- مفتي القدس: الفلسطينيون يقبضون على الجمر في زمن قاسٍ
انطلقت فعاليات مؤتمر دار الإفتاء المصرية العالمي التاسع للإفتاء الذي تنظمه الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم سنويًّا، ويعقد هذا العام في الفترة من 29 إلى 30 يوليو الجاري في القاهرة، برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من100 دولة حول العالم، حيث يشهد هذا العام اهتمامًا كبيرًا نظرًا لأهمية موضوعه حيث يناقش المؤتمر خلال فعالياته التي تمتد ليومين: "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع".
وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنَّ مصر كانت -ولا زالت- قائدة رائدة على مرِّ العصور، خاصة في عصر الرئيس عبد الفتاح السِّيسي ، الذي بذل -ولا زال- يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية، وفي مقدِّمتها دار الإفتاء المصرية، حيث قدَّم لها كلَّ أنواع الدعم الماديِّ والمعنويِّ الذي ساعدها لتخطو خطوات جادَّة في تجديد الخطاب الإفتائيِّ وجمع المؤسسات والهيئات الإفتائية على كلمة سواء.
وأضاف خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية، إننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمي والدولي، ولا يخفى أنَّ اجتماعنا هنا في مصر العزيزة الغالية لمناقشة تلك التّحدّيات التي تواجهنا يؤكّد أنَّ مِصْرَ دائمًا في قلب الحدث رائدة ومبادرة، مشيرًا إلى أننا اليوم نعيش جميعًا في عالم أصبحت السرعة مَعْلَمًا وسمة من سماته الرئيسية، وصارت الأزمات التي تلاحق الجنس البشريَّ تضعنا في موضع المسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من التدهور والدخول في منحدر أخلاقيّ يفقد به الإنسان قيمته الوجودية في هذه الحياة.
من جانبه أكد الدكتور أسامة السيد الأزهرى، وزير الأوقاف، في كلمته نائبا عن رئيس مجلس الوزراء، أن وزارة الأوقاف بكل قدراتها ومقدراتها وشيوخها وخطابها وأئمتها مجندة لدعم دار الإفتاء المصرية وفضيلة مفتي الديار المصرية؛ لتؤدي رسالتها السامية في خدمة الشعب المصري العظيم وخدمة المسلمين جميعًا والإنسانية جمعاء ولدعم هذا المؤتمر الكريم حتى ينجح نجاحًا مبهرًا ويحقق أقصى غاياته.
كما أكد وزير الأوقاف أن وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية ونقابة السادة الأشراف ونقابة الطرق الصوفية تصطف جميعًا صفًا واحدًا وعلى قلب رجل واحد خلف البيت الكبير الجامع لنا جميعًا والذي هو الأزهر الشريف، وتحت رايته وخلف إمامنا الأكبر شيخ الأزهر الشريف الذي هو أستاذنا ورمزنا وإمامنا المعبر عنَّا جميعًا كمسلمين أمام العالم، والذي نكن له منتهى الوفاء والبر والعرفان والمحبة.
وأكد وزير الأوقاف أن المؤسسة الدينية في مصر على قلب رجل واحد تقف جبلًا شامخًا تحت راية الأزهر الشريف موجها رسالة للضيوف قائلا:" حتى نكون داعمين لحضراتكم في كل دولكم وشعوبكم نشد أزركم حتى تؤدوا رسالة الإسلام السمحة التي تملأ الدنيا علمًا وأمانًا ونورًا.
وأكد وزير الأوقاف أن القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الكبرى، وسنظل هنا في مصر داعمين لأشقائنا في فلسطين، وفي حقهم في الحياة، وفي رفض كل صور الظلم والقهر لهم ونؤكد على ثوابت الدولة المصرية تحت قيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في دفع الظلم والعدوان عن أشقائنا في فلسطين عمومًا وفي غزة خصوصًا وفي حق أشقائنا الفلسطينيين في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكما ننادي بالبناء الأخلاقي في الفتوى فإننا ننادي بالبناء الأخلاقي في السياسة الدولية وننادي باحترام كافة المواثيق الدولية القاضية باحترام حق الشعوب في تقرير مصيرهم وفي حق شعبنا الفلسطيني في بناء دولته.
وأشار وزير الأوقاف إلى ما وقع في حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024م من حدث جلل مفتقد تمامًا للبناء الأخلاقي، مما أصابنا جميعًا ببالغ الأسى والاستنكار، من تعرض غير لائق لمقام سيدنا المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام)، وقد أدانه الأزهر الشريف وإمامنا الأكبر، وأدانته دار الإفتاء المصرية، وأعلنا نحن في وزارة الأوقاف الإدانة البالغة لهذه الإهانة، وأدانه الحبر الأكبر البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وأدان هذا الحدث مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، ورعاة الكنيسة المعمدانية الإنجيلية والأساقفة والمطارنة المصريون في أمريكا وكندا والكنيسة الكاثوليكية في فرنسا وتوالت ردود الفعل المنكرة في الرأي العام الدولي مما دفع منظمي الأولمبياد إلى حذف الفيديو ودفع المتحدثة باسم الأولمبياد في مؤتمر صحفي بالأمس الأحد إلى أن تعتذر قائلة : وإذا شعر الناس بأي إساءة فإننا متأسفون حقا، نعم نشعر بالإساءة فإن الإساءة لنبي واحد من أنبياء الله (عز وجل) ورسله كالإساءة لهم جميعًا، فقد قال نبينا ومولانا محمد (صلى الله عليه وسلم ) : (الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم).
وأكد وزير الأوقاف أن الإساءة والإهانة لرموز المسلمين والمسيحيين ولمقدساتهم، بل والإساءة إلى سائر الأديان عواقبه وخيمة وينسف كل جهود الاستقرار والتعايش التي نسعى إليها وتغذي التطرف والتطرف المضاد، ولا يمكننا التقدم إلى تعارف جاد بين الحضارات في ظل الاستهانة أو الإهانة للرموز والمقدسات الدينية وأدعو كافة القيادات الدينية في العالم انطلاقًا من هذا المؤتمر الموقر إلى حملة توعية شاملة تتعامل مع هذه الأزمات بمنتهى الرقي اللائق بقيم الأنبياء الكرام، القيم التي تطفئ نيران الفتن وتنشر في مختلف المنابر الفكرية والثقافية ووسائل التواصل والسوشيال ميديا تعريفًا صحيحًا بسيدنا محمد وبسيدنا عيسى عليهما صلوات الله وتسليماته وبما جاءا به من الهدى والنور والإكرام للإنسان والتجمل بالأخلاق مع المعتدي والمسيء.
من حانبه نقل د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، كلمةَ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الداعية لاضطلاع الفتوى بدَورها الحيوي في حياة الناس في ظلِّ زمن صعب تجري فيه انتهاكات حقوق الإنسان بلا هوادة، وانتهاك القيم الأخلاقية والفطرة البشرية، والتجرؤ على الفتوى الصحيحة، وانتشار دعاوى تسعى لتمييع الدين أو تنشد التطرف والإرهاب.
وأبدى شيخ الأزهر الدعم الكامل لأشقائنا الفلسطينيين وهم يقفون في وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة، وتأكيده أنَّ استهداف المدنيين جريمة ووصمة عار على جبين البشرية يسجلها التاريخ.
وقال الضويني إننا في أشدِّ ما تكون حاجتنا إلى تلك الثلاثية المتماسكة التي يطرحها المؤتمر، وهي: الفتوى والبناء الأخلاقي والعالم المتسارع، ويأتي المؤتمر حلقة في سلسلة الوعي الذي تعمل عليه المؤسسة الدينية في مصر لمناقشة القضايا المعاصرة في إطار شرعي يستجيب للواقع ولا يخرج عن الثوابت ويحفظ على الناس الضروريات الخمس التي تدور حولها أحكام الشريعة.
وأضاف إن عالمنا ينطلق بالتطور المتسارع في اقتحامه كلَّ مجالات الحياة، وفي انتقال آثار هذا التسارع والتغير لكثير من بقاع الأرض دون نظر لقواعد إيمانية أو مكونات هوية أو حدود جغرافية، ومن التسارع العجيب هذه اللوثة التي تصيب المجتمع في نواته الصلبة وتحاول أن تستبدل بالأسرة الشرعية والعفة شذوذًا يعارض الفطرة ويسمونه زورًا المثلية، بما يخالف منهج السماء، وتلك السياسة التي تقيم حروبًا ظالمة تتجاوز آثارها أطراف الحرب على بلدان السلام التي لا ناقة لها في الحرب ولا جمل، وتصطلي بنارها دون ذنب، وهذا التسارع يدفعنا للتطرف إما تشددًا وانغلاقًا أو إلحادًا وانفلاتًا يهدد العقائد ويهدر الثوابت. وهذا الذكاء الاصطناعي أوقع الناس في حرفية ونصية ملبسة، ولو كنا نوقن أن الفتوى ضابط حركات الناس، فإن حياتهم تحتاج إلى فتوى بصيرة في زمان ضاغط يحتاج إلى فتح أبواب الرجاء.
إلي ذلك دعا مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، إلى أن يكون صوت الساسة ورجال الدين والمفكرين عاليًا أمام ما يحدث من استباحة للمسجد الأقصى المبارك والأبرياء المرابطين فوق كل ذرة من تراب فلسطين الطاهر، وهم يعانون القتل والتشريد والإبادة، على مرأى ومسمع من العالم كله.
وأضاف أن الفلسطينيين القابضين على الجمر، يحرسون المسجد الأقصى وأرض الآباء والأجداد، والرسالات، والإسراء والمعراج، وهي الأرض التي تنطلق منها آهات الشعب الذي عانى -وما زال يعاني- من القتل والتشريد والتدمير.
وتابع: يأتي ذلك ونحن أمة السلام، وقد جاء نبينا عليه الصلاة والسلام متممًا لمكارم الأخلاق، وقد اتَّفقت الإنسانية على قيم الأخلاق، لكنها فضيلة غائبة في وقت يظلم الإنسان فيه أخاه الإنسان، ورحم الله الإمام علي كرم الله وجهه القائل: الناس صنفان؛ إمَّا أخ لك في الدين، وإما أخ لك في الإنسانية.
وأكد مفتي القدس أن عالمنا غلبت عليه القسوة وذهبت حقوق الإنسان جراء الحيف والميل عن الأخلاق بعيدًا عن المبادئ السليمة التي تحافظ على الإنسان وكرامته.