"رؤية الصغير" هو نظام شرع استثناء من نظام الحضانة التي شرعت في الأساس لمصلحة الطفل المحضون وليس لمصلحة الحاضن حيث أن مصلحة الطفل تقتضي أن يكون في رعاية النساء وخصوصا الأم أو من يمت لها بصلة، وذلك في حالة وجود مانع شرعي يمنع الأم من حضانة طفلها، وفي حالة الخلاف المستحكم بين الأم والأب يكون الطفل في رعاية الأم أو من يليها من الحواضن حيث شرع نظام الرؤية ليتيح للأب رؤية طفله ولكن شريطة أن لا يكون ذلك متعارضا مع مصلحة الطفل.
والواقع أن حياة الناس والمجتمعات تتطور بوتيرة متسارعة، وتحديدا مع التطور التكنولوجى وتداخلها مع مختلف جوانب الحياة، إلا أن القوانين والتشريعات دائما ما تسعى لملائمة التطور الحاصل في حياة الناس ومجتمعاتهم، وذلك في محاولة لتنظيم كافة أمورهم وشئون حياتهم، ومن هنا استحدث مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد نصا حول "الرؤية الإلكترونية للطفل"، ووفقا لمشروع القانون الجديد يجوز طلب الحكم بالرؤية إلكترونيا، ويجوز لمن صدر له حكم بالرؤية المباشرة طلب استبدالها بالرؤية الإلكترونية، ويصدر قرارا من وزير العدل بتحديد مراكز الرؤية الالكترونية ووسائلها وتنظيمها.
"الرؤية الالكترونية".. هل تحقق الغاية لدى الصغير؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بـ"الرؤية الالكترونية"، وذلك في الوقت الذى لا يزال فيه قانون الأحوال الشخصية يثير جدلا واسعا، باعتباره أحد أهم وأبرز القوانين المؤثرة في حياة الأسرة المصرية، فقد صدر أول قانون منظم للأحوال الشخصية في عام 1920، لكن هذه القوانين مازال بها الكثير من العوار التي تحتاج إلى تعديلات وسد الفراغ التشريعى في الكثير من بنوده ونصوصه، ومن أهم البنود المتضمنة في القانون القديم ومشروع القانون الحالي المقدم من الحكومة هو "الرؤية" – بحسب الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى أمل عبد العزيز.
في البداية - مشروع القانون الجديد نص في مواده على العقوبات الآتية: يعاقب بغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه كل حاضن حال دون تمكين صاحب الحق في الرؤية أو الاستضافة من استعمال حقه دون عذر تقبله المحكمة، ولمواجهة خطف الأطفال و السفر بهم للخارج: نص القانون على عدم جواز تغيير إسم المحضون أو سفره خارج البلاد بمفرده أو رفق الحاضن إلا بموافقة موثقة من غير الحاضن من الوالدين، فإذا تعذر ذلك رفع الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة، ووفقا للقانون لا ينفذ حكم الرؤية والاستضافة من السلطة العامة قهرًا فإن امتنع "الحاضن" عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضي وإن تكرر جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتا إلى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة لا تتجاوز شهرين – وفقا لـ"عبد العزيز".
3 إيجابيات لتطبيق النظام أبرزها للطرف المسافر
أما الرؤية الالكترونية، ففي ظل توجيهات القيادة السياسية بتعديل قانون الأسرة، فهناك لجنة مشكلة بقرار وزير العدل، حيث تعد قانون الأحوال الشخصية واللجنة مكونة من قامات دينية واجتماعية وقضائية على أعلى مستوى، ولما كان هذا القانون يخص الأسرة وليس الرجل أو المرأة أو الأطفال فقط، فيجب أن يكون متوازنا لحل المشكلات كافة التي تواجه الأسرة المصرية، حيث تعد اللجنة المشكلة قانون جديد للأحوال الشخصية، فقوانين الأحوال الشخصية الجديدة المقترحة لا تزال تمثل إشكالية كبيرة في المجتمع المصري – الكلام لـ"عبد العزيز".
فحتى كتابة هذه السطور لم نصل إلى قانون يحقق المتطلبات التي تقضي على المشاكل الموجودة حاليا ومن أهم هذه المشاكل مشكلة "الرؤية" و"الاستضافة"، وهناك مقترح بما يسمى "الرؤية الإلكترونية" حيث يجوز لكل من صدر له حكم بالرؤية المباشرة طلب استبدالها بـ"الرؤية الالكترونية" في الحالات التي يصعب فيها الرؤية المباشرة مثل سفر من له حق الرؤية خارج البلاد على أن يصدر قرارا من وزير العدل بتحديد مراكز الرؤية الإلكترونية ووسائلها وتنظيمها، والأسباب التي تجعلني أرى أن هناك إيجابيات لتطبيق الرؤية الالكترونية هي – هكذا تقول الخبير القانوني:
أولا: أنها توفر التواصل السمعي والمرئي مع الأبناء للمحكوم له بالرؤية والمسافر خارج البلاد.
ثانيا: تقلل من مشاكل الصدام بين الأب والأم بعد الانفصال وهو ما يؤثر سلبا على نفسية الأبناء.
ثالثا: تحقيق التوازن النفسي لمصلحة الصغير "المحضون" باعتباره الأولى بالرعاية.
وسلبياتها تتمثل في "الجفاء" للمحضون
ومن سلبيات الرؤية الإلكترونية أنها لا تعوض الطفل عن ما ينتج من الرؤية المباشرة من إحساس المحضون بالحنان والرعاية والتوجيه من الأب أو الأم، ولكنها ضرورية في حالة تعذر الرؤية الطبيعية، و أكرر أني مع تطبيق الرؤية الإلكترونية في الحالات الاستثنائية فقط، حيث لا يفترض أن تكون الرؤية الإلكترونية هي وسيلة التواصل الوحيدة بين الأب أو الأم والأبناء بعد الإنفصال لأن الغاية الأساسية من الرؤية هو التقارب والتوجية والتربية وخلق بيئة متوازنة نفسيا للصغار فواجب على كل المشرعين مخاطبة مجلس النواب والتوصية بوضع الرؤية الالكترونية في التعديلات المقبلة بقانون الأحوال الشخصية الجديد لما لها من أهمية وضرورة لتتناسب مع تطورات المجتمع المصري حاليا – طبقا لـ"عبد العزيز".
نموذج الإمارات والرؤية الإلكترونية
ومن أبرز الدول العربية المطبقة لنموذج الرؤية الإلكترونية هي دولة الإمارات حيث يوجد بها مراكز متخصصة ومجهزة بأحدث وسائل التواصل السمعي والمرئي، وذلك حفاظا على الطفل وحمايته وصون حقوقه في جو أسري يبعث بإحساس الأمان بدلا من أروقة المحاكم ومراكز الشرطة وحفاظا على نفسية الأطفال ومواكبة التطور التكنولوجي والمجتمعي لصالح الأسرة حتى بعد الإنفصال، ونتمنى في قانون الأحوال الشخصية الجديد، إقرار الرؤية الإلكترونية والإقرار بوجود مراكز متخصصة للرؤية بعيدا عن أروقة المحاكم ومراكز الشرطة علي غرار التجربة الإماراتية الناجحة والأخصائي النفسي المصاحب والمرافق للطفل المحضون بعد إنفصال الأب والأم حتى نصل إلى جيل متزن منضبط وسوي نفسيا لينتفع المجتمع به .
مطالبات وتحذيرات من الرؤية الإلكترونية لهذه الأسباب
إلا أن هناك العديد من المتخصصين يرفضون رفضا تاما مسألة اقتراح "الرؤية الإلكترونية" نظرا لأن الغاية التي يرجوها المشرع من الرؤية هو الاندماج مع الأب وأسرته أو الطرف الحاضن والمقابلة والمشاهدة والمعايشة، عن قرب وللحديث المباشر بين من له حق الرؤية ومشاهدة الصغير، لأن الرؤية شرعت لمصلحة الصغير وأيضا لمصلحة من له حق الرؤية، حيث أن المشاهدة إن كانت عن بعد فلا يتحقق بها الغاية التي توخاها المشرع من القرب والتقارب بين الصغير ووالده أو على الوجه الآخر والدته، بل أن الرؤية الإلكترونية تعود أطراف الحضانة على "الجفاء" وكراهية مسألة الترابط الأسرى.
بالنسبة للمواثيق الدولية
أما عن رأى المواثيق الدولية بشأن "رؤية الصغير لوالديه": فقد نصت المادة 3 فقرة 1 من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1989 والتي صدقت عليها مصر "يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلي"، وتنص المادة 8 فقرة 1 من ذات الاتفاقية علي: "أن تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ علي هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية علي النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي".
وتنص المادة 9 من ذات الاتفاقية: "تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه علي كره منهما إلا عندما تقرر السلطات المختصة، وأن يكون هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلي وقد يلزم هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له أو عندما يعيش الوالدين منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشان محل إقامة الطفل".
ونصت المادة 18 فقرة 1 من ذات الاتفاقية علي أن: "تربية الطفل ونموه تقع علي عاتق الوالدين"، ونصت المادة 19 من الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الصادرة من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1990 والتي صدقت عليها مصر: "لكل طفل الحق في أن يحظى برعاية أبويه والإقامة معهما إذا أمكن والاحتفاظ بعلاقات شخصيه وصله مباشره مع أبويه بصفه منتظمة".