مسألة انهيار الهدنة بين الفصائل الفلسطينية – ممثلة في حركة حماس – والكيان المحتل، تشهد إدانات واسعة على المستوى العربى والدولى، حيث استئناف الاحتلال الإسرائيلى القتال في غزة وارتكاب مجازر جديدة في القطاع فور انتهاء الهدنة والتي راح ضحيتها العشرات ومئات الجرحى خلال الساعات الماضية، خاصة وأن الهدنة الإنسانية المؤقتة في قطاع غزة التي بدأت في 24 نوفمبر الماضي واستمرت 7 أيام نتج عنها عملية حق الدماء، بعد أن خلفت الحرب (13,500) شهيد.
الدولة المصرية أعربت عن إدانتها البالغة لانهيار الهدنة وتجدد القصف العنيف والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، مما أسفر عن تجدد سقوط الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، معتبرة الأمر انتكاسة خطيرة واستهانة من الجانب الإسرائيلي بكافة الجهود المبذولة التي سعت على مدار الأيام الماضية إلى تمديد الهدنة حقناً لدماء الفلسطينيين الأبرياء، وتأمين إنفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية الملحة لسكان القطاع.
حول جرائم الكيان المحتل.. هل تسقط حقوق الأسرى والرهائن بـ"التقادم"؟
مسألة عودة المجازر من جديد داخل قطاع غزة فور انتهاء الهدنة، يجعلنا نفتح الباب مرة أخرى حول موقف القانون الدولى من جرائم الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة، وكذا موقف القضاء المصرى من جرائم الكيان المحتل، خاصة وأن القضاء المصرى سبق التصدي لتلك المجازر في الدعوى المقيدة برقم 16846 لسنة 54 القضائية عليا الصادر عام 2017، فقد تصدى الحكم لجرائم الجيش الإسرائيلى خلال حرب 67 وأثناء حرب الاستنزاف، واعتبر جرائم قتل المدنيين المصريين فى مدن القناة ودمر مساكن وممتلكات المواطنين عام 1967 وأثناء حرب الاستنزاف، أعمال تشكل جرائم حرب وإبادة للجنس البشرى.
وبحسب "حيثيات الحكم": وقد ارتكبت تلك الأعمال فى حروب عدوانية غير مشروعة وفقاً للقاون الدولى ولا تسقط تلك الجرائم بالتقادم ولا يفلت من ارتكبها من العقاب ولا يسقط حق المواطنين المضرورين والدولة المعتدى عليها فى التعويض عن الأضرار التى نتجت عن العدوان طبقاً لأحكام القانون الدولى، كما لا تسقط بالتقادم وفقاً لأحكام القانون الداخلى المصرى وتلتزم الدولة بالدفاع عن مصالح وحقوق مواطنيها فى مواجهة غيرها من الدول اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص لأسرى الحرب والمدنيين المصريين واقتضاء حقوقهم من إسرائيل.
للدولة الحق في المطالبة بحقوق أبناءها
ووفقا لـ"المحكمة": وتلتزم جهة الإدارة باتخاذ جميع الإجراءات التى تكفل ضمان حقوق أبناء مصر من المواطنين العاديين أو من أفراد القوات المسلحة الذين قتلوا فى الأسر أثناء الحروب أو عذبوا أو انتهكت حقوقهم التى كفلتها لهم قواعد القانون الدولى والاتفاقيات الدولية، وذلك فى مواجهة الدول المعتدية على مصر فى حروب تشكل عملاً غير مشروع وفقاً لأحكام القانون الدولى، ولا يجوز لجهة الإدارة أن تتنصل من التزامها تجاه مواطنيها بالدفاع عن حقوقهم فى مواجهة الدول الأجنبية تذرعا بنظرية أعمال السيادة التى تهدف إلى منع القضاء من سماع الدعوى، فقيامها بهذا العمل لا يعد من أعمال السيادة، فواجبها فى حماية حقوق المواطنين من أى عدوان عليها من الدول الأخرى، هو التزام قانونى مفروض عليها دائماً بنص الدستور.
وتضيف "المحكمة": إن قواعد القانون الدولى الإنسانى التى تضمنتها الاتفاقيات الدولية كفلت حماية الأسرى والجرحى أثناء الحرب، كما كفلت حماية المدنيين ونظمت معاملتهم أثناء الحرب، ومنها اتفاقيات جينيف لحماية ضحايا الحروب الموقعة فى 12 أغسطس سنة 1949 والتى تشمل اتفاقية تحسين حالة الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة فى الميدان، واتفاقية تحسين حالة المرضى والغرقى بالقوات المسلحة فى البحار، والاتفاقية الخاصة بمعاملة الأسرى والبروتوكولات الملحقة بها، والاتفاقية الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، ومصر طرف فى تلك الاتفاقيات وتم الموافقة عليها بالمرسوم بالقانون رقم 69 لسنة 1952.
الاتفاقيات الدولية كفلت حماية الأسرى والجرحى أثناء الحرب
وقد تضمنت المادة (12) من اتفاقية جينيف بشأن معاملة أسرى الحرب اعتبار أسرى الحرب تحت سلطة دولة العدو لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التى أسرتهم، وجعلت الدولة الحاجزة للأسرى مسئولة عن كيفية معاملتهم دون الإخلال بالمسـئوليات الفردية لأفراد قـــــواتها المسلحة وتنص المادة (13) من تلك الاتفــــاقية على أن: يجب أن يعامل أسرى الحرب فى جميع الأوقات معاملة إنسانية، وأى عمل أو سهو غير مشروع يصدر من الدولة الحاجزة ويتسبب عنه موت أسير فى حراستها أو تعريض صحته للخطر يعتبر محظوراً، ومن المحظور الالتجاء إلى إجراءات الأخذ بالثأر ضد أسرى الحرب .
وذكرت "المحكمة": واشترطت الاتفاقية معاملة أسرى الحرب معاملة حسنة من حيث الطعام والرعاية الصحية والملبس والإقامة والنقل، وتنص المادة (126) من تلك الاتفاقية على أن: كل وفاة أو إصابة خطيرة تقع لأسير أو يشتبه أن تكون قد وقعت بواسطة حارس أو أسير حرب أو شخص أخر، وكذلك الوفاة التى لا يعرف سببها يجب أن يعمل تحقيق عاجل بشأنها بواسطة الدولة الحاجزة، ويرسل إخطار عن هذا الموضوع فوراً إلى الدولة الحامية، وتؤخذ أقوال الشهود وخصوصاً أسرى الحرب ويعمل تقرير يتضمن هذه الأقوال ويرسل إلى الدولة الحامية، وإذا أثبت التحقيق إدانة شخص أو أكثر فعلى الدولة الحاجزة اتخاذ جميع الإجراءات القضائية ضد الشخص أو الأشخاص المسئولين .
كفلت اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب
كما كفلت اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب حقوق الأشخاص غير العسكريين أثناء الحرب أو فى حالة وجود احتلال جزئى أو كلى لأراضى إحدى الدول الأطراف، فيتعين معاملتهم معاملة إنسانية وحظرت القيام بأعمال عنف أو عدوان على حياتهم أو الاعتداء على كرامتهم ،فتنص المادة (27) على أن للأشخاص المحميين فى جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية، ويعاملوا فى كل الأوقات معاملة إنسانية، وتنص المادة (31) من الاتفاقية على أن: لا يجوز استعمال الإكراه البدنى أو المعنوى ضد الأشخاص المحميين، كما تنص المادة (32) على أن: يتفق الأطراف على الأخص على أنه من المحظور على أى منهم أن يتخذ إجراءات من شأنها أن تسبب التعذيب البدنى أو إبادة الأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطته، ولا يقتصر هذا الحظر فقط على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية، ولكنه يشمل أى إجراءات وحشية أخرى.
وتنص المادة (146) من الاتفاقية على أن: يتعهد الأطراف السامون المتعاقدون باتخاذ أى تشريع يلزم لفرض عقوبات فعالة على الأشخاص الذين يرتكبون مخالفات خطيرة لهذه الاتفاقية، أو يأمرون بها، ويلتزم كل طرف من الأطراف السامين المتعاقدين بالبحث عن الأشخاص المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الخطيرة أو أمروا بها وأن يقدم هؤلاء الأشخاص بغض النظر عن جنسيتهم إلى محاكمة، ويجوز له أيضا أن يسلم مثل هؤلاء الأشخاص إلى طرف آخر من الأطراف السامين المتعاقدين ذوى الشأن لمحاكمتهم.
جرائم ومخالفات تصدى لها القانون الدولى والإتفاقيات الدولية
وتنص المادة (147) على أن المخالفات الخطيرة التى تشير إليها المادة السابقة هى التى تتضمن أحد الأعمال الآتية: إذا اقترفت ضد أشخاص أو ممتلكات تحميها الاتفاقية: القتل العمد، التعذيب أو المعاملة البعيدة عن الإنسانية الأعمال التى تسبب عمداً آلاما شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو الصحة، الاعتقال غير القانوني، أو التدمير الشامل للممتلكات أو الاستيلاء عليها دون ضرورة حربية أو بكيفية غير مشروعة أو استبدادية، وحظرت المادة (148) على أحد أطراف الاتفاقية أن يخلى نفسه من المسئولية عن المخالفات المنصوص عليها فى المادة السابقة، ونظمت المادة (149) إجراء التحقيق بصدد الإدعاءات بخرق الاتفاقية بناء على طلب أحد أطراف النزاع حيث تنص على أن: يجرى التحقيق بالطريقة التى تتقرر بين الأطراف ذوى الشأن بصدد أى ادعاء بخرق الاتفاقية وذلك لدى طلب أحد أطراف النزاع، فإذا لم يكن قد وضع اتفاق بشأن إجراءات التحقيق يتفق أطراف النزاع على انتخاب حكم يتولى تقرير الإجراءات التى تتبع.
الوقائع حسبما وردت في الأوراق
وفى هذا السياق – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى – وكشفت أوراق الدعوى في ذلك التوقيت أن أفراداً من جيش الاحتلال الإسرائيلى ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب الأسرى المصريين من العسكريين بعد وقوعهم فى الأسر عام 1956 وعام 1967، وقتلوا وعذبوا مواطنين مدنيين ليست لهم صفة عسكرية من الموظفين والعمال والأفراد العاديين، حسبما كشفت الأوراق عن طرف من تلك الأعمال، كما أفصح بعض أفراد الجيش الإسرائيلى لوسائل الإعلام الإسرائيلية عن ارتكابهم تلك المجازر الوحشية فى حق أبناء مصر، كما أن الجيش الإسرائيلى ارتكب جرائم قتل للمدنيين المصريين فى مدن القناة ودمر مساكن وممتلكات المواطنين عام 1967 وأثناء حرب الاستنزاف.
ويؤكد "الجعفرى" في تصريحات لـ"برلماني": وهى أعمال تشكل جرائم حرب وإبادة للجنس البشرى، وقد ارتكبت تلك الأعمال فى حروب عدوانية غير مشروعة وفقاً للقاون الدولى ولا تسقط تلك الجرائم بالتقادم ولا يفلت من ارتكبها من العقاب ولا يسقط حق المواطنين المضرورين والدولة المعتدى عليها فى التعويض عن الأضرار التى نتجت عن العدوان طبقاً لأحكام القانون الدولى، كما لا تسقط بالتقادم وفقاً لأحكام القانون الداخلى المصرى طبقاً لنص المادة (57) من الدستور الصادر عام 1971 والمادة (99) من الدستور الحالى لأنها جرائم وقعت عدوانا على حرمة حياة المواطنين المصريين فلا مجال للادعاء بسقوط الدعوى الجنائية أو المدنية فى هذا الشأن .
اتفاقيـات جنيف تشترك مصـر وإسرائـيل فى الانضمام إليهـا
ويشير الخبير القانوني: واتفاقيـات جنيف تشترك مصـر وإسرائـيل فى الانضمام إليهـا كانت أثناء الحرب مع إسرائيل - وما زالت بعـد انتهاء الحـرب - توفر آليــــة لإجبار إسرائيل على التحقيق مع مجـرمى الحــرب الإسرائيليين الذين ارتكبــوا جــــرائـم ضـــد الأسرى المصريين وضــد المواطنين المصريين المدنيين وعلى محاكمتهم عن تلك الجــرائـــم، كما أن معاهـدة السلام بيــن مصر و إسرائيل المبرمة بتاريخ 26/3/1979 تنــص فى المــادة الثامـنــة على أن: يتفـق الطرفان على إنشــاء لجـنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافــــــة المطالبات المالية، ويحق لمصر أن تطلب تفعيل تلك المادة وبتشكيل لجنة لتعــــويض الأضرار التى أصابت الأســــرى والمدنيـين المصـــريين الأحياء الذيـن تعرضـــوا لجـرائـم حـرب أو أضـيرت أموالهـم، ولتعويض ذوى الأسـرى والمدنيين الـذين قتلوا أثناء الحروب مع إسرائيل، إلى غير ذلك من الوسائل المقررة فى القانون الدولى لمطالبة إسرائيل بمحاكمة مجرمى الحرب وبتعويض الأضرار التى أصابت المواطنين المصريين.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى
وقائع للفيلم الوثائقى "روح شاكيد"
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن رد وزارة الخارجية على الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه الوارد بكتاب مدير الإدارة القضائية بالوزارة رقم 500 بتاريخ 7/9/2007 تضمن أن الحكومة المصرية شكلت فى نهاية عام 1995 لجنة قومية لإعداد ملف حول قتل الأسرى المصريين خلال حربى عامى 1956 و1967، وانتهت اللجنة إلى ضرورة وجود معلومات وبيانات وأدلة دقيقة موثقة حتى يمكن المضى قدما فى إثبات مسئولية إسرائيل ومحاكمة المتهمين، وأن وزارة الخارجية فور بث التليفزيون الإسرائيلي للفيلم الوثائقى روح شاكيد حول مقتل 250 جنديا مصريا خلال حرب 1967 على أيدى الجيش الإسرائيلى، قامت باستدعاء السفير الإسرائيلى بالقاهرة فى 4 مارس 2007 لمطالبة إسرائيـل بتقديم إيضاحات حول الفيلم وماورد به من وقائع وأحداث، وأنه تم تكليف السفارة المصرية فى تل أبيب فى اليوم المشار إليه بتحرك مماثل مع وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأن وزير الخارجية المصرية فى اجتماعه مع وزير الخارجية الإسرائيلي بتاريخ 6 مارس سنة 2007 فى بروكسل طلب أن تجرى الحكومة الإسرائيلية تحقيقا فورياً حول ما ورد بالفيلم من وقائع والموافاة بالنتيجة.
وطلب نسخة كاملة من الفيلم الوثائقى، وأنه بعد مشاهدة الفيلم فى وزارة الخارجية أرسل وزير الخارجية مذكرة شديدة اللهجة إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية طالب فيها بتقديم إيضاحات رسمية حول ما أذيع من مشاهد بالفيلم عكست عدم التزام إسرائيل بقواعد وقوانين وأعراف الحروب، وطلب ضرورة موافاة مصر بنتائج التحقيقات حول مقتل الأسرى، كما أن وزارة الخارجية أرسلت خطابا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 21/3/2007 طلبت فيه موافاتها بالمعلومات والوثائق التى قد تتوافر لديها حول معاملة الأسرى المصريين فى حربى 1956 و 1967 وجاء رد اللجنة بعدم وجود معلومات لديها، كما تضمن كتاب وزارة الخارجية المشار إليه أن اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 توفر لمصر الحق فى مطالبة إسرائيل بإجراء التحقيق فى الإدعاءات بقتل الأسرى المصريين وتلزم إسرائيل بإجراء التحقيق وملاحقة المتهمين.
المحكمة تؤكد على حقوق الشهداء والأسرى
وعادت المحكمة مرة أخرى لتؤكد في حيثيات الحكم: ولا توجـد صلة بين إقامة مقابر للشهداء أو للجندى المجهول فى قيادات الجيوش والمناطق العسكرية وبين المطالبة بحقوق أبناء الوطن الذين استجابوا لنداء الشرف والواجب وكانوا ضمن أفراد القوات المسلحة فى الحروب المشار إليها وقدموا أنفسهم وأرواحهم دفاعا عن الوطن وقتلوا غدراً وغيلة أثناء الأسر أو عذبوا وأهينوا على خلاف ما تقضى به أحكام القانون الدولى والاتفاقيات الدولية فى هذا الشأن، فحقهم أن يقتص لهم ممن قتلهم أو ممن عذب وأساء معاملة الأحياء منهم.
وتضيف "المحكمة": وأن يحصل ورثة الشهداء على تعويض عن الأضرار التى أصابتهم بسبب قتل مورثيهم، وأن يحصل الأحياء من الأسرى أو ورثة من توفى منهم على تعويض عن الأضرار التى حاقت بهم، وبناء القبور لا يغنى عن تحصيل الحقوق، والتكريم الصحيح للشهداء من الأسرى يكون بعقاب من قتلهم غدراً وبإلزام دولة العدوان بتعويض ذويهم ، حتى لا يتجرأ أحد على ارتكاب مثل تلك الجرائم فى حق جيش مصر، أما إذا هان المواطن المصرى على دولته فإنه يهون على الدول الأخرى .