يُناقش مجلس الشيوخ، خلال جلساته الأسبوع القادم يومى الأحد والاثنين، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة التعليم والبحث العلمى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع القانون المقدم من الحكومة والمحال من مجلس النواب فى شأن إنشاء صندوق مصر الرقمية.
وأكدت اللجنة المشتركة، أن مشروع القانون يهدف إلى تيسير تقديم الخدمات، وسرعة إنهاء الإجراءات والخدمات المطلوبة وحوكمتها من خلال استحداث منظومة رقمية إلكترونية وتبسيطها، إلى جانب تقديم الاستشارات الإدارية والتنظيمية اللازمة والدعم الفنى المطلوب لضمان نجاح الصندوق المقترح إنشائه.
ويعد مشروع القانون بإنشاء صندوق مصر الرقمية استكمالاً للتطوير المؤسسى الهادف لتحسين أداء المؤسسات لتصبح أكثر كفاءة وفاعلية، لمواكبة التغيرات والاستجابة لتطلعات المتعاملين، كما يساهم التطوير المؤسسى فى تحقيق إرضاء المتعاملين (مواطنين ومستثمرين) مع الجهاز الحكومى من خلال إتاحة وتسهيل الحصول على الخدمات العامة، وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن وتوفير مزيد من الشفافية وتعظيم العائد وترشيد الإنفاق العام.
وتبين من خلال التقرير الذى أعدته اللجنة انحياز مجلس الشيوخ إلى تنقية النصوص الواردة بمشروع القانون من أية شبهة عدم دستورية، والتأكيد على ضمانة الحقوق والحريات الشخصية، كما أكد المجلس أنه يقوم بدوره الذى كفله له الدستور فى إبداء رأيه فى مشروعات القوانين المحالة إليه بشكل يمثل إضافة لمجلس النواب عند تقديم هذا الرأى إليه، حيث تدخلت اللجنة بإحكام الصياغة، بالحذف والإضافة والتعديل، كما خولها قانون مجلس الشيوخ.
ومن التعديلات الهامة التى أدخلتها اللجنة على المشروع، حذف المادة (5) من مواد مشروع القانون، والتى أجازت اتخاذ أو مباشرة أيًا من الإجراءات الواردة بقوانين الإجراءات الجنائية والمرافعات المدنية والتجارية والإثبات فى المواد المدنية والتجارية وإنشاء لجان التوفيق فى بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها، والإجراءات الضريبية الموحد، والجمارك، وغيرها من القوانين والقواعد الإجرائية بوسائل تقنية المعلومات عن بعد متى توافرت الوسائل والشروط الفنية اللازمة لذلك، والتى يصدر بها قرار من السلطة المختصة بالجهة المنفذة للإجراءات.
وقدمت اللجنة 4 مببرات لحذفها للمادة، أبرزها أنه من مثالب الصياغة التشريعية وضع مادة أو أكثر فى غير موضعها خروجا على أسس وقواعد الصياغة السليمة، ما يجعلها نشازًا فى موضعها ويؤدى إلى إثارة اللبس والغموض حول استخلاص قصد المشرع من إيراد حكمها فى مثل هذا الموضع، فضلاً عن أنه إذا كانت هناك رغبة فى تعديل تشريع أو إضافة إلى أحكامه أن يكون ذلك بإجراء التعديل على التشريع المراد إجراء التعديل عليه، وألا يكون ذلك بمناسبة سن تشريع فى موضوع مستقل عن موضوع التشريع المراد تعديله، إذ لا ينبغى أن يتضمن التشريع حكماً مستقلاً عن موضوعه، فالنص المعروض منبت الصلة عن موضوع التشريع محل نظر المجلس والذى يتعلق بإنشاء صندوق مصر الرقمية.
أما ثانى مبرر، فهو أن النص المعروض من بين ما تضمنه – على سبيل المثال لا الحصر - إجازة اتخاذ أى من الإجراءات الجنائية (مثل إجراءات: التحقيق – المحاكمة سماع الشهود إلى آخره) عبر الوسائل الفنية الحديثة، وهو ما يعرف فى النظم المقارنة بـ"التقاضى عن بعد" أو "المحاكمة عن بعد"، والنص المعروض وحده – فى ظل خلو قانون الإجراءات الجنائية السارى من تنظيم للمحاكمات عن بعد – لا يكفى لاتخاذ إجراءات المحاكمة الجنائية عن بعد، إذ أن قانون الإجراءات الجنائية فى العديد من النصوص يفترض الحضور الشخصى وبالتالى فجواز العمل بالحضور عن بعد يتطلب نصاً فى قانون الإجراءات الجنائية يبين الأثر المترتب على الحضور عبر تلك الوسائل الرقمية، وما إذا كان سيعتبر الحكم الصادر حضورياً من عدمه، ولعل ما يؤكد ذلك أن معظم النظم المقارنة التى أخذت بنظام المحاكمة عن بعد وضعت له تنظيماً متكاملاً وتبدو أهمية هذا التنظيم من أن الإجراءات الجنائية يسودها مبدأ "الشرعية الإجرائية"، ويقصد بها أن يكون القانون مصدرها، نظرا لما تنطوى عليه تلك الإجراءات فى بعض جوانبها من مساس بالحقوق الأساسية لأفراد لم تثبت إدانتهم بعد، ولا تعنى "الشرعية الإجرائية" أن يقف القانون عند حد بيان الإجراء المتطلب اتخاذه فقط، بل يجب أن يبين الشروط الشكلية والموضوعية المتطلبة لاتخاذ الإجراء بحيث إنه لو أغفلت صار الإجراء باطلًا.
وبالتالى هذا النص بمفرده يعد نصاً مبتسراً لا يقوى على حمل بنيان المحاكمة عن بعد – كأحد الأمور التى أجازها النص المعروض – وهو ما يشوبه بعدم الدستورية لتسلب المشرع عن تنظيم بعض الجوانب المرتبطة بالحقوق والحريات الشخصية.
وأشارت اللجنة أيضا، إلى مبرر ثالث للحذف وهو ان النص المعروض أجاز أيضًا اتخاذ أى من الإجراءات الواردة بقانون الإجراءات الضريبية الموحد الصادر بالقانون رقم (206) لسنة 2020 عبر الوسائل الفنية الحديثة، إلا أنه من الملفت للانتباه أن القانون المشار إليه قد وضع تنظيماً متكاملاً لمباشرة جميع الإجراءات المنصوص عليها فى القوانين الضريبية بوسائل إلكترونية أو تقنية المعلومات، بدءً من التسجيل على المنظومة الإلكترونية لمصلحة الضرائب (مادة 25) ومروراً بتقديم الإقرارات الضريبية (مادة 32) والإثبات الضريبى (مادة 35) وإمساك حسابات إلكترونية (مادة 38)، والفحص والرقابة الضريبية (مادة 41)، وانتهاء بأداء الضريبة (مادة 45)، وبالتالى فالنص المعروض قد يُفهم منه – إذا ما صدر - نسخ ضمنى للتنظيم الإلكترونى الوارد بقانون الإجراءات الضريبية الموحد؛ وهى نتيجة تأبى على المنطق التشريعى.
أما المبرر الرابع والأخير للحذف، كما ذكرت اللجنة فى تقريرها، أن النص المعروض أحال إلى قرارات تصدر من السلطة المختصة فى تحديد الوسائل والشروط الفنية اللازمة لاتخاذ الإجراءات عبر الوسائل الإلكترونية، دون تحديد أى ضوابط موضوعية أو إجرائية يتعين أن يقوم عليها التنظيم الإجرائى والموضوعى للإجراءات التى ستتم عبر تلك الوسائل، وهو ما يعد تفويضاً مطلقا للسلطة التنفيذية فى تنظيمها وبمنأى عن رقابة السلطة التشريعية، وهو ما ينطوى على شبهة عدم الدستورية.
وقالت اللجنة: "تم حذف المادة المعروضة مع إمكانية وضعها فى قانون أكثر اتساقًا مع مضمونها، وبعد سد ما أغفلت عن تنظيمه من أمور يتعين على القانون بيانه".
يذكر ان (المادة 5) التى حذفتها اللجنة من مشروع القانون تنص على: "مع عدم الإخلال بالضمانات والأحكام والمواعيد المنصوص عليها بالقوانين ذات الصلة، يجوز اتخاذ أو مباشرة أى من الإجراءات الواردة بقوانين الإجراءات الجنائية، والمرافعات المدنية والتجارية، والإثبات فى المواد المدنية والتجارية، وإنشاء لجان التوفيق فى بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها، والإجراءات الضريبية الموحد، والجمارك وغيرها من القوانين والقواعد الإجرائية؛ بوسائل تقنية المعلومات عن بعد متى توافرت الوسائل والشروط الفنية اللازمة لذلك، والتى يصدر بها قرار من السلطة المختصة بالجهة المنفذة للإجراءات حسب الأحوال".