عدد من المشاهد البارزة حظت باهتمام الحضور في اليوم الأول لأعمال القمة الـ 18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، في العاصمة الهندية نيودلهي، والتي تعقد للمرة الأولى في الهند وجنوب آسيا، تتويجا لجميع عمليات واجتماعات مجموعة العشرين التي عقدت على مدار العام بين الوزراء وكبار المسؤولين والمجتمعات المدنية؛ وسيتم في ختامها اعتماد إعلان قادة مجموعة العشرين، والذي ينص على التزام القادة بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها.
واختارت الهند شعار قمة هذا العام المرتكز على زهرة اللوتس، تحت عنوان "أرض واحدة – عائلة واحدة – مستقبل واحد"، حيث ترى الهند أن الشعار والموضوع ينقلان رسالة قوية، وهي "السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم"، ويهدف رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي إلى تعزيز النفوذ العالمي لنيودلهي بعد ما يقرب من عقد من الزمن في السلطة حيث وضع نفسه كزعيم عازم على التخلص من الماضي الاستعماري للبلاد - مشددًا على الحاجة إلى "تحرير أنفسنا". من عقلية العبودية”.
وكانت أولى المشاهد التي لفتت الأنظار، هي ظهور مودى في الجلسة الافتتاحية للقمة وأمامه لافتة مكتوب عليها "بهارات" بدلًا من الهند للتعريف بدولته، ولم تذكر اللافتة إسم "الهند"، وهو الاسم الذي تُعرف به بلاده عادة على المستوى الدولي، كما يرتدي المسؤولون الهنود في حدث مجموعة العشرين أيضًا شارات مكتوب عليها : "مسؤول بهارات"، مما أثار تكهنات بأن الحكومة تخطط للتخلص التدريجي من تسمية البلاد باللغة الإنجليزية تمامًا.
وكانت الحكومة الهندية قد عبرت عن رغبتها في إعادة تسمية البلاد بـ"بهارات" والتخلص من إسم الهند الذى أطلقته بريطانيا على بلادها وقت استعمارها، ووفقًا للدستور الهندي: تعدّ اللغتان الإنجليزية والهندية اللغتين الرسميتين للبلاد؛ حيث تسمّى البلاد "الهند" باللغة الإنجليزية، و"بهارات" باللغة الهندية.
أما المشهد الثانى هو التطور الذى ظهر شوارع نيودلهي استعدادا للقمة، من خلال الفنون التراثية المعروفة للهند، وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن الهندَ أنفقَت 40 مليارِ روبية، أي حوالي نصفِ المليار يورو لتحضيرِ استضافةِ قِمَّةِ مجموعةِ العشرين، معتبره أن الهند في عهدِ ناريندرا مودي، تريدُ أن تعطي صورتَها للعالم كدولةٍ واثقةٍ من نفسِها، وقوةٍ عُظمى، تُقسِمُ بالقضاءِ على الفَقرِ بحلول الذكرى المئويةِ لاستقلالِها في العام 2047، وأضافت الصحيفة أن الهند تسعى للتحدثِ باسمِ دولِ الجنوب، وتضعُ مخاوِفَ هذه الدول في المقدمة. كما تسعى إلى أن تصبِحَ وسيطاً في الصراعات.
وقالت وسائل إعلام هندية أن العمل يجرى على هذا التجديد الكبير منذ عدة أشهر، حيث تظهر عروض الإضاءة والجداريات الزاهية والزهور المزخرفة في جميع أنحاء المدينة للترحيب بالعديد من رؤساء الدول والحكومات القادمين من جميع أنحاء العالم.
وقال ساتيش أوبادهياي، نائب رئيس المجلس البلدي في نيودلهي، "زرعنا أكثر من 5 ملايين شتلة، و100 ألف نبتة في أصص على طول طرق مختلفة. ثم قمنا بزراعة 3 ألاف شجرة كبيرة ومميزة؛ وتم تركيب أكثر من 20 منحوتة. تم وضع النوافير في أكثر من 11 موقعاً؛ وتم إنشاء بعض المسطحات المائية أيضًا"، وتم تصميم جميع الزخارف والترتيبات للإشارة إلى الجماليات الهندية التقليدية، وجاء الفنانون الذين يقفون وراء هذه الأعمال من جميع أنحاء البلاد.
أما المشهد الثالث الذى استحوذ على الأضواء بقمة العشرين فهو ضم الاتحاد الافريقيى كعضو دائم للمجموعة، ومن شأن هذه الخطوة أن تمنح الاتحاد الأفريقي المؤلف من 55 عضواً، والمصنف حالياً على أنه "منظمة دولية مدعوة"، نفس الوضع الذي يتمتع به الاتحاد الأوروبي.
وقال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في كلمته التي جاءت مع افتتاح القمة، إنه يؤمن بوجود اتفاق بشأن ضم الاتحاد الأفريقي إلى كتلة "مجموعة العشرين"، موجهاً الدعوة إلى الاتحاد الأفريقي لكي يصبح عضواً دائماً في المجموعة التي تضم 20 دولة.
وخلال كلمته، طلب مودي من رئيس الاتحاد الأفريقي غزالي عثمان أخذ مقعده الدائم على طاولة المجموعة، ونبّه إلى أن العالم يعاني "أزمة ثقة هائلة"، مشيراً إلى أن الحرب عمّقت قلة الثقة". ولكنه نبّه إلى أن العالم يستطيع التغلب على هذه الأزمة، كما تغلب على فيروس كورونا.
وتأتي هذه الخطوة ضمن الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز وصول أصوات الدول الأفريقية في القضايا العالمية مثل تغير المناخ وديون الأسواق الناشئة، خاصة وأن الأسواق الناشئة في ما يُسمى بالجنوب العالمي تضطلع بدور متزايد في الشؤون العالمية.
أما المشهد الرابع فهو غياب الرئيس الصيني على قمة مجموعة العشرين في نيودلهي والذى خيم على الأجواء ويرى مراقبون أن غياب شي جين بينغ سيمثل اختبارا صعبا لقادة المجموعة، واختلفت الآراء حول غيابه حيث يرى مراقبون أن مشاركة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ وليس رئيس البلاد يعد مؤشرا على فتور العلاقات بين الهند والصين، لكن في المقابل، يعتقد فريق آخر أن الطرف المعني من غياب شي جين بينغ ليس الهند وإنما مجموعة العشرين بشكل مباشر حيث لم يغب أي ريس صيني عن قمم مجموعة العشرين منذ 2008 ما يعني أن الغياب بمثابة رسالة إلى زعماء المجموعة خاصة.
والمشهد الخامس الذى احتل الصدارة هي صورة رئيس الوزراء البريطاني ريشى سوناك وهو أول زعيم بريطاني من أصل هندي، والتي تعتبر أول زيارة يقوم بها سوناك إلى بلاده الأم كرئيس للوزراء، وأشارت صحف محليه إلى أن الهنود استقبلوا سوناك بنوع من الترحيب الذي عادة ما يحظي به البطل القاهر الذي يعود إلى وطنه.
واعترف سوناك نفسه بأن الرحلة ستكون "خاصة"، ويرى خبراء أن الهنود يحبون فكرة صعود سوناك إلى القمة في بريطانيا، حيث يعاملونه كواحد منهم، على الرغم من أنه ولد في هامبشاير، ولكن أصوله الهندية فضلا عن وزوجته أكشاتا مورتي، التي ترافقه في الرحلة، وهي ابنة إحدى أغنى العائلات في الهند، يمنحان الهند قوة أمام بريطانيا، حيث تحمل نيودلهي تجاه لندن تاريخا استعماريا ترغب في التخلص منه.