لم يقتصر الاعتراض على ممارسات الكيان الصهيوني في حق أهل غزة بدعم أمريكي غير محدود، على تعالي أصوات الهتافات والتنديد بالأمر في كافة المحافل فحسب، بل أنه أخذ شكل آخر عندما قرر جندي أمريكي إشعال النيران في جسده أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن مما تسبب في وفاته، وهى الواقعة التي علق عليها أساتذة القانون الدولى والعلوم السياسية حيث علق الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون، والخبير في النزاعات الدولية، على وفاة الجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية احتجاجًا على دعم بلاده لجرائم الاحتلال.
وقال مهران في تصريح خاص، إن ما قام به هذا الجندي الأمريكي يعكس مدى الاستياء العميق داخل المجتمع الأمريكي والعالم من الدور الذي تلعبه أمريكا في دعم الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن تصرف هذا الجندي يعبّر عن رفض جزء كبير من الشعب الأمريكي للجرائم التي ترتكبها إسرائيل بدعم من حكومتهم.
انتهاكًا صارخًا لأبسط قواعد القانون الدولي
وأكد أن ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني يُعد انتهاكًا صارخًا لأبسط قواعد القانون الدولي، مشددا علي أن إسرائيل ارتكبت جرائم ابادة جماعية بشكل واضح، كما تنتهك بشكل ممنهج حظر استخدام القوة المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، هذا بالإضافة الي انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات.
وأضاف الخبير الدولي، أن كل ذلك يدخل ضمن تعريف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، لكن دون جدوى بسبب حصانة الولايات المتحدة وحمايتها لإسرائيل.
وأشار الدكتور مهران إلى الدور السلبي الذي تلعبه الولايات المتحدة في تعطيل جهود مجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين في فلسطين، لافتا إلي انه مازال يتكرر سيناريو منع إصدار أي قرار يدين إسرائيل باستخدام الفيتو الأمريكي، في إهدار صارخ لمسؤولية المجلس ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين.
واستطرد "للأسف، تتحكم أمريكا في عمل المجلس وتوجهه لخدمة مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل على حساب معاناة ودماء الشعب الفلسطيني.. وأمام هذا الواقع المرير، يتعين اللجوء لآليات قانونية بديلة كالجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية، وفرض كل الدول بشكل احادي عقوبات اقتصادية وسياسية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في ظل فشل مجلس الأمن".
موجة غضب شعبية واسعة
واستكمل مهران قائلا: رغم مرور عقود على غطاء الحصانة الأمريكية لإسرائيل، إلا أن هناك الآن موجة غضب شعبية واسعة داخل الولايات المتحدة ضد هذه السياسة الأحادية المتحيزة"، ومضيفاً: لقد آن الأوان لكي تستمع الإدارة الأمريكية لنداءات شعبها الرافضة لهذا الوضع المخزي، فلا يمكن أن تظل أمريكا في موقع المتهم المتواطئ مع جرائم ضد الإنسانية دون أدنى مسؤولية أخلاقية.
وحذر من تفاقم هذه الموجة مع كل جريمة ترتكبها إسرائيل، الأمر الذي سيدفع في النهاية إلى إعادة النظر في الدور الأمريكي المشبوه تجاه القضية الفلسطينية، مشددا علي أن الشعوب لن تقبل الظلم إلى الأبد والحقيقة لابد أن تنتصر في نهاية المطاف مهما طال الزمن وبذلك سوف تنهي امريكا علي نفسها.
وشدد أستاذ القانون الدولي على ضرورة اعادة المسؤولين الأمريكيين النظر في سياساتهم الأحادية الجانب تجاه إسرائيل، وأن يقفوا موقف الحياد الذي يليق بمكانة أمريكا كدولة عظمى، ومناشدا المجتمع المدني الأمريكي ممارسة المزيد من الضغوط لوقف هذا الوضع غير القانوني وغير الأخلاقي الرافض لكل قيم العدالة والإنصاف.
وفى ذات الإطار، علق طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، على وفاة الجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية احتجاجًا على دعم بلاده لجرائم الاحتلال، بقوله إن وفاة الطيار اعتراضا على الممارسات العنصرية الاجرامية والتواطؤ الأمريكي الذى يوفر لها قوة استمرار المآسي، إنتصارا للقيم الإنسانية وإعلاء لقيمة الإنسان أينما كان رغم جنسه ولونه ومعتقده وأرضه.
وأضاف "البرديسي" في تصريح خاص، أن إسرائيل تحارب غزة بدعم غير محدود من أمريكا، حيث تمدها بالأسلحة والمساعدات اللازمة باستمرار دون حساب، ولم تترك أمريكا إسرائيل تواجه الغزاوين بمفردها رغم بساطة أسلحة المقاومة، وهو الأمر المعروف للكافة، ويواجه اعتراض الكثيرين، وجاء الاعتراض حاليا من داخلهم في واقعة وفاة الجندى الأمريكي الذى أشعل النيران في جسده احتجاجا على الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني.
ضمير الإنسانية حي
فيما علق طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية، على وفاة الجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية احتجاجًا على دعم بلاده لجرائم الاحتلال، بقوله إن الموقف له عدة دلالات، جزء منها هو رفض التعامل مع القضية الفلسطينية بهذا الشكل، وتكمن قيمة الواقعة في أن من قام بها هو جندي عامل، وليس شخصية سابقة أو غيره لكن اعتراضهم لممارسة جيش الاحتلال بدعم الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكد على أن ضمير الإنسانية حي، والإنسان يملك قدرات وإمكانيات للتعامل مع الأمر بصورة أو بأخرى.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في تصريح خاص لـ "اليوم السابع" أن القضية ليس مجرد جندي أشعل النيران في نفسه لكن اعتراض جندي على ما يجري في المعادلة الحالية، مشيرا إلى أن هذا الحادث يدعو للتأمل حيث أن هناك اعتراضات داخل بعض الجيوش على الممارسات الإجرامية التي يقوم بها جيش الاحتلال.