ونوه المصرى للفكر فى دراسته، بأن مشروع توشكى يبقى نموذجًا يحتذى به فى مجال التنمية الزراعية فى مصر والعالم، فكل هذه المشروعات كفيلة لخلق تجمعات زراعية صناعية، وخلق تجمعات عمرانية وسكانية جديدة، وتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، واصفا منطقة توشكى على أنها بوابة أمل وخير لعمل نهضة زراعية وصناعية توفر احتياجاتنا من المحاصيل الزراعية وتؤمن مستقبلنا الغذائى، حتى استكمال الحلم بزراعة 3 ملايين فدان من خلال مجموعة من المشروعات القومية الضخمة تسعى جميعها لاستغلال التقنيات الحديثة والموارد المتاحة بكفاءة.
تحديات القطاع الزراعى وفرص تحقيق الأمن الغذائي
وأشارت الدراسة إلى أن مشروعات الاستصلاح الزراعى - بوجه عام - تواجه تحديات جمة، أبرزها ندرة المياه والتى نعد التحدى الرئيس أمام الدولة المصرية، هذا بخلاف تصاعد حجم المطلوب من الموارد المائية، نتيجة الزيادة المطردة للسكان، وهو الأمر نفسه الذى يخلق تحديات غير مسبوقة على الاحتياجات الغذائية، وخلق ضرورة ماسة لاستصلاح الأراضى الصحراوية، لتعويض الفجوة الغذائية المتزايدة، كما أن النمو المتسارع للسكان على مدى العقود الماضية أدى إلى تزايد الطلب على الغذاء.
وأوضحت الدراسة أن التحدى الاقتصادى كان أحد المعوقات البارزة أمام تطور القطاع الزراعى، لذا؛ تعد الفجوة الغذائية فى مصر هى نتاج تفاعل مجموعة معقدة ومتشابكة ومتراكمة من العوامل الاقتصادية والبيئية والديموجرافية، ولمواجهة هذه التحديات، تبنت مصر سياسات شاملة تستهدف تحسين كفاءة استخدام الموارد، تعزيز التكنولوجيا الزراعية، ودعم المزارعين بشكل فعال لضمان استدامة الموارد المائية والأمن الغذائى فى المستقبل.
تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على القطاع
وأشارت إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية – والتى جاءت فى أعقاب محاولة التعافى من جائحة كورونا– جاءت كاشفة لاحتياجات الدول وقدرتها على الصمود وإدارة الأزمات، وكان من أبرز القطاعات تأثرًا قطاع الأمن الغذائى وعلى رأسها زراعة وتجارة القمح لكون دولتا الصراع مسؤولتين عن توفير أكثر من 30% من حجم الأقماح المتاحة للتصدير بالعالم، خاصة بعد أن باتت تجارة السلع الاستراتيجية سلاحًا سياسيًا يتم توجيهه فى وجه الجميع، ومصر بوصفها أحد أكبر مستوردى القمح كانت من أكثر المضارين من الأزمة.
وأكملت الدراسة أن حلم تحقيق الاكتفاء الذاتى من أغلب السلع الأساسية ليس بالمعضلة؛ فالأمر كله يتعلق بالتخطيط والإرادة والتنفيذ، لذلك يعد مشروع توشكى الزراعى مثالًا على الجهود الطموحة التى تبذلها مصر لتحقيق التنمية الزراعية والاستدامة البيئية وضمان الأمن الغذائى للمواطنين، من خلال استصلاح الصحراء وتحويلها إلى أراضٍ زراعية منتجة، حيث يسهم المشروع فى تحقيق الأهداف الوطنية للأمن الغذائى والتنمية الاقتصادية.
مراحل إعادة إحياء مشروع توشكى وتحويله لأرض زراعية منتجة
ويعد المشروع واحدا ضمن أبرز المشاريع الزراعية الكبرى فى مصر، والذى يهدف إلى تحويل الصحراء إلى أراضٍ زراعية منتجة، مساهمًا فى تحقيق الأمن الغذائى وتعزيز الاقتصاد الوطنى، حيث يقع مشروع توشكى فى جنوب غرب مصر بمحافظة الوادى الجديد، ويعد المشروع الأكبر من نوعه فى قطاع الاستصلاح الزراعى فى الشرق الأوسط.
وترجع فكرة المشروع إلى ستينيات القرن الماضى، حيث تم تدشينه واتخاذ الخطوات الأولى منه فى يناير 1997، إلا إنه واجه جملة من العقبات حالت دون استكماله، إلى أن أعاد الرئيس السيسى إحياؤه فى 2014، ضمن خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر بكل ما يترتب عليه من آثار.
واستطردت الدراسة أن تنفيذ المشروع يتطلب إلى جانب الإمكانيات المادية الهائلة، ضرورة وصول مياه النيل إلى أراض ذات منسوب أعلى، وتربة شديدة الملوحة عبر حائط من الجرانيت بطول سبعة كيلو مترات، وقد تكاتفت أجهزة الدولة لتذليل العقبات واستصلاح 430 ألف فدان –منها 140 ألف فدان فى توشكى- بتكلفة تتجاوز 180 مليار جنيه حتى الآن.
وأشادت الدراسة بنجاح الدولة فى إعادة إحياء المشروع خلال السنوات القليلة الماضية من خلال استكمال إنشاء البنية التحتية للمرحلتين الأولى والثانية للمشروع والتغلب على كافة المعوقات، فتم استخدام ما لا يقل عن 8 آلاف طن من المفرقات للتغلب على الحائط الجرانيتى وإجراء أعمال التسوية وتم إنشاء عدد من الترع والطرق الرئيسية والفرعية، ومن أهم مشروعات البنية الأساسية التى تم تنفيذها أعمال الكهرباء لتغذية محطات الطلمبات وأجهزة الرى المحورى، فضلا عن إنشاء محطتى رفع مياه عملاقة رئيسية تضم 22 مجموعة رفع بإجمالى طاقات 11 مليونا و300 ألف متر مكعب/يوم، ويتم التشغيل باستخدام منظومة المراقبة والتحكم عن بعد سكادا، كما تم إنشاء عدد 132 محطة فرعية ومساعدة.
كما تم تنفيذ 1500 طريق بعروض متغيرة حتى 10 متر وبإجمالى أطوال 1600 كم متر، وتنفيذ أعمال تسويات لـ 1403 قطع أرض للزراعة بالرى المحورى بمساحة 140 ألف فدان، وشق الترع بإجمالى أطوال 135 كم بعروض متغيرة حتى 39 مترا، هذا بالإضافة إلى إنشاء 109 أعمال صناعية.
وذكرت أنه استكمالا لتحقيق الهدف المنشود، جارٍ الآن بمشاركة الجهات المعنية بالدولة التحضير لتخطيط المرحلة الثالثة من المشروع بغرض إضافة مساحة (40:60) ألف فدان خلال الموسم الزراعى 2025، وذلك من خلال تنفيذ البنية الأساسية لشبكة المياه والكهرباء والطرق اللازمة للمرحلة.
وأردفت "الدراسة" أن ذلك جاء ليخلق واقعًا جديدًا للصعيد المصرى، وفتح رئة تنموية وصناعية وزراعية جديدة لأبناء الصعيد، واستثمار مئات المشروعات الخاصة بالبنية التحتية والتى تم تنفيذها على مدى العقد الأخير، فقد تم تنفيذ أكثر من 3000 كم متر من الطرق والمحاور فى صعيد مصر.
ويعد أبرزها محور شرق العوينات الداخلة الفرافرة بطول 655 كم، وعرض 3 حارات مرورية لكل اتجاه، ومحور الدكتور هشام عرفات بطول 180 كم وبعض 5 حارات مرورية بكل اتجاه، كما تم تنفيذ 4 محاور كبرى على النيل بفتحات ملاحية، ومحور اللواء سمير فرج شمال الأقصر بطول 19 كم وبعرض 3 حارات مرورية لكل اتجاه، ومحور الدكتور محمد سيد طنطاوى ويبلغ طول 28 كم وبعرض 3 حارات مرورية لكل اتجاه، ومحور الدكتور جمال حمدان بطول 3.7 كم وبعرض 3 حارات مرورية لكل اتجاه، ومحور الشيخ محمد صديق المنشاوى ويبلغ طول 41 كم وبعرض 3 حارات مرورية لكل اتجاه.
وبإمعان النظر حول ما تحقق بمشروع توشكى، نجد أن البداية الحقيقية فى استعادة مشروع توشكى على أجندة المشروعات القومية للدولة بعد توقف استمر لقرابة العقدين، كانت فى 2019، ليتم اليوم افتتاح موسم حصاد القمح بمزرعة توشكى 4 إحدى مزارع توشكى، بمساحة 140 ألف فدان ستضاف إلى إجمالى المساحة المنزرعة،
ففى 2017، كان إجمالى المنزرع بمنطقة توشكى يقدر بحوالى 400 فدان فقط، فى حين تقدر المساحة الاجمالية المنزرعة فى يناير 2024 بحوالى 420 ألف فدان، وفى نهاية عام 2022 وصلت المساحة المنزرعة لحوالى 250 ألف فدان، بينما عام 2023 وصلت المساحة المنزرعة إلى 420 ألف فدان أى بزيادة 170 ألف فدان خلال العام الماض، وجارٍ التخطيط لإضافة 80 ألف فدان ليصل إجمالى المساحة المساحة المنفذة بتوشكى لحوالى 500 ألف فدان فى العام الزراعى 2024/2025، وفى العام 2025/2026 من المخطط أن تصل المساحة إلى 560 ألف فدان.
أبرز المحاصيل الاستراتيجية لمشروعات توشكى والعوينات
وتركز مشروعات استصلاح الأراضى بمنطقتى توشكى والعوينات على زراعة عدد من المحاصيل الاستراتيجية، ويأتى على رأسها القمح والذرة والشعير بالإضافة لبعض المحاصيل الإقتصادية مثل الفول السودانى والبطاطس والخضروات والفاكهة والنباتات الطبية والعطرية. لتعزيز الوصول للاكتفاء الذاتى من السلع الأساسية وتقليل فاتورة الاستيراد.
ويعد محصول القمح أحد أهم المحاصيل التى تم زراعتها بالمنطقة للعمل على تقليل الفاتورة الاستيرادية، وتأمين القدر الأكبر من الاكتفاء الذاتى خاصة بعد ما فرضته الأزمة الروسية الأوكرانية من ضرورة لتأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء.
وخلال العام الجارى، تمت زراعة 500 ألف فدان قمح بزيادة عن العام الماضى تقدر بـ200 ألف فدان تعطى إنتاجية تفوق المليون طن قمح، وحوالى 100 ألف فدان ذرة، بالإضافة إلى المحاصيل الاقتصادية والطبية والعطرية والخضراوات والفاكهة، ومزرعة للتمور بإجمالى مساحة 37.5 ألف فدان تمور، والتى دخلت موسوعة جينيس العالمية كأكبر مزرعة تمور بالعالم.