الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 01:02 م

11 سبتمبر وبداية "الأفول" الأمريكى.. الهجوم على برجى التجارة فى نيويورك كشف ثغرات القوى الدولية الكبرى.. أهان كبرياء واشنطن فى عقر دارها.. قوض الثقة بمنظومتها القيمية.. وبات نقطة الانطلاق نحو الانقسام فى الداخل

11 سبتمبر وبداية "الأفول" الأمريكى.. الهجوم على برجى التجارة فى نيويورك كشف ثغرات القوى الدولية الكبرى.. أهان كبرياء واشنطن فى عقر دارها.. قوض الثقة بمنظومتها القيمية.. وبات نقطة الانطلاق نحو الانقسام فى الداخل ١١ سبتمبر
الإثنين، 11 سبتمبر 2023 01:00 م
بيشوي رمزي

مع انتهاء الحرب الباردة، وما أسفر عنها من انهيار الاتحاد السوفيتى، أدركت القوى المهيمنة على العالم (الولايات المتحدة) أن التوازن الدولى سوف يختل بصورة كبيرة، وهو ما سوف يؤثر على مكانتها فى المستقبل، فباتت تبحث عن كيانات حليفة، فى مناطقها الاستراتيجية، على غرار الاتحاد الأوروبى، لملء الفراغ الناجم عن غياب الكتلة السوفيتية، بينما تبنت رؤية تقوم على البحث عن صراع بديل للتنافس الأيديولوجى بين الرأسمالية العالمية والشيوعية السوفيتية، فوجدت ضالتها فيما يسمى بـ"صراع الحضارات"، تلك التى أرساها كاتبا أمريكيا يدعى صموئيل هنتنجتون، فى مقال يحمل نفس العنوان فى التسعينات من القرن الماضى، بينما تحولت إلى كتاب بنفس الاسم، حتى تحولت إلى التطبيق العملى فى نهاية المطاف فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر.

 

وبعيدا عما يثار حول نظريات المؤامرة المرتبطة بالحدث الذى كان بمثابة الزلزال الذى ضرب القوى العظمى المهيمنة على العالم منذ سنوات قليلة، إلا أن البحث فى تداعياته يحمل العديد من الأبعاد، منها ما هو فى الداخل الأمريكى، ومن وراءها دول المعسكر الغربى، جراء الانقسام المجتمعى الكبير المترتب عليها، وظهور ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، والتى أثمرت عن استهداف المسلمين علانية، سواء فى الشوارع أو وسائل النقل، مرورا بالخطاب الإعلامى المسيء لهم، وحتى الخطابات السياسية التحريضية، والتى أضفى عليها الساسة صبغة "مقدسة"، من جانب، بينما امتدت النتائج إلى الوضع الدولى العام، جراء سياسات الغزو العسكرى التى انتهجتها الولايات المتحدة، سواء فى أفغانستان أو العراق، وهى الأبعاد التى نالت فى مجملها من حجم التأثير الأمريكى، وإن كان على المدى البعيد الذى تجاوز حتى الآن عقدين من الزمان.

 

ولعل الهجوم على برجى التجارة العالميين فى نيويورك، فى 11 سبتمبر، وبالأسلوب الذى تم به، والاتهام الأمريكى الصريح لتنظيم القاعدة، كان بمثابة اللبنة الأولى لتراجع الولايات المتحدة، على المستوى الدولى، خاصة وأنها القوى الدولية الأكبر، بما تملكه من إمكانات كبيرة على المستوى الاستخباراتى والأمنى، مقارنة بالخصم الذى نفذ الهجوم، والذى لا يتجاوز مجرد ميليشيا مسلحة، تمثل فى ذاتها أحد ثمار السياسة الأمريكية، فى حربها ضد الاتحاد السوفيتى، وبالتالى يبقى الحدث ليس مجرد هجوما إرهابيا عاديا، استهدف مجموعة من البشر، على غرار حوادث إطلاق النار العشوائية، أو زراعة العبوات الناسفة، فى الأماكن المزدحمة، وإنما يمثل استهدافا لكبرياء واشنطن، ومؤسساتها، وبالتالى مكانتها الدولية.

 

وهنا تبدو أحداث 11 سبتمبر، فى ذاتها، وبعيدا عن تداعياتها، أحد أهم إرهاصات الأفول الأمريكى، وانعكاسا صريحا لوجود نقاط ضعف كبيرة، ولا يستهان بها، فى المؤسسات المرتبطة بالإدارة الأمريكية، والتى فشلت، ليس فى مواجهة حربا نظامية ضد جيوش كبيرة، وإنما فى ميليشيات مكونة من حفنة من المسلحين، لا يمتلكون فى جعبتهم سوى أسلحة بدائية، وإمكانات ضعيفة إذا ما قورنت بما تمتلكه مؤسسات الدول، ولا سيما الولايات المتحدة نفسها.

 

والحديث عن الحرب الأمريكية ضد الميليشيات، ربما لا يتوقف فى حقيقته على هجمات 11 سبتمبر، وإنما امتدت إلى تبعاتها، والتى تجلت فى الحروب التى خاضتها فى أفغانستان والعراق، والتى تجلت فى صراعها، ليس مع الجيوش النظامية، والتى سرعان ما استسلمت، وهو ما يبدو فى المشهد العراقى، عندما دخلت القوات الأمريكية بغداد دون أدنى مقاومة تذكر، وإنما فى حقيقتها مع الميليشيات المسلحة، والتى تبنت منهج المقاومة، مما كلف الجيش الأمريكى أرواح ألاف الجنود، بينما تكبدت خزانة واشنطن مليارات الدولارات، مما أسهم بصورة كبيرة فى سلسلة من التراجعات، التى نالت من القوى العظمى المهيمنة على العالم، أبرزها تراجع هيبتها باعتبارها القوى القادرة على إعادة ترتيب العالم، بينما تراجعت النظرة إلى قوتها العسكرية، فى حين كانت الانتهاكات التى ترتكب من قبل جنودها، بمثابة صفعة للمبادئ التى تشدقت بها واستخدمتها كأداة لبسط هيمنتها ونفوذها منذ الأربعينات من القرن الماضى، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، ناهيك عن تراجع مصداقيتها، بعدما كشف العالم "أكذوبة" أسلحة الدمار الشامل، والتى طالما روجت لها الإدارة الأمريكية كذريعة لغزو العراق.

 

ويعد الانسحاب الأمريكى من العراق وأفغانستان فى السنوات الماضية، دون تحقيق أيا من الوعود التى قطعتها على نفسها، بمثابة دليلا دامغا على تراجع الولايات المتحدة فى رؤية الكثير من حلفائها قبل خصومها، خاصة وأنه تزامن مع ما يمكننا تسميته بـ"انقلاباتها" على الحلفاء، وفى القلب منهم دول أوروبا الغربية، عبر إعادة التعريفات الجمركية تارة، والتلويح بالانسحاب من الناتو، ما يسفر عنه من تهديد أمنى لهم تارة أخرى، مما ساهم فى حالة انعدام الثقة فى الحليف الأمريكى، خاصة مع تغير كبير فى السياسات بمجرد تغير الإدارات خلال السنوات الماضية.

 

بينما يبقى الانقسام فى الداخل الأمريكى، أحد أهم تداعيات 11 سبتمبر، على الرغم من "تحور" أسبابه بين الحين والأخر، حيث تمثل السياسات الحادة التى تبنتها واشنطن تجاه المسلمين، وما أسفر عنها من تحرش بهم فى الشوارع والميادين والإعلام، هى نقطة التحول الأكبر فى الداخل الأمريكى، فأصبحت حالة التشرذم والاستهداف بمثابة "سنة" تنامت وتصاعدت تدريجيا، بدءً من "الإسلاموفوبيا" وما ترتب عليها من استهداف المسلمين، والتحرش بهم فى الشوارع وعلى قنوات الإعلام، حتى حالة الاستقطاب السياسى المهيمنة على الحياة الأمريكية فى السنوات الأخيرة، والتى يبقى اقتحام الكونجرس فى 6 يناير 2021 من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، احتجاجا على الإعلان عن فوز خليفته جو بايدن، أهم صورها.

 

وبين سبتمبر ويناير، ثمة العديد من المفارقات، ربما أهمها الانقلاب على المبادئ التى طالما أرستها واشنطن، سواء فيما يتعلق باحترام الحريات، وفى القلب منها حرية العقيدة، من جانب، أو احترام ما تسفر عنه الصناديق، فى إطار الديمقراطية، حيث ساهم المشهدان وما تخللهما من أحداث طيلة عقدين من الزمان فى تشويه الصورة التى دائما ما تروجها بلاد "العم سام" عن نفسها باعتبارها البوتقة التى تذوب على أعتابها الخلافات والاختلافات، سواء فيما يتعلق بالدين أو السياسة أو الجنسية، حيث كان المشهد الثانى (اقتحام الكونجرس) هو أحد أهم ثمار أحداث 11 سبتمبر، والكيفية التى تعاملت بها واشنطن خلالها، تجاه قطاع من المجتمع، عانى على أثرها سنوات من التشويه والتهميش، بل والتحرش والاستهداف.

 

وهنا يمكننا القول بأن أحداث 11 سبتمبر تمثل البداية الحقيقة لنهاية الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم، إلا أن غياب المنافسة، فى ظل عدم وجود قوى يمكنها مزاحمة واشنطن، ساهم فى إطالة أمد تلك الحقبة الدولية، وهو ما بدا واضحا مع بزوغ الصين، والتى تمكنت من ملء الفراغ الأمريكى فى العديد من مناطق العالم، واستعادة روسيا جزء كبير من مكانتها الدولية، عبر قدرتها على فرض كلمتها فى مناطقها الاستراتيجية، ناهيك عن امتدادها لمناطق أخرى تبتعد عنها على حساب واشنطن.


الأكثر قراءة



print