طلبات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، أصبحت مثار وحديث العالم لما أحدثته في الداخل الإسرائيلي والأمريكى من تخوفات لدى نتنياهو من رفع دعوى ضده قد تؤتى ثمارها، ويتعلق طلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وجالانت بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في قطاع غزة ابتداء من 8 أكتوبر بعد يوم من شن "حماس" هجومهم على إسرائيل، والتي عرفت بـ"عملية طوفان الأقصى" بتاريخ 7 أكتوبر.
ومن بين هذه الجرائم "تجويع المدنيين كوسيلة من أساليب الحرب" و"تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين" - بحسب بيان صادر عن مكتب خان – ويأتي هذا القرار بعد أن عجز المجتمع الدولى ومنظماته الدولية عن وقف إطلاق النار على الفلسطينيين بقطاع غزة الذى قارب الـ9 أشهر المتواصل خاصة الأطفال والشيوخ والنساء بات العقل البشرى فى حيرة عن أسرار عدم قدرة المجتمع الدولى لدفع جرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها الكيان المحتل ضد شعب فلسطين لإكراههم على التهجير القسرى بالمخالفة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى .
طلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وجالانت بجرائم حرب
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الصحيفة الجنائية لنتنياهو ووزير دفاعه، والتي تكشف أنهما أصبحا أرباب سوابق تنتظرهما "124" دولة للقبض عليهما حال موافقة الدائرة التمهيدية للجنائية الدولية لقرار مدعيها العام، والجنائية الدولية لا تعرف المحاكمة الغيابية، إلا أنها ليس لديها قوة شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال والتنفيذ بيد 124 دولة الأعضاء، وسيناريوهات طعن على الاتهامات لسببين هما إنكار ولاية المحكمة، ومبدأ التكامل للقضاء الإسرائيلى وكلاهما فاشل – بحسب الدراسة التي اعدها المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان: "محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة والإكراه على التهجير القسرى لسيناء.. العقبات والحلول".
الكشف عن الصحيفة الجنائية لنتنياهو ووزير دفاعه
في البداية - أن الصحيفة الجنائية لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويواف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، يحددها بجلاء قرار اتهام المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذى طلب من المحكمة الجنائية الدولية من قضاة محكمة لاهاي إصدار مذكرة اعتقال بحقهما، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية والتسبب في الإبادة، والتسبب في المجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما في ذلك حرمان المساعدات الإنسانية، واستهداف المدنيين عمداً - وفقا لـ"خفاجى".
أن طبيعة الاتهام المنسوب إلى نتنياهو ووزير دفاعه تكشف عن أنهما من أرباب السوابق الدولية، وهى تتمثل فى العديد من الجرائم: يتحملان المسئولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة على أراضي فلسطين في قطاع غزة منذ 8 أكتوبر 2023 حتى اليوم وهى كالتالى – الكلام لـ"خفاجى":
1- تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب تتعارض مع المادة 8 (2) (ب) (25).
2- التسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة بالجسم أو الصحة بما يتعارض مع المادة 8 (2) (أ) (ثالثًا).
3- أو المعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب تتعارض مع المادة 8 (2) (ج) (ط).
4- القتل العمد بما يتعارض مع المادة 8 (2) (أ) (ط).
5- أو القتل باعتباره جريمة حرب يتعارض مع المادة 8 (2) (ج) (ط).
6- تعمد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين باعتبارها جريمة حرب بما يتعارض مع المادة 8 (2) (ب) (ط) أو 8 (2) (هـ) (ط).
7- الإبادة أو القتل بما يخالف المادتين 7 (1) (ب) و7 (1) (أ)، بما في ذلك في سياق الوفيات الناجمة عن الجوع، باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
8- الاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية يتعارض مع المادة 7 (1) (ح).
9-الأفعال اللاإنسانية الأخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية تتعارض مع المادة 7 (1) (ك).
نتنياهو ووزير دفاعه أرباب سوابق تنتظرهما (124) دولة للقبض عليهما حال موافقة الدائرة التمهيدية للجنائية الدولية لقرار مدعيها العام
ولكي تصبح طلبات المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لها قوة النفاذ يجب أن تتمتع بقوة السند التنفيذى بالموافقة عليها من الدائرة التمهيدية المختصة بالمحكمة، فإن وافق عليها قضاة لاهاى، سيكون بمقدور المحكمة الجنائية الدولية استدعاء المشتبه بهم طوعاً فى البداية، فإن هما رفضا المثول أمام المحكمة اختياراً، سيكون بإمكان المحكمة حينئذ إصدار مذكرة اعتقال لهما، وسيتم القبض عليهما إذا كانا في دولة واحدة من ال (124) دولة التى وقعت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية – طبقا لنائب رئيس مجلس الدولة.
ومعنى ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه قد ينتهي بهما الأمر ويشاهدهما العالم بأسرة مكبلي الأيدي في (124) دولة تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، لأن الدول الأعضاء هي الملزمة والتي يجب عليها إلقاء القبض على أي فرد أصدرت المحكمة بحقه مذكرة اعتقال، أخذاً فى الاعتبار أن ما يمنح المحكمة ولاية قضائية في قطاع غزة هو انضمام السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف بها دوليا، إلى المحكمة في عام 2015، وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية لديها الولاية القضائية الكاملة على الأراضي الفلسطينية، والجرائم المذكورة التي يرتكبها الإسرائيليون في غزة – هكذا يقول "خفاجى".
وفى الحقيقة العديد من أقرب حلفاء إسرائيل ذاتها، مثل إنجلترا وألمانيا، وهما أطراف في المحكمة الجنائية الدولية سيكونان ملزمين بقرار المحكمة إذا صدر أمر قضائي، وسيصبح نتنياهو ووزير دفاعه من أرباب السوابق المنبوذين دوليا ولن يتمكنا من السفر إلى (124) دولة، وهو ما يعنى أنهما منبوذين من 65% من دول العالم على الأقل، ومنبوذين من كافة شعوب الأرض بسبب إبادتهما للشعب الفلسطينى بقطاع غزة خاصة أطفال فلسطين.
المحكمة الجنائية الدولية لا تعرف المحاكمة الغيابية وليس لديها قوة شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال والتنفيذ بيد (124) دولة الأعضاء
أن المحكمة الجنائية الدولية رغم أنها الملاذ الأخير تهدف إلى الردع وضمان المساءلة عن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، ليس لديها قوة شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال بحق الأفراد الذين أصدرت بحقهم تلك الأوامر، ولكن إصدار مذكرة الاعتقال سيكون تنفيذه بيد (124 دولة) ومن شأنه أن يحد من حرية الحركة التي يتمتع بها نتنياهو ووزير دفاعه، لأن كل دولة من الدول الموقعة على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسى وعددها (124 دولة) ملزمة باعتقال الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال وتسليمهم فوراً إلى المحكمة حال وجودهم بإحدى هذه الدول الأعضاء.
ويضيف "خفاجى": المحكمة الجنائية الدولية لا تعرف فكرة المحاكمة الغيابية فلا يجوز لها محاكمة الأفراد غيابياً وفقا للمادة (63) من نظام روما الأساسى التى نصت فقرتها الأولى على يجب أن يكون المتهم حاضراً في أثناء المحاكمة، لذا فإن احتجاز المتهمان نتنياهو ووزير دفاعه هو المفتاح الفعلى للمضي قدماً في المحاكمة، وتعتمد المحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول في تنفيذ جميع قراراتها، بما في ذلك تنفيذ أوامر الاعتقال وهو نظام خاص بها، وستكون الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، وعددها 124 دولة، ملزمة بالقبض عليهما وإحالتهما إلى المحكمة في حال قدومهم إلى بلدانهم، وهو ما يقع على عاتقهم التزام بالقيام به، وفقًا للمادة 86 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
المحكمة الجنائية الدولية أصدرت (42) أمر اعتقال تم تنفيذ (21) منها بمساعدة الدول الأعضاء
ويشير إلى سجل السوابق القضائية للمحكمة فيقول: "إن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت (42) أمر اعتقال تم تنفيذ (21) منها وذلك بمساعدة الدول الأعضاء التي لديها إلتزام قانون قانونى بالتصرف إذا دخل الأشخاص المطلوبون إلى أراضيها. أخذاً فى الاعتبار أن المحكمة قد بدأت تحقيقًا في الجرائم المحتملة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة بدءًا من عام 2014، وبالفعل في مارس 2021، واستأنفت على وجه التحديد بسط ولايتها القضائية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي يضمنها توقيع السلطة الوطنية الفلسطينية على نظام روما الأساسي.
السوابق القضائية للدائرة التمهيدية بأوامر الاعتقال تتأرجح من شهر إلى 9 أشهر
وحول الموعد المنتظر لصدور أمر الاعتقال يقول "خفاجى": ويذكر لا يوجد إطار زمني محدد يجب أن تتخذ فيه الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية قرارها بشأن طلب الادعاء، وهى تبحث مراجعة الأدلة التي قدمها الادعاء ضد التهم المطلوبة، والسوابق القضائية للدائرة التمهيدية بأوامر الاعتقال تتأرجح من شهر إلى 9 أشهر، فقد سبق لها أن تصرفت بشكل مناسب لإصدار قرارات تمنح أوامر الاعتقال في غضون شهر تقريبًا، ومثالها الزعيم الليبي معمر القذافى والرئيس الإيفواري لوران جباجبو وأخرين أقل قليلا من الشهر، بينما أصدرت مذكرة الاعتقال الأولى بحق عمر البشير، حاكم السودان السابق، بعد تسعة أشهر فقط من تقديم المدعي العام للطلب.
إسرائيل ستطعن على الاتهامات لسببين إنكار ولاية المحكمة ومبدأ التكامل للقضاء الإسرائيلى وكلاهما فاشل
ويختتم "خفاجى" قائلا: "إسرائيل ستطعن على الاتهامات لسببين إنكار ولاية المحكمة ومبدأ التكامل للقضاء الإسرائيلى وكلاهما فاشل من ناحيتين:
أولاً: أن الادعاء بإنكار الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على قادة إسرائيل حجة واهية مردودة بما قررته الدائرة التمهيدية من أن المحكمة تتمتع بالولاية القضائية على الجرائم التي يرتكبها إسرائيليون على أراضي دولة فلسطين المعترف بها من قبل المحكمة الجنائية الدولية وفي قطاع غزة.
ثانياً: الادعاء بمبدأ التكامل يمنع إصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيل مردود بأنه عار من الصحة والسند بحسبان أنه لا يوجد ما يشير إلى أي جهد إسرائيلي للتحقيق أو مقاضاة نتنياهو وغالانت لدورهما في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في غزة، فلا يوجد دليل ملموس على وجود تحقيق مفتوح ونشط في إسرائيل ضد نتنياهو وجالانت لنفس السلوك عن الجرائم التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية، وهو الإجراء الذى خلت منه عيون أوراق العالم.