حلم "الغرب والحرية" والذى راود كثير من أبناء المجتمعات العربية تحول إلى كابوس على وقع الحرب الإسرائيلية في غزة، فلم يعد من حق العرب والمسلمين التعبير عن آرائهم ولم يعد من حق المتعاطفين إظهار تعاطفهم، فكل ما هو ضد جرائم تل أبيب ممنوع من الظهور، وتحول الحكام أصحاب الحريات والديمقراطيات إلى نماذج لأعتى الديكتاتوريات في العالم.
ما شهدته جامعة هارفارد العريقة - والتي يلهث ورائها مئات الآلاف من الطلبة حول العالم - خلال الـ120 يوم الماضية هي مجرد نموذج لأكاذيب الغرب عن حريته المزعومة، تلك الجامعة التي تعتبر منارة عالمية في العلم قمعت طلابها وحرمتهم التعاطف مع فلسطين والأبرياء في قطاع غزة، ليس هذا فحسب بل هددت البعض بتوقيع عوقبات وحرمانهم من اللحاق بوظائف في أكبر الشركات بعد التخرج.
تهديدات إدارة الجامعة لم تفلح في إرهاب القاعدة المتعاطفة مع القطاع المنكوب حيث أخذت في الزيادة، حتى بدأت الجامعة تخسر مصداقياتها وسمعتها، بل إنها أخذت تخسر دعم بعض رجال الأعمال الداعمين لها، حيث كان إعلان الملياردير كينيث جريفين، وقف تمويله للمؤسسة التعليمية بمثابة زلزال رج جميع أركانها، وقال الملياردير أن سبب موقفه هو الطريقة التي تعاملت بها مع مسألة معاداة السامية داخل الحرم الجامعي وأزمة أوسع على مستوى القيادة.
جريفين الذي تبرع بأكثر من نصف مليار دولار لجامعة هارفارد أخبر الحاضرين في مؤتمر جمعية الصناديق المدارة في ميامي الثلاثاء الماضى، أنه توقف عن التبرع في الوقت الحالي، وتصدر جريفين العناوين في إبريل 2023، عندما تبرع بمبلغ 300 مليون دولار لكلية الآداب والعلوم بجامعة هارفارد، ما رفع إجمالي مساهماته المالية لأكثر من نصف مليار دولار.
خسارة جامعة هارفارد هي نفس الخسارة التي خسرتها الدول الغربية عندما قررت دعم جرائم إسرائيل والتغاضى عن سماع أنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو مانجح فيه الطلبة الذين شكلوا مجموعات مختلفة لدعم القضية الفلسطينية وتصدوا لتهديدات الجامعة حتى بدأ المملون يلتفتون إلى مطالبهم.
وفى منتصف يناير شكّل أكثر من 65 من أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين بجامعة هارفارد، مجموعة من أجل العدالة لفلسطين، ودعا مؤسسو المجموعة، إلى قطع العلاقات مع الاحتلال، وإدانة الإبادة الجماعية التي تجرى بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وانتقد بيان صدر عن المجموعة، رد جامعة هارفارد، على النشاطات المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي، واتهموها بممارسة رقابة منهجية وتأديبية بحق الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، بسبب خطابات انتقاد الاحتلال، ورفضت الإجراءات العقابية بحق الطلبة الذين تظاهروا ضد جرائم الاحتلال في غزة.
ودعت المجموعة "هارفارد" والجامعات الأمريكية، إلى قطع العلاقات المالية مع الاحتلال، لافتة إلى أن الجامعات تلعب دورا أساسيا في دعم عنف "إسرائيل" بحق الفلسطينيين، وشدد البيان على أنه لا يمكن فصل الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة، عن أكثر من 75 عاما من السلب العنيف للشعب الفلسطيني.
وطالبت المجموعة الجامعة بقطع علاقاتها مع الجهات المانحة "التي تحاول السيطرة على الخطاب داخل الحرم الجامعي أو فرض رقابة عليه" أو الترويج لرد فعل عنيف متعلق بالحياة المهنية ضد الشركات التابعة لجامعة هارفارد المؤيدة لفلسطين، وكتبت المجموعة: "إن قبول التبرعات المشروطة بقمع الأفكار والتعبير في حرمنا الجامعي يتناقض مع مهمة الجامعة".
الكونجرس أيضا دخل على خط الأزمة، فعندما أصدر ائتلاف يضم 34 منظمة طلابية بالجامعة بياناً اعتبر فيه أن هجوم حركة "حماس" ضد إسرائيل "لم يأت من فراغ" ويحمّل "النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن جميع أعمال العنف المنتشرة”، بعد عقود من الاحتلال، مؤكداً أن "نظام الفصل العنصري هو المسؤول الوحيد".
البيان أثار ردود فعل غاضبة في وسائل الإعلام الأمريكية ومن سياسيين تخرجوا في الجامعة على غرار عضو مجلس الشيوخ تيد كروز الذي اتهم الموقعين على البيان بـ"دعم الإرهابيين"، والنائبة إليز ستفيانيك التي طالبت الجامعة بإدانة البيان.
من جانبها أعلنت كلودين جاي، رئيسة الجامعة، أن البيان المؤيد للفلسطينيين، "لا يعبّر عن المؤسسة التعليمية ككل، أو قيادتها"، لكنها قالت في بيان: "دعوني أؤكد أيضاً أنه بينما يحقّ لطلابنا التحدث بالنيابة عن أنفسهم، ينبغي ألا تتحدث أي مجموعة طلابية أو حتى 30 مجموعة باسم جامعة هارفارد، أو قيادتها".
الأزمة المالية التي قد تمر بها جامعة هارفارد خصوصا لو تأثر متبرعين آخرين بقرار جريفين تكشف ضعف الرواية الغربية، وانهيار صورتهم كمدافعين عن الحريات، بعد أن انكشفت الأقنعة في حرب غزة.