أوضاع دولية، تبدو استثنائية، دفعت العالم نحو العديد من الصراعات، والمرشحة للتفاقم، على غرار العدوان على غزة، والحرب في أوكرانيا، في ضوء قابليتها للتمدد على المستوى الجغرافي، مع احتمالات توسعها نحو مناطق أخرى، والامتداد زمنيا، فيبدو من الصعب التنبؤ بنطاق زمني حول المدى الذي قد تنتهي خلاله، وهو ما ترك تداعيات كبيرة، ساهمت في التأثير على حياة المواطنين، ليس فقط في مناطق الأزمات وإنما امتدت إلى المناطق الأخرى البعيدة عنها، في ضوء ارتباطها المباشر بالعديد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها قطاعي الغذاء والطاقة، والتي تمثل جزءً رئيسيا من حياة البشر هنا أو هناك، ليصبح العالم بأسره تحت مظلة الخطر الداهم الناجم عن الأزمات.
ولعل الحديث عن القطاعات المذكورة، وخاصة قطاع الطاقة، نجد أن ثمة ارتباطا مباشرا وبين الصراعات الدولية القائمة في اللحظة الراهنة، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة أن الغاز، على سبيل المثال، يمثل سلاحا روسيا في مواجهة العقوبات التي يفرضها الغرب الأوروبي، الموالي لأوكرانيا، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تحريك أسعار الطاقة، وفي القلب منها المشتقات النفطية في دول أوروبا الغربية، ناهيك عن الارتفاع الكبير في نسبة التضخم، وما نجم عنها من موجات عاتية من الغلاء، والتي طالت السلع الأساسية، وفي القلب منها الغذاء نظرا لارتفاع أسعار النقل.
بينما ارتبطت الأزمة التي يشهدها قطاع غزة، بقطاع الطاقة، نتيجة الاضطرابات التي يشهدها البحر الأحمر في الأشهر الماضية، وتداعيات ذلك على ممرات الملاحة البحرية، وهو ما يؤثر بصورة كبيرة على أسعار الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن استمرار الحرب في غزة، سوف يساهم في زيادة كبيرة في أسعار برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد، مقارنة بسعره الحالي، وهو 86 دولار للبرميل، وهو ما يعني المزيد من ارتفاعات الأسعار، جراء ارتفاع فاتورة نقل وشحن المنتجات.
وفي الواقع تبدو الغارات الإسرائيلية الأخيرة على اليمن بمثابة صدمة أخرى، لقطاع الطاقة، في ظل ردود أفعال متوقعة من قبل جماعة الحوثي، تزيد التوتر في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يعني ارتفاع مباشر في الأسعار، بينما تبقى هناك ارتفاعات أخرى تضاف إلى فاتورة الشحن والنقل بالنسبة للدول التي ترتبط بعقود استيراد، جراء الأوضاع غير المستقرة في تلك المنطقة الحيوية من العالم.
فلو نظرنا إلى مصر، على سبيل المثال، نجد أن هناك زيادة كبيرة في التكلفة الفعلية على الدولة فيما يتعلق بالشحنات المستوردة، من الخارج، خلال الشهور الثلاثة الماضية، جراء الاضطرابات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر وهجمات الحوثيين، خاصة في ظل ارتباط الدولة المصرية بعقود استيراد للنفط الخام والوقود من بعض الأسواق الآسيوية، كما تستورد كميات من الزيت الخام من العراق، بالإضافة إلى شحنات أخرى من الكويت والإمارات والسعودية.
الصراعات التي يشهدها العالم في اللحظة الراهنة، ساهمت في تفاقم الأوضاع في سوق الطاقة العالمي، بينما هناك أزمات أخرى، يبقى على رأسها التداعيات الكبيرة للتغيرات المناخية، وما ينجم عنها من أعاصير وحرائق للغابات، والعديد من الكوارث الطبيعية الأخرى، في ضوء ما تلعبه تلك العوامل من دور في تحديد أسعار النفط.
فبحسب الوكالة الأمريكية للطاقة، فإن الإعصار بيريل، ساهم في تحريك أسعار الطاقة في الولايات المتحدة في أوائل هذا الشهر، بسبب مخاوف في الأسواق جراء نقص محتمل في الإمدادات، خاصة وأن هناك توقعات كبيرة بأن الإعصار ما هو إلا مجرد مقدمة لسلسلة من العواصف التي قد تضرب الولايات المتحدة خلال هذا العام.