ديسمبر"؟.
على مدار 3 أشهر عاشتها إيران على وقع احتجاجات عنيفة ضد قانون الحجاب الإلزامى وطريقة تطبيقه، بعد وفاة شابة تم اعتقالها لعدم إلتزامها بالزى، وفى ظل تعنت النظام الإيرانى توسعت رقعة الاحتجاجات وارتفع سقف مطالب الإيرانيين، فتدهورت الأوضاع داخليا وبدأت طهران تواجه مزيد من العقوبات الغربية.
وخلال الأشهر الماضية استخدم النظام الإيرانى كافة الوسائل الممكنة لإخماد المظاهرات، التى راحت تندد بالأوضاع الاقتصادية والبطالة وغيرها من الأزمات التى تواجه البلاد، ويبدو أن الضغط الغربى وفشل النظام فى التعامل مع الانفجار الداخلى لم يتركا مخرجا للنظام الإيرانى، وكان التراجع أمرا حتميا لابد منه فى محاولة لتهدئة الأوضاع التى أوشكت الخروج عن السيطرة.
وفى خطوة مفاجئة خرج النائب العام الإيرانى محمد جعفر منتظرى معلنا قرارات وصفها المراقبون بتراجع فى موقف النظام الحاكم أملا فى تهدئة الشارع، حيث قال النائب العام إن البرلمان الإيرانى والقضاء يراجعان قانون الحجاب الإجبارى فى البلاد، ونُقل أيضًا عن منتظرى قوله إن شرطة الأخلاق قد تم "إلغائها".
وبشأن قانون الحجاب، قال منتظرى: "نحن نعلم أنكم تشعرون بالعذاب عندما ترون نساءً دون حجاب فى المدن، هل تعتقدون أن المسؤولين صامتون تجاه ذلك؟ كشخص فى مجال هذه القضية، أقول إن الاثنين البرلمان والقضاء يعملون، على سبيل المثال، بالأمس فقط كان لدينا اجتماعًا مع المفوضية الثقافية فى البرلمان، وسوف ترون النتائج فى غضون أسبوع أو اثنين".
وقالت منتظرى، إن كلا من البرلمان والسلطة القضائية يناقشان ما إذا كان تغيير القانون الذى يجبر النساء على غطاء الرأس بحاجة إلى التغيير، وقال إن فريق المراجعة اجتمع الأسبوع الماضى وسيعلن النتائج فى الأيام المقبلة.
الرئيس الإيرانى آية الله السيد ابراهيم رئيسى، خلال خطابه فى "المنتدى الوطنى حول مسئولية تطبيق الدستور"، أشار إلى ضرورة تطبيق جميع مبادئ الدستور فى البلاد، قائلا: "يجب أن نحاول تحديد جميع الحقوق والمهام المعلنة فى المجالين التنفيذى والتشريعى والمهام المحددة لجميع مسؤولى النظام فى الدستور."
لم يقف التراجع عند هذا الحد، بل إن الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى تبع الإعلان عن تلك الإجراءات بخطاب قال فيه: "إن بلدنا بلد الانتخابات، حيث أُجريت بعد الثورة الإسلامية العديد من الانتخابات فى البلاد، وإننى بصفتى رئيسا للجمهورية، مسؤول عن تنفيذ الدستور وأعتبر نفسى المدافع عن حقوق جميع الأشخاص من مختلف الأديان والأعراق فى بلدنا"، مضيفا: "أعتقد أن بناء إيران قوية لن يمر إلا عبر تنفيذ الدستور."
واعتبر، أنه يمكن أن نغير الأساليب، ولكن القيم غير قابلة للتغيير، حيث يمكننا مناقشة الآليات وفقا للظروف دون التغيير فى القيم، مشددا على أنه لايوجد فى دستور الجمهورية الإسلامية أى طريق مسدود، وقال "إن أساليب وآليات تطبيق الدستور يمكن تغييرها وتحسينها، وإذا لزم الأمر، يمكن مراجعة آليات التنفيذ".
هذا التحول فى المشهد لم يجد المراقبون أى تفسير له إلا أنه محاولة لمهادنة المتظاهرين لحين العودة للسيطرة على زمام الأمور مرة أخرى، خاصة أن تلك الإجراءات المتسارعة سبقت الدعوة إلى إضراب عام خلال هذا الأسبوع يشمل كافة انحاء طهران، وأطلق عليه المتظاهرون "انتفاضة ديسمبر".
علاوة على ذلك، قال النائب نظام الدين موسوى، إن الحكومة "تهتم بمطالب الشعب الحقيقية" وتسعى إلى "أفضل السبل لتحقيق الاستقرار ومواجهة أعمال الشغب".
ورغم أن التراجع الإيرانى تم وصفه بالكبير، إلا أن دبلوماسيين أوروبيين رأوا أن قرار السلطات الأخير لم يغير شيئاً، معتبرين أن القيادة الإيرانية وصلت إلى "نقطة تحول لا رجعة فيها".
وأبرز دبلوماسى أوروبى فى تصريح للجارديان أن النظام الإيرانى يعيش على وقع ضغوط وتقاطبات حول السبل المثلى للتعامل مع الاحتجاجات، مشيرا إلى أن المسؤولين يجرون حوارا مع أنفسهم بينما يرى المتظاهرون عروض الإصلاحات المقدمة غير كافية إطلاقاً، ونلقت الصحيفة عن المتظاهرين أن قرار السلطات بحل "شرطة الأخلاق" لن يخمد الاحتجاجات، كما لن يُثنيهم عن مواصلة التظاهر.
وفى داخل إيران انقسمت التحليلات حول قرار السلطات، حيث قال الأمين العام لحزب "سبز" (الأخضر) المحافظ، "حسين كنعانى مقدم"، إنه سبق أن تقدم برفقة عدد من الأحزاب السياسية بمقترح إلى البرلمان الإيرانى لمراجعة قانون الحجاب الإلزامى انطلاقا من قناعته بأن الاستعانة بشرطة الأخلاق لتطبيقه لا تخدم قضية الحجاب فى البلاد.
وطالب "مقدم" باعتماد "أساليب ناعمة" لتطبيق "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" بدلا من تجريم الأفراد ودخول شرطة الأخلاق على خط تنفيذه، بحسب ما نقلت عنه "الجزيرة نت".
وأكد، أن العديد من الأشخاص فى الحكومة والبرلمان توصلوا إلى قناعة بضرورة مراجعة قانون الحجاب انطلاقا من مبدأ الحقوق الفردية لا سيما بعد المطالبات الشعبية الأخيرة.
ومن المعسكر الإصلاحى، وصفت الأمينة العامة لحزب "اتحادات الشعب الإيراني"، "آذر منصوري"، القرار بأنه "تفاعل خجول وخضوع لأدنى المطالب الشعبية المتعلقة بالحريات والأصوات المنادية بإجراء إصلاحات شاملة".
واعتبرت أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على الخطوة التى أعلنت عنها السلطة الإيرانية لمراجعة قانون الحجاب والتفاعل مع المطالب الشعبية.
من جانبها، رأت الناشطة فى مجال المرأة "فرناز ملا محمد" أن القرار "محاولة للتخدير" من أجل الاستحواذ على مطالب المحتجين، مطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق.
ومن جانبها قالت آزار المنصورى، الأمين العام لحزب الوحدة لحزب الأمة إنه لا بد من بدء إصلاحات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل فى الحكم "، أولاً من خلال إطلاق سراح جميع المتظاهرين المعتقلين منذ سبتمبر، تليها تغييرات دستورية من خلال" مجلس تأسيسى "، كطريق للخروج من الأزمة السياسية الحالية.
وأيا كانت الأسباب التى دفعت النظام الايرانى لتقديم تنازلات، فالأكيد انها جاءت متأخرة بعد شهور صم فيه أذنيه عن مطالب المحتجين، حتى رأوا أن ما قدمه النظام غير كافى، وكما يرى المحلليين إما حوار حقيقى وتحقيق مطالب المحتجين أو السير فى طريق اللاعودة.