لا تزال الإشادات مستمرة حول نتائج مؤتمر المناخ بعد أن وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) في دبي، على خارطة طريق "للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري" - وهي المرة الأولى من نوعها في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ - لكن برغم ذلك فإن الاتفاق لا يزال مقصرا بشأن الدعوة التي طال انتظارها "للتخلص التدريجي" من النفط والفحم والغاز.
ويمر العالم الأن برغبة عارمة في تخضير كل شيئ حتي لو اقتصر ذلك على تخضير المسميات فقط بغض النظر عن مدي قابلية أو تكلفة ذلك التخضير، ولكن الأحلام مشروعة على أية حال، فقد انتهت قمة المناخ في نسختها الثامنة والعشرين - COP28 - المنعقدة في دبي - ويدور الحديث عن مبادرات عديدة كلها حديثة العهد على أسماعنا، حيث الحديث عن التجارة الخضراء وعن التمويل الأخضر، والاقتصاد الأخضر، وعن السفن الخضراء، والشحن الأخضر، وعن الصناعة الخضراء، وعن الفولاذ الأخضر والتعدين الأخضر/المسئول، والوظائف الخضراء، وعن البناء الأخضر، والابتكار الأخضر والوقود الأخضر وغيره.
مفاهيم جديدة حول تخضر العالم
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على تخضير العالم - COP28 – والمسميات والمفاهيم الجديدة حول مسألة التخضير، والتكلفة المرتفعة للغاية لتخضير الصناعات والطاقة نظرا لارتفاع أسعار التكنولوجيا الخاصة بها فضلا عن فجوة التمويل اللازمة لتوفير تلك الميزانيات الضخمة، خاصة وأنه لا يزال يشكل الوقود الأحفوري مصدرا هاما لاقتصاديات العديد من الدول الريعية وغيرها وهو ما يستتبع زيادة الانبعاثات الكربونية الحرارية وهو ما يفسر لماذا العالم متأخر بمعدل 23 مليون طن كربون كان مفترضا التخلص منهم تدريجيا – بحسب الدكتور أمنية طاهر جادالله، مدرس مساعد القانون التجاري بجامعة الأزهر.
في البداية - التجارة الخضراء يقصد بها الممارسات التجارية الصديقة للبيئة ولا ينتج عنها أضرار للنظام البيئي كالطاقة النظيفة وتقنياتها والمنتجات والخدمات الخضراء، كما يقصدون بالفولاذ الأخضر أنه الفولاذ المصنوع بإنبعاثات غير كربونية وبشكل مستدام، لكي يتم تصنيع السفن به واستخدامها في السفن الخضراء والشحن الأخضر لتخفيف أضرار المعادن على المياة والكائنات البحرية، والاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى تقليل المخاطر البيئية ويعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة من دون الإضرار بالبيئة، والتمويل الأخضر المخصص لتمويل المشروعات الخضراء الصديقة للبيئة ما بين اختلاف بين مؤسسات التمويل الدولية في ادراج الطاقة النويية كطاقة نظيفة من عدمه، والوظائف الخضراء التي أوجدتها تلك المشروعات – وفقا لـ"جاد الله".
إشكاليات وخطورة أجهزة "التكييف" على البيئة
كما يتحدثون عن تقليل استهلاك الكهرباء للتبريد وأتصور أن المقصود به دولنا العربية الموجود التكييف فيها في كل مكان وخاصة دول الخليج، وقد تم اطلاق مئات المبادرات وتم تأسيس تحالفات وصناديق استثمار خضراء من أجل الوصول لعالم أخضر نظيف صديق للبيئة، وكنا نسمع عن تبييض الوجه، وحاليا أصبحت تخضير الوجه "Greenwash"، حيث تقوم الشركات المعادية للبيئة بمخرجاتها بالقيام بأعمال للصالح العام تغطي بها سوءاتها، وكأنها مقابلا لما قامت بإفساده في البيئة أو وضع ملصق "صديق للبيئة" على منتجاتها فتزيد مبيعاتها بشكل ملحوظ حتى لو لم تكن تلك المنتجات صديقة للبيئة – الكلام لـ"جاد الله".
كما قامت - ولا تزال- العديد من المؤسسات المحلية والدولية بإعادة صياغة ومراجعة سياساتها واستراتيجياتها لتتضمن البعد البيئي والترويج لنفسها على أنها صديقة للبيئة حتى لو كانت مؤسسات بترولية، والهدف منذ أن انعقدت قمة باريس 2015 - الناجم عنها اتفاقية باريس لتغير المناخ - تقليل ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية الى ما كان عليه الوضع قبل العصر الصناعي وبدء الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري كالبترول والفحم وغيرهم، حيث زاد ارتفاع سطح البحر نتيجة ذلك الاحتباس الحراري الذي أدي لذوبان كتل جليدية كبيرة، مما يهدد مدن ساحلية كثيرة وأثر بالفعل على انجراف شواطئ وغرق جزر وتشريد الكثير من المواطنين فيها – هكذا يقول "جاد الله".
العقبة الأكبر في كل ذلك هي التكلفة المرتفعة للغاية لتخضير الصناعات والطاقة
وتعد العقبة الأكبر في كل ذلك هي التكلفة المرتفعة للغاية لتخضير الصناعات والطاقة نظرا لإرتفاع أسعار التكنولوجيا الخاصة بها فضلا عن فجوة التمويل اللازمة لتوفير تلك الميزانيات الضخمة، فعلى سبيل المثال حيث حد برنامج الأمم المتحدة للبيئة فجوة في تمويل برنامج التكيف فقط الذي أطلقته اتفاقية باريس - خلافا للبرامج الأخرى المطلوب تنفيذها - حوالي 387 مليار دولار، ويدور النقاش بين الأوساط الدينية عن مدى جواز تخصيص جزء من موارد الزكاة لمقاومة تأثيرات تغير المناخ، وأتصور نبوع ذلك من كون مقاصد الشريعة أولها حفظ النفس وتبعات تغير المناخ وآثاره على كوكب الأرض ومصير البشرية جمعاء، وتأتي التصريحات الهامة المتعاقبة لشيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب تؤكد على أهمية مكافحة تغيرات المناخ وعن دور الدين في ترشيد استهلاك الموارد البيئية – طبقا لمدرس مساعد القانون التجاري بجامعة الأزهر.
فضلا عن ذلك، لا يزال يشكل الوقود الأحفوري مصدرا هاما لاقتصاديات العديد من الدول الريعية وغيرها وهو ما يستتبع زيادة الانبعاثات الكربونية الحرارية وهو ما يفسر لماذا العالم متأخر بمعدل 23 مليون طن كربون كان مفترضا التخلص منهم تدريجيا، وعلى رأس معارضة التخلص من البترول والغاز الدول الخليجية حيث تترأس السعودية معارضة التخلص التدريجي والكامل لهم، مما أدى لزيادة وقت قمة المناخ ودفع المؤتمر إلى مفاوضات ماراثونية حول النص النهائي، ومسودة الاتفاقية الأخيرة المعروضة للتوقيع عليها للأسف لا تتضمن التخلص من النفط والغاز، وتجعل مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية 3 مرات مجرد توصية، وليس التزاما كما كان مقترحا في بداية القمة.
فقد صرحت السعودية خلال المؤتمر إلى أنها ببساطة لن توقع على اتفاق يتضمن التخلص من النفط والغاز، الذي يمثل ما يصل إلى 45٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، حيث عارض الاتحاد الأوروبي والدول الجزرية الصغيرة، التي وصفت ذلك الموقف بأنه "مثير للجدل"، و"مخيب للآمال بشدة"، و"يحيد عن الهدف"، وجدير بالذكر أن التصويت بـ "لا" من حوالي 200 دولة مشاركة يعني عدم وجود اتفاق ولم تنتهي المفاوضات حول الاتفاق النهائي حتى أخر يوم بالمؤتمر.
نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)
وأوضحت نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) الحاجة إلى تقليل 43% من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030 و60% بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى 2019، والحاجة إلى تعزيز الدعم والتمويل للبلدان النامية باعتبارها عامل تمكين حاسم للعمل المناخي، ووجوب ترجمة هذه الإشارات إلى تحول اقتصادي حقيقي، ينعكس في المساهمات المحددة وطنيا للتخلص من الكربون، ويدعمها التشريعات والعمل المناخي الفعال على جميع المستويات وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار بدعم مالي، كما سلطت النتائج الضوء على أهمية الحفاظ على الطبيعة والنظم الإيكولوجية وحمايتها واستعادتها وتعزيز الجهود لوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات، بما يتماشى مع إطار مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي.
وقد عبر بعض النشطاء عن احتجاجاتهم لانعقاد قمة المناخ في دولة بترولية، كما أن رئيس القمة هو رئيس شركة أدنوك للبترول، كما يعبر بعض النشطاء عن سخريتهم من قمم المناخ باستخدام موقع الكتروني يبين عدد الطائرات المحلقة من وإلى الإمارات العربية المتحدة في خلال مدة قمة المناخ معلقين "أنتم تلوثوا المناخ أكثر بسفرياتكم"، ولذلك التعليق وجاهه يمكن العمل وفقا له بترشيد كافة الجهات والمؤسسات المشاركة في قمة المناخ عن طريق تحديد عدد محدد للحضور والتمثيل، ويكون معني بكتابة تقرير لمؤسسته وأفراده بما تم في القمة وما تمت الاستفادة منه وكيف للمؤسسة أن تعمل في ضوء ما تم الاتفاق عليه، فقد أصبحت إمكانية الحضور الإفتراضي متاحة وممكنة وتغني عن الكثير من التكاليف والإنبعاثات الكربونية المتزايدة من كثرة الأسفار.
الجهود الدولية في إطار قانوني لمكافحة تغير المناخ
وبشأن الجهود الدولية في إطار قانوني لمكافحة تغير المناخ، قدمت لجنة الدول الجزرية الصغيرة المعنية بتغير المناخ والقانون الدولي (COSIS) والتي تعاني من تبعات تغير المناخ طلبًا للحصول على رأي استشاري من المحكمة الدولية للأمم المتحدة لقانون البحار (ITLOS) - مقرها ألمانيا - هامبورج- في ديسمبر 2022، ويتناول الطلب التزامات الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بمنع تلوث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه والحفاظ عليه وحمايته فيما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ، وانعقدت جلسات المرافعة للرأي الاستشاري – في سبتمبر الماضي.
وفي يناير 2023، قدمت تشيلي وكولومبيا طلبًا للحصول على رأي استشاري في محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (IACthR) حول نطاق التزامات الدولة فيما يتعلق بتغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بالمسؤوليات المشتركة بين البلدان، وفي مارس 2023، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) قرارًا بالإجماع يطرح مجموعة من الأسئلة حول مسؤوليات الدول عن تغير المناخ على محكمة العدل الدولية (ICJ)، وأفصحت مبادرة من مؤسسات المجتمع المدني الأفريقي عن عزمها على طلب رأي استشاري من المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن التزامات حقوق الإنسان للدول الأفريقية فيما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ، حيث تعد قارة إفريقيا هي القارة الأكثر تأثرا بتغير المناخ رغم أنها الأقل اسهاما في الإنبعاثات الحرارية.
وهناك تشكيك في مدى جدوى تلك الأراء الاستشارية لكونها غير ملزمة، ولكن على أية حال سترسم إطار الالتزامات والحقوق للدول وعلى رأسهم الدول الأكثر تضررا من تبعات تغير المناخ وتعلق الأوساط العلمية والقانونية الأكاديمية والعملية الآمال على الرأي الاستشاري لمحكمة الأمم المتحدة للقانون الدولي للبحار باعتبارها محكمة متخصصة قضاتها ضليعون ذو خبرة علمية وعملية في القانون الدولي للبحار، وأتصور أن تلك الأراء الاستشارية بمجرد تحديدها التزامات الدول ستكون سندا لكثير من القضايا في هذا الخصوص، وختاما ستظل العدالة المناخية هي التحدي الحقيقي للقرن الحالي الذي سيتوقف عليه مصير البشرية جمعاء، ويتوجب علينا جميعا العمل سويا لتحقيق ذلك – وفقا لـ"جاد الله".