أبرزت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، التطور المصرى الحالى فى مجال الطاقة عن طريق مواكبة الزخم العالمى وراء الهيدروجين منخفض الانبعاثات، حيث أعلنت 44 حكومة حول العالم الآن استراتيجية وطنية للهيدروجين، ويقوم عدد آخر من الحكومات بتطوير استراتيجياتها للطاقة مما يزيد من الطموحات نحو أهداف أكثر لاستخدام الهيدروجين منخفض الكربون.
وأشارت الدراسة أن هناك إجماعا على أن الهيدروجين منخفض الكربون يمثل فرصة رئيسية لإزالة الكربون فى القطاعات التى يصعب فيها تخفيف الانبعاثات، فضلًا عن الدور الذى يمكن أن يلعبه الهيدروجين المنخفض الكربون فى تعزيز أمن الطاقة وتنوع مصادرها،بالإضافة إلى ذلك، تبنت العديد من الاقتصادات الكبرى مؤخرًا استراتيجيات صناعية جديدة يلعب فيها الهيدروجين الأخضر ومشتقاته دورًا حيويًا فى القطاعات المختلفة.
وأظهرت الدراسة، أن مصر تواكب الزخم العالمى حول اقتصاد الهيدروجين وتنمية الاعتماد عليه فى خفض الانبعاثات الكربونية ومواجهة تغير المناخ من جهة، وتحقيق أمن الطاقة وتنوع مصادرها من جهة أخرى، فعملت مصر على تطوير السياسات والأطر التنظيمية لتنمية اقتصاد الهيدروجين والدخول بقوة فى السباق العالمى لإنتاج واستخدام وتجارة الهيدروجين، ومن ثَمّ أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون والهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وأنشأت المجلس الوطنى للهيدروجين الأخضر برئاسة رئيس مجلس الوزراء لدعم الاستثمارات فى هذا المجال.
و أكملت الدراسة أن مصر تواجه زيادة سريعة فى الطلب على الطاقة، وفى الوقت الحالى لا يزال الوقود الأحفورى الغاز والنفط يمثل حوالى 88% من إجمالى إمدادات الطاقة الأولية، وبينما واصلت البلاد توسيع قدرتها فى مجال الطاقة المتجددة، فإن نسبتها فى إجمالى توليد الطاقة تمثل حوالى 12% فى عام 2023، ويرافق التوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة المبادرات المبكرة لإطلاق سوق الهيدروجين فى مصر، ففى عام 2023 وقعت مصر 23 مذكرة تفاهم لتطوير مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مع عدد كبير من الشركات العالمية، تحولت منهم حاليًا حوالى 14 مذكرة إلى اتفاقيات شراكة مع كبار المطورين الدوليين، ليكون إجمالى قدرات المشروعات أكثر من 103 جيجاوات من الطاقة المتجددة وحوالى 45 جيجاوات من قدرة المحللات الكهربية. وذلك خلال ثلاث مراحل: المرحلة التجريبية – المرحلة الأولى – والمرحلة الثانية.
ويمثل الطلب المحلى على الهيدروجين حوالى 2% من الطلب العالمى، فى مصر يتم إنتاج الهيدروجين محليًا من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار للغاز الطبيعى، والتى تستخدم على نطاق واسع فى صناعات التكرير والبتروكيماويات، وتمتلك مصر حوالى 15 وحدة إنتاج الهيدروجين الرمادى لإنتاج الأمونيا كمادة أولية فى صناعة الأسمدة، بالإضافة إلى 6 مصافٍ أخرى لإنتاج الهيدروجين الرمادى. وتعد صناعات مثل التكرير وإنتاج الأمونيا وتصنيع الأسمدة النيتروجينية، وإنتاج الميثانول، وإنتاج الصلب، من أهم الصناعات التى لديها إمكانات هائلة للطلب على الهيدروجين فى المستقبل.
وتتصدر مصر الدول العربية فى عدد المشروعات المتوقع تنفيذها فى مجال الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته، حيث تم الإعلان عن حوالى 33 مشروعًا بينهم 28 مشروعًا للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، و3 مشروعات للهيدروجين الأزرق منخفض الكربون، ومشروعين لمحطات تزويد السفن بالوقود الأخضر، وتأتى الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى فى مقدمة المستثمرين بقيمة استثمارات بلغت حوالى 40 مليار دولار مع كبرى الشركات والتحالفات الدولية فى المجال، ومن المتوقع الانتهاء من المرحلة التجريبية لمشروعات الهيدروجين خلال 2028-2029.
و أضافت الدراسة أن مصر عملت على تطوير استراتيجيتها الوطنية للهيدروجين بالتعاون مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) والتى تم إصدارها رسميًا فى 15 أغسطس 2024. وتهدف إلى دور رائد لمصر فى اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون مستفيدة من قدراتها التنافسية سواء فى مصادر الطاقة المتجددة أو الموقع الاستراتيجى فى إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، والتى تستهدف ما يصل إلى 5-8% من السوق القابلة للتداول بحلول عام 2040، وتخطط مصر فى إطار الاستراتيجية لإنتاج 1.5 مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته بحلول 2030، مما يتطلب 19 جيجاوات من الطاقة المتجددة، ومستهدف زيادة الإنتاج إلى 5.8 ملايين طن سنويًا فى عام 2040. وتتطلب استثمارات تصل إلى حوالى 60 مليار دولار، من خلال 3 مراحل: المشاريع التجريبية 2020-2029،التوسع فى السوق 2030-2039،السوق الكامل 2040.
وتهدف مصر من خلال الاستراتيجية إلى تحقيق فوائد اقتصادية مع تطور سوق الهيدروجين المتوقع فى المستقبل وبالتالى الحصول على نسبة كبيرة من السوق سيوفر دفعة كبيرة للناتج المحلى الإجمالى لمصر فى حدود 10-18 مليار دولار بحلول عام 2040، بالإضافة إلى زيادة فرص التصنيع والتجميع المحلى وتجارة مشتقات الهيدروجين (الأمونيا الخضراء – الميثانول). بالإضافة إلى تحقيق أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على المواد البترولية، كما تهدف مصر إلى إزالة الكربون من العديد من القطاعات وتقليل الانبعاثات العالمية بما يزيد عن 40 مليون طن سنويًا. ومع تطور تجارة الهيدروجين وزيادة الطلب عليه يمكن أن توفر ما يزيد عن 100 ألف فرصة عمل على طول سلاسل القيمة.
كان مجلس الوزراء وافق بقرار 3445 لسنة 2023 على إنشاء المجلس الوطنى للهيدروجين ومشتقاته، ويكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، والعدل، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والمالية، والبيئة، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والنقل، والتجارة والصناعة، والرى، والإنتاج الحربى، وعدد من رؤساء الهيئات والجهات المعنية.
وتتركز مهام المجلس على متابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون، واقتراح تحديثها فى ضوء المستجدات الدولية والوطنية، وإقرار السياسات والخطط والآليات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية وتحديثها، والتنسيق بين الوزارات والجهات المعنية لتذليل معوقات الاستثمار فى المجال، بالإضافة إلى مراجعة التشريعات والحوافز والقواعد المنظمة.
تتمتع مصر بإمكانات ومقومات هائلة تمكنها من قيادة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى تطوير سوق الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، حيث تمتلك مصر إمكانات كبيرة من الطاقة المتجددة ( شمسى – ورياح) مع انخفاض ملحوظ فى أسعار الكهرباء المتجددة تمكنها من منافسة قوية للمصادر الأخرى.
كما تم تخصيص حوالى 40 ألف كيلو متر مربع من الأراضى الصالحة لإقامة مشروعات للطاقة المتجددة وربطها بمشروعات إنتاج وتجارة الهيدروجين ومشتقاته. إضافة إلى الموقع الاستراتيجى والقرب من أسواق مثل الاتحاد الأوروبى والشرق الأوسط والتى قد تشهد طلبًا كبيرًا على الهيدروجين فى السنوات القليلة المقبلة، حيث من المتوقع أن يشهد السوق الأوروبى المستورد الرئيسى للهيدروجين زيادة الطلب على الهيدروجين الأخضر من حوالى 3% إلى حوالى 20%.
كما وافقت لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب على مشروع “قانون حوافز الهيدروجين”، وبموجبه ستحصل الشركات التى تنفذ مشروعات الهيدروجين الأخضر فى غضون خمس سنوات والتى يكون حوالى 70% من تمويلها من مقرضين أجانب على إعفاءات من ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، إضافة إلى حوافز غير ضريبية.
و تكون الحوافز الضريبية من خلال منح حافز استثمارى نقدى لا تقل قيمته عن نسبة 33% ولا تزيد عن نسبة 55% من قيمة الضريبة المسددة مع إقرار الضريبة على الدخل المتحقق من مباشرة النشاط فى المشروع أو توسعاته، بحسب الأحوال، ولا يعد هذا الحافز دخلًا خاضعًا للضريبة. كما يمكن أن تُعفى عوائد السندات وعوائد القروض والتسهيلات الائتمانية التى تمنح لشركات المشروعات من الضرائب والرسوم، كما يتم إعفاء المعدات والأدوات والآلات والأجهزة والمواد الخام والمهمات اللازمة للمشروع لضريبة القيمة المضافة. وسيجرى إعفاء الشركات من الضريبة العقارية وضريبة الدمغة وعدد من الرسوم الأخرى.
أما الحوافز غير الضريبية فقد قرر القانون ما يلي: قد تتمكن الشركات من الحصول على رخصة واحدة للمشروع بموجب قانون الاستثمار لعام 2017، مما يسمح لها بالحصول على رخص البناء أو أى تصاريح تتعلق بتشغيل أو إدارة المشروع فى خطوة واحدة.
السماح لشركة المشروع أن تستورد بذاتها أو عن طريق الغير، ما تحتاج إليه فى إنشاء المشروع أو التوسع فيه أو تشغيله من المواد الخام وقطع الغيار دون الحاجة لقيدها فى سجل المستوردين، كما يحق لها أن تصدر منتجاتها بالذات أو الواسطة دون ترخيص وبغير حاجة لقيدها فى سجل المصدرين.
وتخفيض بنسبة 30% من قيمة رسوم وفئات مقابل الانتفاع بالموانئ البحرية المصرية والنقل البحرى.
وتخفيض بنسبة 25% من قيمة مقابل حق الانتفاع بالأراضى الصناعية المخصصة لإقامة مصنع إنتاج الهيدروجين ومشتقاته، ونسبة 20% من مقابل حق الانتفاع بأراضى مستودعات التخزين بالموانئ.
ومنح فترة سماح لسداد مقابل حق الانتفاع بالأراضى الصناعية والتخزينية الخاصة بالمشروع ليكون بدء السداد من تاريخ التشغيل التجارى.
وتحديد مدد التراخيص اللازمة للمشروع بذات مدد حق الانتفاع بالأراضى وبما لا يجاوز 50 عامًا.
بالإضافة إلى ما سبق فإن مصر عملت منذ 2014 على تطوير البنية التحتية سواء تلك الخاصة بالطرق ووسائل النقل، أو الخاصة بخطوط نقل الغاز الطبيعى أو شبكات الكهرباء وخطوط التوزيع التى تستوعب القدرات الكبيرة المتوقعة من الطاقة المتجددة، وكذلك خطوط الربط الكهربائى بينها وبين دول الجوار سواء عربيًا أو أوروبيًا. علاوة على تطوير البنية التحتية الصناعية من خلال المصانع التى تخدم عمليات إنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين ومشتقاته (الأمونيا الخضراء – الميثانول). وتركز العديد من المشروعات الجديدة للهيدروجين بالقرب من المنطقة الصناعية لقناة السويس. حيث تضم 4 مناطق صناعية و6 موانئ محورية فى خدمة التجارة العالمية بموقعها على البحرين المتوسط والأحمر، فمن المتوقع أن تستحوذ المشروعات فى المنطقة الصناعية لقناة السويس على نحو 2 مليون طن من الهيدروجين المنتج فى مصر، وعليه فإن مصر تستهدف أن تكون سوقًا رائدة لتجارة الهيدروجين فى المنطقة.