أصبحت أزمة تفاقم الديون على الدول الفقيرة من أكبر معوقات التنمية فى العالم، حيث تواجه أكثر من 70 دولة منخفضة الدخل عبئًا جماعيًا يبلغ 326 مليار دولار، كما تعانى 15% من البلدان منخفضة الدخل بالفعل من ضائقة ديون، و45% أخرى تواجه ضعف ديون عالية، والقائمة آخذة فى الازدياد، ما فرض هذا الملف على قائمة الاجتماعات المالية العالمية خلال السنوات الأخيرة من أجل صياغة ميثاق مالى عالمى جديد، يساهم فى تخفيف عبء الديون عن الدول الفقيرة.
وكانت جهود تخفيف الديون، قد بدأت من خلال مجموعة العشرين عام 2020، من خلال صياغة آليات جديدة تسمح بالتنسيق بين الدول الدائنة والدائنين فيما عرف بالإطار المشترك، إلا أنها واجهت عددًا من العراقيل بسبب الاختلافات حول كيفية التعامل مع الأشكال المختلفة للديون.
وسرعان ما عادت الأزمة بقوة خلال الجلسة الثالثة والختامية لقمة مجموعة العشرين المنعقدة بالعاصمة الهندية نيودلهى، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى كلمته، أن هناك حاجة ملحة لمعالجة إشكالية ديون الدول النامية، التى باتت تتخذ أبعادًا خطيرة، نتيجة ارتفاع أعباء خدمة الدين، ليس فقط بالنسبة للدول منخفضة الدخل، وإنما أيضًا فى الدول متوسطة الدخل، وهو الأمر الذى يتطلب سرعة اتخاذ قرارات حاسمة تحول دون اندلاع أزمة ديون عالمية.
وفى هذا السياق أكد الخبير الاقتصادى مصطفى بدرة، أن إسقاط جزء من ديون كل أو بعض الدول الفقيرة أصبح هو الخيار الأمثل لخروج الاقتصاد العالمى من النفق المظلم خلال الفترات القادمة والذى نتج بسبب الارتفاع غير المسبوق فى أسعار الفائدة، ما يؤثر بشكل مباشر على معدلات النمو، مطالبًا الدول الكبرى بتقديم بعض التنازلات من أجل دفع عجلة التنمية فى العالم، ومن ثم إنعاش اقتصاديات الدول الغنية والفقيرة.
وقال بدرة، إن ارتفاع معدلات الفوائد تسببت بشكل مباشر فى إغراق الدول الفقيرة فى الديون، لذلك هناك ضرورة لإعادة هيكلة الديون من خلال إسقاط جزء منها، وتحويل الجزء الآخر إلى استثمارات داخل الدول الفقيرة بالعملة المحلية للمساهمة فى دفع التنمية التى ستعود بالفائدة على الطرفين بدلًا من دخول العالم فى حالة من الركود نتيجة تراجع عجلة الإنتاج.
وشدد الخبير الاقتصادى، على ضرورة وجود إرادة حقيقية من جانب الدول الغنية للخروج من هذه الأزمة، وأن تتبنى مواقفها على خلفيات اقتصادية بحتة وليست سياسية، مؤكدًا أهمية توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسى باستقطاع جزء من ديون الدول الفقيرة وخاصة الأفريقية لدى الدول الغنية فى تحسين مؤشرات الاقتصاد العالمى.
فيما أكدت ميرفت ألكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أهمية مشاركة مصر فى اجتماعات قمة العشرين، حيث أتاحت الفرصة للحديث عن عدد كبير من القضايا التى تواجه القارة الأفريقية، خاصة ما يتعلق بضرورة إسقاط ديون الدول الفيرة والنامية، خاصة أن هذه الديون المسئول عنها بشكل أساسى هى الدول الكبرى، سواء كانت بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، أو إقبال البنك الفيدرالى الأمريكى على رفع سعر الفائدة، ما ترتب عليه اتخاذ نفس الخطوة فى باقى دول العالم ما تسبب فى تفاقم حجم الديون.
وقالت ألكسان، إن الإعلان عن ضم الاتحاد الأفريقى إلى مجموعة العشرين كان يتطلب التفاهم حول عدد من الملفات والقضايا التى تشكل عائق للتنمية داخل القارة السمراء، وأبرزها تفاقم حجم الديون، مؤكدة ضرورة إسقاط الديون أو إقرار مبدأ مبادلة الديون بمعنى التوسع فى برامج مبادلة الديون مقابل التنمية، حيث تسمح للدول الكبرى بإقامة مشروعات استثمارية بهذه الدول.
وأضافت عضو مجلس النواب، أن التغيرات المناخية كانت سببًا رئيسيًا فى تحميل الدول النامية مزيد من الأعباء، كان نتيجتها تهديد الأمن الغذائى لهذه الدول بسبب تدهور الزراعة بها واعتمادها على الاستيراد، وهو أمر المسؤل عنه بشكل مباشر الدول الصناعية الكبرى، مشددة على ضرورة التكاتف من أجل مساعدة الدول الفقيرة فى العالم على استكمال خططها التنموية.
وكان قد استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى كلمته حلال الجلسة الختامية لقمة مجموعة دول العشرين، أبرز التحديات التى تواجه الدول الفقيرة فى العالم والأفريقية بصفة خاصة قائلا: "تابعت باهتمام، الكلمات القيمة التى أدليتم بها، حول كيفية التعامل مع الأزمات الدولية، وضرورة توافر الإرادة السياسية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان مستقبل أفضل للإنسانية".
وتابع الرئيس قائلا: "الحديث عن المستقبل يدفعنى للإشارة إلى الآمال العريضة المُعلقة على التحول التكنولوجى، لزيادة الإنتاجية، وتوفير فرص جديدة للنمو والاستثمار، إلا أنه، لضمان مستقبل أفضل للبشرية بأسرها، ينبغى العمل على سد الفجوة التكنولوجية الكبيرة بين الدول، وذلك حتى لا يكون التقدم التكنولوجى محركاً إضافياً لانعدام المساواة".
وأضاف الرئيس السيسى: "لا يخفى عليكم تصاعد المخاوف منذ سنوات، بشأن أثر الميكنة والذكاء الاصطناعى على مستقبل التوظيف، وهو الأمر الذى قد تتضاعف آثاره الاجتماعية والاقتصادية السلبية فى الدول النامية، التى اعتمدت على الصناعات كثيفة العمالة، بما يُنذر بإهدار الكثير مما تم إنجازه من جهود التنمية".
وأوضح الرئيس السيسى، أن الانطلاق للمستقبل، والحلول القائمة على التعاون متعدد الأطراف، يستوجب الإسراع فى معالجة التحديات القائمة قبل أن تستفحل، وتتسبب فى أزمات تستعصى على الحل.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن هناك حاجة ملحة، لمعالجة إشكالية ديون الدول النامية، التى باتت تتخذ أبعاداً خطيرة، نتيجة ارتفاع أعباء خدمة الدين، ليس فقط بالنسبة للدول منخفضة الدخل، وإنما أيضاً فى الدول متوسطة الدخل، وهو الأمر الذى يتطلب سرعة اتخاذ قرارات حاسمة تحول دون اندلاع أزمة ديون عالمية.
وطالب الرئيس بضرورة الالتزام بأجندة التنمية المستدامة، وأهداف "اتفاق باريس للمناخ" ضمان توافر التمويل اللازم، وتطوير نظام التمويل الدولى وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف، وذلك عبر تعظيم قدرتها على الإقراض، ولاسيما توفير التمويل الميسر، مع ضمان ألا يكون التمويل المناخى على حساب التمويل التنموى.
وتابع الرئيس السيسى: "وأشدد هنا بمناسبة رئاسة بلادى لمؤتمر "كوب 27" على أهمية توافر وسائل التنفيذ، وذلك من الناحية التمويلية، من خلال وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها، فضلاً عن نقل التكنولوجيا".
وفى ختام كلمته، أكد الرئيس السيسى، ثقته فى قدرة المجموعة على اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهدافنا المشتركة، ووضعها موضع التنفيذ.