الطلاق فى نهار رمضان - أرشيفية
شهر رمضان المعظم من الأشهر الفضيلة التى لها قدسية خاصة لدى المسلمين، ونتيجة لهذا الأمر تحتاج إلى بعض الفتاوى والمشورة، للالتزام والحفاظ على العبادة فيه، وبسبب خوف البعض من عدم اكتمال عبادته، يتبادر دائماَ فى الأذهان بعض الأمور المتعلقة بالحياة الزوجية منها هل يجوز الطلاق فى شهر رمضان أو أن "أبغض الحلال"، هو من المحرمات التى تتعارض مع روحية الشهر الفضيل؟
وبحلول شهر رمضان المعظم، تتجدد بصفة مستمرة التساؤلات حول الأحكام الشرعية التى تضع ضوابط محددة للتعامل داخل الأسرة وخاصة بين الزوجين فى مختلف جوانب الحياة، منها الانفصال، ومدى صحة وقوع الطلاق فى نهار رمضان، خاصة وأن البعض يدعى مقولة: "خلقى ضيق بسبب الصيام"، وذلك على الرغم من أن الله تعالى فرض الصوم تهذيبا للنفوس، وتقوية للأبدان، وترسيخا للإيمان والتقوى ومكارم الأخلاق فى نفس المسلم وسلوكه، حتى تصفو روحه ويُشرق الإيمان فى قلبه، وترتقى أخلاقه ليُحقق تقوى الله فى السر والعلن.
هل يؤثر الصيام على أعصاب الصائم؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تقع فيها العديد من الأسرة المسلمة خاصة وأن هناك من يحرم هذا الأمر فى شهر رمضان وهناك من يجيزه، ويُعتبر هذا السؤال من الأسئلة التى تتكرر بشكل مستمر مع بداية شهر رمضان الكريم وهو.. هل يجوز الطلاق أو الخلع فى رمضان؟ كغيرها من الأسئلة التى تهم الآسرة المصرية، وذلك بغرض التعرف على أن هل الصيام يؤثر على الشخص وعلى حالته النفسية فى مسألة الطلاق من عدمه أو حتى فى حالة خلع الزوجة لزوجها حيث يعتقد الكثيرون أن الطلاق خلال شهر رمضان "باطل"، خصوصًا وأن المأذون أحيانًا ما يحاول إيصال هذه الفكرة لعدم هدم البيت.
لا علاقة بين رمضان والطلاق
فى هذا الصدد، يقول محمود البدوى المحامى بالنقض والدستورية العليا، والخبير الحقوقى، أنه أولاً يجب أن يتم الفصل كلياً بين شهر رمضان المعظم وبين فكرة إيقاع الطلاق شرعاً وقانوناً أيضاً، إذ أنه لا علاقة بين رمضان والطلاق، ذلك أن الطلاق هو عقد رضائى يرجع إلى إرادة طرفيه فى استكماله وفقاً لشروطه المتعارف عليها شرعاً أو فصم عرى هذا العقد أو تلك العلاقة، فيحق لطرفى هذا العقد استكماله أو عدمه، وبناء على ما يراه طرفاه، وبناء على قدرتهم على الصبر والتحمّل، وإن كان القرآن الكريم قد حثّنا على الصبر إلى أبعد ما يكون وعدم العصف بكيان الأسرة نتيجة طيش أو غضب أو هوى أو حتى خلاف يمين رأب الصدع الناشئ عنه، حفاظاً على كيان الأسر بوصفها اللبنة الأساسية للمجتمع.
الطلاق كسائر المعاملات
وحتى من الناحية القانونية – وفقا لـ"البدوى" فى تصريح لـ"برلمانى" - فإن الزواج أو الطلاق هو كسائر المعاملات التى يقوم بها الناس خلال شهر رمضان والتى لا تطرح حولها علامات استفهام، ومن ثم فإن الطلاق يجوز فى شهر رمضان ولا شيء يحرمه خلال الشهر المبارك سواء من الناحية الشرعية وفقاُ لما تواترت عليه أراء الفقهاء أو حتى وفقاً لصحيح القانون والذى لم يرد به ذكر لصحة أو عدم صحة الطلاق فى شهور أو أيام محددة من السنة، ولكنه جرى العرف بشكل الاتفاق تقريباً إلى أن الكثيرين يفضلون تأخير الطلاق إلى ما بعد شهر رمضان، لاعتبارهم أنه شهر الخيرات، مما يستوجب معه الصبر إلى أقسى حدود قبل اتخاذ قرار الطلاق وهو قرار مصيرى يصعب اتخاذه فى لحظة غضب أو انفعال.
الطلاق والخلع قرار شخصى
وفى هذا الجانب، يرى علماء وفقهاء المسلمين، الخلع أو الطلاق قرار شخصى للزوج أو الزوجة ويجوز الطلاق أو الخلع فى رمضان حيث أنه ليس هناك ما يمنع الطلاق أو الخلع فى شهر رمضان حيث أن لا علاقة بين رمضان والطلاق، باعتبار أن ذلك الأخير هو عقد يرجع إلى الزوج فى استكماله أو عدمه بناء على ما يراه مكروهاً وبناء على قدرته على الصبر والتحمّل، وإن كان القرآن الكريم قد حثّه على الصبر إلى أبعد ما يكون.
الخبير القانونى المحامى بالنقض محمود البدوى
فقد سبق وأن وجهت زوجة سؤالا للدكتور على جمعة فى غضون 2018 تقول فيه: "زوجى رمى على يمين الطلاق فى نهار رمضان وعندما سألت أحد المشايخ قالى لا تحسب إكراما لرمضان.. فهل هذا صحيح"؟، فرد على جمعة حينها قائلا: "تحسب طلقة ولا يوجد اختلاف بين الطلاق فى نهار رمضان وغيره من شهور السنة".
وبدوره أيضاَ، قال الدكتور عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إنه إذا طلق المرء زوجته عن وعى وقصد فى نهار رمضان، فالطلاق يقع صحيحًا ويترتب عليه كافة التصرفات الشرعية الموجبة فى تلك الحالة.
ووفقاَ لـ "عثمان"، فى مقطع فيديو عبر القناة الرسمية لـ"الإفتاء"، أنه إذا كان الزوج لا يعلم وألقى الكلمة دون وعى وعلم، ولا يقصد بها مقصد الطلاق والانفصال شرعًا عن زوجته، فيجب عليه مراجعة نفسه والرجوع إلى دار الإفتاء لاستبيان وقوع الطلاق من عدمه، مشيرا إلى اعتقاد البعض مجموعة مفاهيم مغلوطة حول مسألة الطلاق وأنه لا يقع فى شهر رمضان، لكن الأصل هو أنه لا يوجد نص صحيح يحرمه خلال الشهر المبارك، لكن الكثير يفضل تأخير وقوعه حتى انتهاء الشهر الكريم، لما له من بركة وفضل على العالمين.
ضرورة تأخير الطلاق لبعد رمضان
ووفقاَ لعلماء المسلمين فإن حدود الصبر نسبيّة بين شخص وآخر، لكون الطاقة الإنسانية تختلف من فرد إلى آخر، ولا معيار ثابت موحد لكل البشرية، وذلك لأن الزواج أو الطلاق هو كسائر المعاملات التى يقوم بها الناس خلال شهر رمضان والتى لا تطرح حولها علامات استفهام، وعلى الرغم من أن الطلاق يجوز فى شهر رمضان ولا شيء يحرمه خلال الشهر المبارك، إلا أن كثيرين يفضلون تأخير الطلاق إلى ما بعد شهر رمضان، لاعتبارهم أنه شهر الخيرات، وعليهم تالياً الصبر إلى أقصى حدود قبل اتخاذ قرار الطلاق.
أجمع العلماء والأئمة على أن طلاق رمضان يقع
وأجمع العلماء والأئمة على أن طلاق رمضان يقع، لأنه لا علاقة للزمن سواء رمضان أو يوم جمعة أو غيره، كما قال مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، أن الطلاق تصرف شرعى يتم بإرادة منفردة، وتترتب عليه آثار شرعية معينة، فيجب إذا صدر أن يصدر عن إرادة حرة، وعن اختيار كامل، ولذلك لم يوقع الفقهاء طلاق الصبي؛ لعدم اكتمال إرادته، ولم يوقعوا طلاق المجنون؛ لفساد إرادته، وعلى ذلك يحمل ما نقل من اختلاف العلماء فى طلاق الغضبان؛ فإنه مبنى على اختلافهم فى تحقيق مناط الإرادة التامة حال نطق الغاضب بالطلاق، أى أن الطلاق مرتبط بالحالة وليس بالوقت.
فلسطين تمنع وقوع الطلاق فى رمضان
ولكن الغريب والعجيب أن هناك دولة عربية وإسلامية لم تُجز الطلاق فى رمضان، حيث أعلنت "فلسطين" فى عام – 2018 - منع الطلاق فى رمضان، وهو القرار الصادر من محمود الهباش، قاضى القضاة بفلسطين، والذى عممه على المحاكم الشرعية، يتم بموجبه منع توثيق حالات الطلاق خلال هذا الشهر.
قاضى القضاة بفلسطين محمود الهباش
وعلق "الهباش"، على قراره حينها بقوله إن قراره جاء بناءً على تجارب واجهت المحاكم خلال شهر رمضان فى الأعوام السابقة، حيث يتخذ بعض الأزواج قرارات سريعة وغير متزنة بسبب الصيام، والبعض يتخذ من نقص الطعام والتدخين سببًا لإثارة المشاكل، ويكون الصائم فى حالة من عدم الاستقرار، وتكون قراراته سريعة وغير متزنة، مشيراَ إلى أنه يتم توثيق حالات الطلاق فى رمضان، فى حالة الضرورة فقط.
