هكذا وصف وزير الخارجية الأسبق، محمد العرابى، فى حواره لـ "برلمانى"، الأيام الثقيلة التى نمر بها، بالتزامن مع حرب غزة، كما أكد أن تلك الظروف تتطلب قيادة استثنائية، لديها القدرة على استباق الأحداث، والتنقل بين الملفات الحرجة بحذر شديد واتزان غير مسبوق..
الدولة المصرية أصبحت مشدودة من أربع اتجاهات رئيسية، الشرق والغرب والشمال والجنوب، أى أن كل حدودها فى حالة توتر غير مسبوقة، بالإضافة إلى عبء التنمية الاقتصادية، وهذا الوضع الاستثنائى يستلزم قيادة من نوع معين لديها نظرة استباقية واستراتيجية للأحداث، واستعداد دائم لكل ما يمكن أن يجرى فى الإقليم وكيفية علاجه.
هذه مواصفات ليس من السهل الحصول عليها لدى كثير من المرشحين بانتخابات الرئاسة، ليس تقليلا من أحد، ولكن مصر على أعتاب مرحلة مهمة، فالعالم ملىء بالحروب دون التزام بمواثيق الأمم متحدة ولا القانون الدولى، والقيادة الحالية، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثبتت بالفعل أن لديها رؤية ومستعدة لما قد يحدث، وبالتالى هى الأجدر بقيادة المرحلة المقبلة.
أيهما أهم فى المرحلة المقبلة.. الملف الأمنى وما يدور على الحدود المصرية؟ أم الملف الاقتصادى؟
أحيانا يستعمل الملف الاقتصادى كنوع من التهديد لأمنك، وهناك ارتباط وثيق بين الاثنين، ففى ظل الأوضاع المحيطة لو حدث انفلات أمنى وفقدنا الاستقرار داخل الدولة، لن يكون هناك استثمار واقتصاد، هذا بالإضافة إلى أن بعض القوى الدولية تلعب بالملف الاقتصادى لتضغط على مصر ومواقفها، فالآن يجب التحرك بين الملفين بدقة شديدة، بما لا يؤثر على أى منهما بالسلب، وهذه معادلة صعبة جدا، والموازنة بين الملفين أمر صعب وهذا يتطلب قيادة واعية جدا.
أيام قليلية ويبدأ المصريون بالخارج فى التصويت بالانتخابات الرئاسية.. هل تتوقع نسبة مشاركة عالية فى ظل الأزمات العالمية؟
المصريون بالخارج دائما لديهم إحساس بالوطن، وانتماؤهم كبير جدا، فبعدهم عن أرض الوطن يجعلهم على استعداد للمشاركة بكثافة أكبر من الداخل ليؤكدوا شعورهم بالانتماء.
كما أشرت، مصر عليها دور كبير فى القضية الفلسطينية وهو ما ظهر خلال مفاوضات الهدنة.. ما تحليلك للموقف؟
مصر دائما هى الدولة المؤهلة لقيادة القضية الفلسطينية، فعلى سبيل المثال مصر حتى الآن هى الدولة الوحيدة التى يمكنها زيارة غزة والضفة الغربية وتل أبيب فى يوم واحد، أى أنها لديها القدرة على التواصل مع كل الأطراف، وهذا يعظم دورها، بالإضافة إلى أن مصر تتعامل دائما وأبدا مع القضية الفلسطينية بدون أهواء وبدون أهداف، ولا تستغلها لمصالحها السياسية كما تفعل بعض الدول الكبرى فى الإقليم، فهناك دول لن تتنازل عن استغلال الموقف، وهذه مشكلة القضية الفلسطينية أنها مختطفة من دول كبرى.
يجب ألا نغفل أن هناك دولا أخرى أصبح لها تدخل فى المعادلة الفلسطينينة مثل قطر، التى لعبت دورا مع مصر وأمريكا فى الهدنة، وأرى أنه لا بد من التفاهم بين القيادتين فى القاهرة والدوحة.
ولكن البعض يرى فى ذلك محاولة لمنافسة دور مصر الإقليمى والتاريخى فى القضية؟
لا يوجد منافسة فى الأدوار بل تتكامل، وكل طرف يقوم بدوره، والهدف الحفاظ على القضية الفلسطينية، «اللى قادر يقدم شىء ياريت»، وقطر ليس لها أجندة سياسية تستغل بها القضية الفلسطينية، بل على العكس قطر لا يمكن تجاهلها بشكل دائم، فلديها قيادات حماس فى الدوحة.
هل ترى الهدنة كافية بالنسبة للوضع فى غزة؟
قطاع غزة أصبح منكوبا، ويحتاج إلى فترة طويلة كى يتعافى ليكون صالحا للحياة، الهدنة خطوة أولى ومقدرة طبعا، ولكنها ليست كافية، المطلوب وقف إطلاق النار، لأن الهدنة ليست بالضرورة تعنى وقف القتال، ولكنها ستسمح بفتح مساحة آمنة لمرور المساعدات والانتقال من مكان لآخر، لكن فى النهاية القوات الإسرائيلية موجودة داخل قطاع غزة،، وهذا سيؤدى إلى حتمية وجود اشتباكات، فمن غير المعقول أن يرصد الجنود الإسرائيليون تحركات لحماس دون اشتباك.
الهدنة فيها رسالة بأن الطرفين أصبحا فى حالة تعب وإنهاك اقتصادى، ومن ناحية الذخيرة والقتلى والخسائر، كل هذه الأمور تحسب فى المعارك، وإسرائيل حتى الآن لم تحقق أهدافها التى أعلنت عنها فى قطاع غزة، وبالتالى هذا سيجعل الفصائل تشعر بأنها حققت شيئا، خروج الأسيرات الفلسطينيات والأطفال من سجون الاحتلال مقابل رهائن لدى حماس يعد إنجازا رغم الثمن الفادح.
وبالتالى أرى أن الهدنة ليست حل ولكنها ستسمح بالتنفس لكن الهدف وقف إطلاق النار.
متى نصل لمرحلة وقف إطلاق النار؟
ليست هناك حروب دائمة، ولا بد أن يأتى الطرفان فى مرحلة معينة ويتم اللجوء لوقف إطلاق النار، وفى توقعاتى أن إسرائيل هى التى ستطلب وقف إطلاق النار، نحن أمام قوة كبيرة واستعداد كبير داخل غزة من قبل حماس، وهذا فى حد ذاته كان مفاجأة كبيرة لإسرائيل بل وللعالم كله.
صعب التكهن متى سنصل إلى نقطة وقف إطلاق النار، ولكن الآن هناك استنزاف لكلا الجانبين فى الحرب، كل هذه الأشياء ستؤدى إلى طلب وقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات، ولكن وقف إطلاق النار سيتم عندما يمتلك أحد الأطراف مميزات على الأرض يستطيع بها أن يفرض حلولا على مائدة التفاوض.
معنى ذلك أن معادلة القوة فى القضية الفلسطينية اختلفت؟
نعم، فصحيح أن فلسطين دفعت ثمنا كبيرا جدا من المدنيين فى غزة، ولكن فى النهاية معادلة القوة اختلت فى 7 أكتوبر، هذا اليوم خلق قوة كبيرة فى الإقليم وليس غزة فقط، ونحن رأينا أن إسرائيل كانت فى أضعف حالتها ليس فقط فى رد الفعل، ولكن الارتباك الذى ظهر على القيادة الإسرائيلية يؤكد أنها ليست بالقوة التى لا تقهر كما يدعون.
هل فكرة القضاء على حماس ممكنة كما ترى حكومة نتنياهو؟
لا يمكن القضاء على مقاومة موجودة على الأرض، وإذا كانت إسرائيل تعتقد أن القضاء على قيادات حماس سيؤدى للقضاء على المقاومة، فهذا خيال، حماس تنظيم يمتلك صفوفا وأفرع مختلفة وأجيالا متعاقبة، وبالتالى القيادات ليست القضية.
كذلك جيل الأطفال حاليا فى غزة، الذى رأى كل هذه الأهوال والمأسى التى يتعرض لها أهلهم سيخلق جيلا جديدا من المقاومة، التى لديها رغبة شديدة فى الانتقام وأكثر قسوة وعنفا بعد ما رأوه فى طفولتهم، للأسف الرؤية الإسرائيلية تتميز بالتطرف الدفين داخل الشخصيات الحاكمة.
تابعنا الدعوات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. كيف حللت الموقف المصرى؟
الموقف المصرى واضح وليس مبنيا على فكرة الخوف من الفلسطينيين أو زيادة عدد اللاجئين، وإنما على فكرة أننا دولة ذات سيادة وهذه حدودنا، ولا يوجد شىء اسمه أن آخرين يفكرون فى اختراق حدودنا، هذا كلام به قدر من السذاجة السياسية، والأمر الثانى أن القضية الفلسطينية بلا شعب موجود على أرضه لن تكون قضية، كذلك الفلسطينيون يجلسون أمام بيوتهم المهدمة ولا يريدون تركها، تهجير الفلسطينيين كلام غير معقول، ولن يكون له وجود، وهم يعلمون أنهم مهما تحدثوا فى الأمر فهو لن يحدث.
ولكن الكلام سيظل موجودا، والقيادات الإسرائيلية لديها تخبط فى المرحلة الحالية وهذا واضح من تضارب التصريحات، الموضوع يحتاج أفقا سياسيا وللأسف هذا الأمر معدوم لدى القيادة الإسرائيلية الحالية.