الإثنين، 25 نوفمبر 2024 02:56 ص

بعد واقعة "الشحات" و"الشيبى".. هل يجوز التقدم ببلاغ للنيابة العامة حول تعدى لاعب على آخر داخل الملعب؟.. المشرع أجازه بشكوى من المجنى عليه أو وكيله فقط.. والنيابة صاحبة الاختصاص فى تحريك الدعوى

بعد واقعة "الشحات" و"الشيبى".. هل يجوز التقدم ببلاغ للنيابة العامة حول تعدى لاعب على آخر داخل الملعب؟.. المشرع أجازه بشكوى من المجنى عليه أو وكيله فقط.. والنيابة صاحبة الاختصاص فى تحريك الدعوى جانب من الواقعة
الخميس، 27 يوليو 2023 09:00 ص
كتب علاء رضوان

الواقعة والحقيقة يؤكدان أن الإرهاب الكروي أو التعصب الكروي أو كما يعرف بـ الهوليغانز - بالإنجليزية: Football hooliganism - هو مصطلح يُسْتِخدَم لوصف سلوك غير منضبط أو عنيف أو مدمر يرتكبه الجمهور في أحداث رياضة كرة القدم، وهو ظاهرة قديمة فى العالم بأسره ولا أحد يعرف متى نشأت ظاهرة الشغب أو التعصب الكروى، أو إلى متى ترجع هذه الظاهرة في الزمن، وجميعنا شاهد الكثير من أعمال العنف في المباريات وأكثر يكون بين الجماهير وبعضهم البعض منها ما وصل لحد التعدى والضرب، كما حدث فى واقعة "الشحات" و"الشيبى" منذ عدة أيام. 

 

فلا زالت ردود الأفعال مستمرة حول الواقعة التي أصبحت بين عشية وضحاها حديث الساعة - حتى كتابة تلك السطور - وهي أزمة حسين الشحات، لاعب الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي، مع نظيره محمد الشيبي، لاعب نادي بيراميدز عقب اللقاء الذي جمع بينهما، يوم الأحد الماضى الموافق 23 يوليو على ملعب الدفاع الجوي، ووصل الأمر إلى تعدى "الشحات" على "الشيبى" بالسب والقذف ثم صفعه على وجه بالقلم، مبررا ذلك بعد انتهاء المباراة أن "الشيبى" سبه وقذفه بأمه وزوجته، ثم انتقل لاعب الأهلى بعد المباراة لغرفة ملابس نادي بيراميدز واعتذر لـ"الشيبى" وبالفعل قبل الإعتذار، ولكن بعدها تم تصعيد الأزمة من قبل مسئولي نادي بيراميدز ومحمد الشيبي، إلى شكوي لعدة جهات أبرزها رابطة الأندية والنيابة، رغم تغريم النادى الأهلى لـ"الشحات" نصف مليون جنيه، كما غرمته رابطة الأندية بإيقاف مباراتين و20 ألف جنيه غرامة. 

 

ظظ
 

ولكن الغريب أن تجد مثل هذه المخالفات في أرض الملعب بين اللاعبين أنفسهم، فمن المعتاد أن ترى وجود مخالفات الصياح بين اللاعبين والإشارة، وقد تصل أحيانا إلى السب والقذف، ولكن أن ترى لاعب يتعدى على أخر بيده، فهو أمر مستغرب لدى الكثيرين، فالمفروض أن الرياضة لها روح كما يُطلق عليها "الروح الرياضية"، وعلى كل فريق أو منتخب أو دولة أن تختار اللاعبين أو المنتخب الذي يمثلها في أي مسابقة رياضية، أن يكون اللاعب بالإضافة إلى موهبته الرياضية، ذا تكوين أخلاقي ويتمتع بروح رياضية عالية، وأن يقبل بسعة صدر نتائج المباريات مهما كانت، وأن يمثل بلاده أو فريقه أحسن تمثيل. 

 

278333_0

 

جرائم الملاعب من المستطيل الأخضر لـ"أروقة النيابة"

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على حزمة من الأسئلة.. هل يجوز قانونا التقدم ببلاغ للنيابة العامة حول تعدى لاعب على أخر سواء بالإشارة أو بالسب والقذف أو باليد؟ وهل يحق لأي شخص رفع دعوي ضد اللاعب؟ وهل يسأل عن ثمة أفعال مجرمة في قانون العقوبات؟ وطبيعة القيد والوصف لمثل هذه الجرائم، والسؤال الأهم ماذا لو تداخل لاعبان فأحدث أحدهما بالأخر اصابات أو عاهة مستديمة فهل للنيابة العامة التصدى لتحريك الدعوى الجنائية؟ وهل من الممكن أن تكون هناك عقوبة تأديبية؟ وغيرها من الأسئلة.

 

في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الرياضى صالح حسب الله، مؤسس رابطة المحامين الرياضيين بمصر، أن نص القانون رقم 71 لسنة 2017 بإصدار قانون الرياضة المنشور بالجريدة الرسمية العدد 21 مكرر ( ب) بتاريخ 31 مايو 2017 في الباب العاشر  فى المادة (83) منه على أنه: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أى قانون آخر، يعاقب علي الجرائم المنصوص عليها في المواد التالية بالعقوبات المقررة فيها"، والأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص في تحريك الدعوى الجنائية، وبالتالى فإنه لا يجوز تحريك الدعوى الجنائية إلا عن طريق النيابة العامة، ويجوز لكل من تضرر من فعل ما أن يطلب من النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية. 

 

د

 

القيد والوصف لكلا اللاعبين

وبحسب "حسب الله" في تصريح لـ"برلماني": ونصت المادة 84 من ذات القانون: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزبد علي ثلاث آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من سب أو قذف أو أهان بالقول أو الصياح أو الإشارة شخصا طبيعيا أو اعتباريا أو حض علي الكراهية أو التميز العنصري بأى وسيلة من وسائل الجهر أو العلانية أثناء النشاط الرياضى أو بمناسبته".

 

ووفقا لـ"حسب الله": فالنيابة العامة هى صاحبة الاختصاص فى تحريك الدعوى الجنائية بناء على شكوى مقدمة من المجنى عليه أو وكيله، وفى حالة جرائم السب والقذف يجب أن يكون الشكوى من المجنى عليه أو بوكالة خاصة، ويجوز للنيابة العامة أن تطبق قانون الرياضة أو أى قانون آخر أشد واغلظ في العقوبة، ومما لاشك فيه أن النيابة العامة هى الاعلم بالقوانين الأخرى، وهى صاحبة الاختصاص في التفتيش على مصلحة السجون، وبالتالى تكون هي صاحبة الاختصاص فى تحريك الدعوى الجنائية.

 

202212111243154315

 

والسؤال الأهم.. ماذا لو تداخل لاعبان فأحدث أحدهما بالأخر اصابات أو عاهة مستديمة فهل للنيابة العامة التصدى لتحريك الدعوى الجنائية ؟

يُجيب "حسب الله": نعم - يجوز للنيابة العامة التحقيق في هذه القضية، ولكن إذا وصلت للنيابة العامة انتفاء القصد الجنائى أى كان التداخل بسبب الاحتواز على الكرة فقط وليس بقصد إحداث إصابة باللاعب، فهنا تنتفي الجريمة الجنائية، وبالتالى لا توجد عقوبة وانتفاء الجريمة الجنائية لا يمنع من محاكمة اللاعب تأديبيا، والسلطة التأديبية وأثارها المختلفة علي الأطراف الرياضية المعنية محاطة بمجموعة من الضمانات تكاد لا تختلف عن الضمانات الإجرائية المكفولة لأى متقاضين أمام المحاكم العادية سواء من حيث الشروط الواجب توافرها في الهيئة الممارسة لسلطة التأديب أو تلك التي يجب توافرها لإصدار العقوبة التأديبية.

 

وتتص الأنظمة الداخلية للاتحادات الرياضية الوطنية والدولية علي مجموعة من القواعد التنظيمية التي تهدف إلي ضمان السير العادي للمنافسات الرياضية، وضمان سلامة الرياضيين والكوادر التقنية والجماهير الرياضية، وتقوم اللجان الاتحادية الوطنية والدولية والأولمبية بمهام السير علي إحترام هذه القواعد ومعاقبة كل من قام بخرق إحدي مقتضياتها بإنزال عقوبات تأديبية في حقه، وعملا بنص المادة 118 من المدونة التأديبية للفيفا فإن جميع القرارات التأديبية تكون قابلة للاستئناف باستثناء عقوبة التوبيخ والإنذار والقرار الذى يقضى بإيقاف اللاعب عن المشاركة لأقل من ثلاث مباريات أو لفترة تقل أو تعادل شهرين، أو الغرامة التى تقع على النادى ولا تتجاوز 1500 فرنك فرنسي – الكلام لخبير القانون الرياضى. 

 

354284-ووي

الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الرياضى صالح حسب الله

 

هل هناك عقوبة تأديبية؟

ولا يوقف الاستئناف تنفيذ القرار الابتدائي إلا إذا كان مشفوعًا بأمر مسبب مضمن في نفس القرار الفاصل في الموضوع إلا أن بعض الأنظمة قد تستثني الغرامات من دائرة التنفيذ قبل الفصل في الاستئناف مثل المادة 124 من مدونة الفيفا التي تنص في فقرتها الثانية علي أن الاستئناف لا يوقف تنفيذ  الآثار المترتبة عن القرار موضوع الطعن باستثناء الغرامات، وتقوم الدعوى التأديبية علي أساس حرية الاثبات.

 

ويمكن القول إن التميز في المسؤوليات بين الجانب التنظيمي والجانب الأمنى يحفظ مبدأ شخصية العقوبة، ويجعل كل طرف مسؤول في حدود المهام الموكلة له والتي كلما أخل بها ترتب عن ذلك قيام مسؤوليته، فالنوادى والجمعيات الرياضية عامة تكون مسؤولة تأديبيا ومدنيا عن كل ضرر يلحق بالجمهور الحاضر في الملعب سواء كان هذا الضرر مادى أو ادبي بسبب سوء التنظيم أما الدولة مسؤولى عن أمن اللاعب والجماهير، وبناء علي ما سبق فإن النيابة العامة هى المسؤولة عن تحريك الدعوى الجنائية، وهذا لا يمنع من مسآلة اللاعب تأديبيا – طبقا لـ"حسب الله". 

 

28780-حكم-محكمة_المحامي-علي-محسن-زاده-مكتب-محاماة

 

هل يحق لأي شخص رفع دعوي ضد اللاعب؟

وفى سياق أخر – يقول الخبيرالقانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى - بادئ ذي بدء الجميع يدين مثل هذه التصرفات، باعتبارها تصرفات غير رياضية علي الإطلاق، ويجب معاقبته وفقا قانون الرياضة واللوائح المنظمة له، ويتساءل الكثيرين هل يحق لأي شخص رفع دعوي ضد اللاعب؟ وهل يسأل عن ثمة أفعال مجرمة في قانون العقوبات؟ وفى الحقيقة يجب أن يكون للمدعي صفة ومصلحة في رفع الدعوي، حيث أن القاعدة القانونية العامة هي أن التقاضي لا يصح إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه، فالصفة والمصلحة مناط الدعوي وفقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات.

 

ويضيف "صبرى" في تصريح لـ"برلماني": ومن غير المستحب أن تتحول خلافات الملاعب إلي ساحات المحاكم، ويجب توقيع عقوبات رداعة من اتحاد كرة القدم المصري على كل لاعب تعدي على زميله داخل الملاعب لمنع كل من تسول له نفسه مخالفة قانون الرياضة، وذلك لتحقيق الانضباط داخل الملاعب والحفاظ على سلامة اللاعبين حتى لا نفتح الباب للرياضيين اللجوء للنيابة العامة والمحاكم للفصل في خلافاتهم، وهنا تفقد الرياضة روحها التي هي أساس التسامح والمحبة والتنشئة والتربية الصحيحة.   

 

download

 

وهل يسأل عن ثمة أفعال مجرمة في قانون العقوبات؟

وأوضح "صبرى": بالنسبة للتعدي اللفظي هناك طريق رسمه القانون لرفع دعوي جنائية في تهمتى القذف والسب، وفقاً للمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية، التى تنص على أنه: " لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجنى عليه، أو من وكيله الخاص ، إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأمورى الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد 185، 274، 277، 279، 292، 293، 303، 306، 307، 308، وكذلك في الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون".

 

ومن ثم لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية بجريمتي السب والقذف، إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجنى عليه، أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة أو أحد مأمورى الضبط القضائى، ويشترط لصحة التوكيل بالشكوى أن يكون خاصاً لا عاماً، أى أن تحدد فيه الواقعة التى تقوم بها الجريمة موضوع الشكوى , ويرتبط بذلك أن يكون التوكيل لاحقاً على الجريمة، ويترتب على ذلك أنه لا محل في الشكوى لتوكيل عام، ولا يقبل توكيل خاص توقعاً لجريمة ترتكب في المستقبل، ولا تقبل الشكوى بعد 3 أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك – الكلام لـ"صبرى". 

 

14189-51_20220404130833

الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى  

 

وأن المادة  الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية تضع قيداً على حق النيابة في تحريك الدعوى العمومية بجعله متوقفاً على تقديم الشكوى من المجنى عليه أو من وكيله الخاص في الفترة المحددة بتلك المادة، وفِي حالة عدم رفع الدعوي بغير الطريق الذى رسمه القانون، فإن المحكمة تقضى بعدم قبول الدعوى الجنائية لمخالفتها صريح نص القانون وفقاً للمادة الثالثة من قانون  الإجراءات الجنائية. 

 

أما عن التعدي الجسدي

أما عن التعدي الجسدي – يقول "صبرى": جنحة الضرب بكل بساطة تعني أن شخصًا تعدى بالضرب على شخص آخر، سواء تسبب في جرح له أم لا، وتعد جنحة الضرب من الجنح البسيطة مقارنة بغيرها ما دامت لم تصل إلى مرض المجني عليه أو عدم قدرته على أداء مهامه الأساسية مدة أكثر من 20 يومًا، ففي العموم يعد الضرب من أعمال التعصب الشديد للغاية، فالشخص قد يلغي تفكيره ومنطقيته ويسلم فكره إلى ضرب من  أمامه أو الانتقام منه عن طريق الضرب، لا يشترط لتوافر جريمة الضرب التي تقع تحت نص المادة 242 من قانون العقوبات أن يحدث الاعتداء جرحاً أو ينشأ عنه مرض أو عجز بل يعد الفعل ضرباً ولو حصل باليد مرة واحدة.  

 

download (1)

 

ومن المقرر أن جريمة الضرب لا تتطلب قصد جنائي خاص بل يكفي القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة  وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة المجني عليه ولا عبرة بعد ذلك بالبواعث على ارتكاب الفعل، ونهيب بالجميع عدم تصعيد الخلاف لأغراض شخصية ومصالح ضيقة، فمثل هذه الوقائع تعرض على لجنة التظلمات، والتي من شأنها أن تتخذ لجنة التظلمات واتحاد كرة القدم المصري عقوبات رداعة ضد اللاعب المخالفين كي لا تتحول خلافات الملاعب إلي ساحات المحاكم، لمنع كل من تسول له نفسه مخالفة القانون، وتحقيق الغاية من ممارسة الرياضة وهي بناء أجيال  تتحلي بالخلق القويم والسلوك المستقيم، وتعزيز روح العمل الجماعي، وتنمية العمل بروح الفريق، واكتساب الأخلاق الرياضية العالية، مما يعزز ثقافة الحوار والتسامح واحترام الآخرين، وإذكاء المنافسة الشريفة مما يكون له أكبر الأثر في تقوية العلاقات الاجتماعية، توثيق الروابط والمحافظة على قيم المجتمع – هكذا يقول الخبير القانوني.   

 

ز

 

download
 
 

print