حالة من الغضب اجتاحت العالم الإسلامى على مدار الشهور القليلة الماضية بعد تكرار حوادث المظاهرات المعادية للاسلام فى دول غربية، وما تضمنته من تدنيس وحرق للمصحف الشريف تحت ذريعة حرية الرأى والتعبير، والذى ترتب عليه مواقف حازمة من الدول الإسلامية تجاه تلك الدول ودعوات إلى حماية دولية وتشريعية للمقدسات والأديان من انتهاك المنتهكين.
موجات الغضب من هذا الأمر والذى تكرر بشكل واضح مؤخرا فى دولتى السويد والدنمارك، دفع الدول الإسلامية إلى اتخاذ ردود فعل دبلوماسية عنيفه تجاه تلك الدول، واستدعت عدة دول فى الشرق الأوسط سفيرى السويد والدنمارك، كما تم تنظيم عدد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المنددة بـ"معاداة الإسلام"، كما قطعت العراق علاقاتها الدبلوماسية بالسويد، فيما قالت إيران إنها علقت إيفاد سفيرها الجديد إلى السويد جراء الحادث.
كما أعلنت المملكة العربية السعودية والعراق اجتماعا استثنائيا لمنظمة التعاون الإسلامى لبحث خطوات عقابيه ضد الدولتين، بل وبلغ الغضب ذروته إلى محاولات تشريعية بمقاطعة تلك الدول تجاريا وحظر بيع منتجاتها فى الدول الإسلامية، الأمر الذى يعد ضغطا كبيرا دفع المسئولين فى كل من السويد والدنمارك إلى مراجعة موقفهم.
فخلال الساعات القليلة الماضية، أعلنت الحكومة السويدية أنها تدرس تجريم حرق الكتب المقدسة، بعد أن أحرق مهاجر عراقى مصحفًا أمام مسجد فى ستوكهولم الأسبوع الماضى، مما تسبب فى موجة من الغضب فى العالم الإسلامى.
وفق صحيفة "أفتون بلادت" السويديه، قال وزير العدل السويدى، جونار سترومر، إن "حرق المصاحف فى الآونة الأخيرة أضر بالأمن الداخلى للسويد"، لافتا إلى إن حرق المصحف الأخير يدفع الحكومة الآن إلى اتخاذ إجراءات حازمة، ويجرى حاليا تحليل للوضع القانونى.
وأضاف: "من بين أمور أخرى، يجرى النظر فى ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء تغييرات على القانون - الذى أعطى الضوء الأخضر حتى الآن لحرق القرآن"، وأردف سترومر: "علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان القانون الحالى جيدًا أو ما إذا كان هناك سبب لإعادة النظر فيه من بعض الجوانب، من الواضح أنه يتعين علينا تحليل الوضع القانونى فى ضوء ما حدث".
وتابع بقوله: "رأينا اعتقالات فى السويد للاشتباه فى الإعداد لجرائم إرهابية، وكانت هناك اعتقالات فى ألمانيا للاشتباه فى الإعداد لجرائم إرهابية ضد السويد فى ضوء ذلك. يمكننا أن نرى أيضًا أن حرق المصحف الذى حدث الأسبوع الماضى ولّد تهديدات لأمننا الداخلى".
وبحسب الصحيفة السويدية، فإن حرق المصحف أضر بفرص السويد فى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (ناتو)، فى ضوء دور تركيا المهم فى الموافقة على الطلب.
وفى الوقت ذاته أعلنت وزارة الخارجية الدنماركية، إن الحكومة تدرس اتخاذ إجراءات تشريعية ضد المظاهرات التى تتعرض فيها دول وثقافات وديانات أخرى للإهانة، حيث قد يكون لذلك عواقب سلبية كبيرة على الدنمارك، منها على سبيل المثال الصعيد الأمنى.
وأضافت الوزارة فى بيان لها: "بالطبع، يجب أن يتم ذلك فى إطار حرية التعبير التى يحميها الدستور، حيث لا تزال حرية التعبير واسعة جدًا فى الدنمارك وهى واحدة من أهم قيم البلاد، على حد قولهم".
وذكرت الحكومة الدنماركية أنه فى أجزاء كثيرة من العالم ، أصبحت الدنمارك معترف بها كدولة تسمح بإهانة الثقافات والأديان والتقاليد فى البلدان الأخرى وتشويهها لها، و فى الواقع، كانت بعض أعمال الاحتجاج تدور فى الأساس حول الاستفزاز، وقد يكون لهذا "عواقب وخيمة".
وقال وزير الخارجية الدنماركى لارس لوكه راسموسن، إن حكومة بلاده ستسعى إلى تجريم تدنيس المصحف الشريف والكتب المقدسة الأخرى أمام السفارات الأجنبية فى الدولة الإسكندنافية.
وأضاف راسموسن فى حديث، مساء الأحد 30 يوليو، مع الإذاعة الدنماركية العامة إن "حرق الكتب المقدسة يخدم فقط غرض خلق الانقسام فى عالم يحتاج فى الواقع إلى الوحدة".
وتابع: "لهذا السبب قررنا فى الحكومة أننا سننظر فى أنه كيف يمكننا، فى مواقف خاصة جدًا، وضع حد للسخرية من البلدان الأخرى، والتى تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الدنماركية وسلامة الدنماركيين".
والأسبوع الماضى اعتمد مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، مشروع قرار تقدمت به باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامى لإدانة الحض على الكراهية الدينية، وذلك رغم معارضة الولايات المتحدة وبريطانيا إقراره.
وصوتت 28 دولة لصالح القرار الذى تقدمت به باكستان نيابة عن مجلس التعاون الإسلامى، الذى يضم 56 بلدًا إسلاميا، فيما عارضته 10 دول، معظمها من بلدان الاتحاد الأوروبى، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، فى وقتٍ امتنعت فيه 7 دول أغلبها من أمريكا اللاتينية عن التصويت.
ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وبريطانيا، إلى التصويت ضد المشروع الذى تقدمت به باكستان، معتبرة أنه يعرض حرية التعبير للخطر، جاء ذلك خلال جلسة خاصة طارئة أقيمت بدعوة من منظمة التعاون الإسلامى فى إطار فعاليات الدورة الـ53 العادية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وناقش المجلس المكون من 47 عضوا، مشروع القرار الذى عرضته باكستان ودعا المشروع إلى إدانة الاعتداءات التى طالت القرآن ووُصفت بالكراهية الدينية، ويتضمن القرار إدانة كل عمل متعمد علنى يستهدف المقدسات الدينية إثر حرق نسخة من القرآن الكريم، كما نص على وجوب اعتماد الدول قوانين وتشريعات لملاحقة مرتكبى أفعال تذكى روح العداء ضد الإسلام وعموم الأديان. ويطلب من الأمم المتحدة تحديد البلدان التى ليس لديها مثل هذا التشريع وتنظيم طاولة مستديرة للخبراء لبحث الموضوع.