لازالت ردود الأفعال العربية والعالمية مستمرة بشأن الخطوة الكارثية التي أقدم عليها جيش الاحتلال وهو استحدث منصبًا جديدًا يخص قطاع غزة وهو تعيين "حاكم عسكرى" على القطاع، ويدعى العقيد إلعاد جورين، وذلك بعد مرور 11 شهرا من الحرب على غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني، حيث يُعد التعيين الذي أقره رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، ووافق عليه وزير الحرب، يوآف جالانت، الأول من نوعه منذ اندلاع العدوان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.
ومسألة تعيين حاكم عسكرى على القطاع يكشف نية إسرائيل لغلق باب المفاوضات مع حماس، ويؤكد نية إسرائيل استكمال خطواتها المتدرجة لمخطط تثبيت إعادة الاحتلال لقطاع غزة، في إطار السعي المستمر إلى تحقيق أهداف الحرب التي حددتها الحكومة الإسرائيلية، أبرزها إنجاز ترتيبات تُسهل هندسة "اليوم التالي" في القطاع وتثبيت صيغ حكم جديدة، تتمثل فى قرار التعيين الجديد، والتجهز للتعامل مع سيناريوهات الملاحقة القضائية، وهو القرار الذى يحاكي ما حدث في الضفة الغربية.
رأى القانون الدولى والمواثيق في تعيين إسرائيل حاكم عسكرى على غزة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الخطوة الكارثية التي أقدمت عليها إسرائيل من ناحية القانون الدولى والمعاهدات والمواثيق وهى استحدث منصبًا جديدًا يخص قطاع غزة وهو تعيين "حاكم عسكرى"، بحجة أنه سيكون مسؤولًا عن القضايا الإنسانية اليومية المتمثلة بنقل المساعدات الإنسانية على المعابر إلى القطاع وعلى الطرق داخله، وإصلاح البنية التحتية في غزة والاتصال مع منظمات الإغاثة الدولية، فضلا عن منع تشكل أزمة إنسانية في غزة، والحفاظ على الشرعية الدولية لمواصلة القتال ضد حركة المقاومة حماس – بحسب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي.
في البداية - نحذر من خطورة وعدم قانونية قرار إسرائيل تعيين حاكم عسكري على غزة، خاصةً في ظل الانتقادات الدولية المتصاعدة لتوظيف الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع والحصار والتدمير الممنهج للبنية التحتية في سبيل تحقيق أهدافه العسكرية والميدانية في غزة، حيث أن قرار إسرائيل تعيين حاكم عسكري على غزة يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، مشددا علي أن هذا الإجراء يتعارض بشكل مباشر مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 – وفقا لـ"مهران".
العقيد إلعاد جورين - الضابط الذى تم تعيينه
القرار ينتهك اتفاقية جنيف الرابعة
وكذا المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص صراحة على عدم حرمان الأشخاص المحميين في أي حال ولا بأي كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المحتل أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، فإن هذا القرار يمثل محاولة لإضفاء شرعية على الاحتلال، وهو أمر مرفوض تماماً في القانون الدولي، مدللا علي ذلك بميثاق الأمم المتحدة وبقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 لعام 1970 يؤكد على عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة – الكلام لـ"مهران".
وبين أستاذ القانون الدولي أن إسرائيل تسعى من خلال هذا الإجراء إلى فرض سيطرة كاملة على غزة، وتغيير الوضع القانوني للقطاع، معتبرا أن هذا يهدف إلى تقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وهو حق أساسي مكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما لفت "مهران" إلى السوابق التاريخية قائلاً: هذا ليس إجراءً جديداً من قبل إسرائيل، فقد سبق لها أن فرضت إدارة عسكرية على الضفة الغربية بعد احتلالها عام 1967، مؤكدا ان هذه الممارسات تشكل نمطاً متكرراً من انتهاكات القانون الدولي.
القرار سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع
ونحذر من المخاطر المترتبة على هذا القرار حيث أن فرض حاكم عسكري على غزة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، كما سيعزز هذا الإجراء سياسات الفصل العنصري والتمييز ضد السكان الفلسطينيين، وهو ما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما أن هذا القرار سيقوض أي فرصة لحل سلمي للصراع حيث رأي أنه يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي، خاصة القرار 242 لعام 1967، الذي يؤكد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الأخير – الكلام لـ"مهران".
ومن وجهة نظر القانون الدولي، هذا القرار يعد باطل وغير قانوني، خاصة وأن إتفاقية لاهاي لعام 1907 تلزم دولة الاحتلال باحترام القوانين السارية في البلاد، فلابد من اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يدين هذا الإجراء، والمطالبة بإلغائه فوراً وأن يتحمل مسؤولياته، مع تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذا الإجراء باعتباره جزءاً من سياسة ممنهجة قد ترقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية – هكذا يقول الخبير القانوني الدولى.
الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي
ضرورة دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إذا فشل مجلس الأمن
وتابع: مع دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إذا فشل مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة تحت بند الاتحاد من أجل السلام لتجاوز أي فيتو محتمل في مجلس الأمن، فضلا عن تفعيل دور المحكمة الدولية للعدل من خلال الرأي الاستشاري حول عدم قانونية الاحتلال وضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية وتحمل المجتمع الدولي مسؤولية تفعيل ذلك.
هذا وشدد علي ان استمرار المجتمع الدولي في غض الطرف عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي يقوض مصداقية النظام القانوني الدولي بأكمله، مؤكدا أنه حان الوقت لاتخاذ موقف حازم وموحد ضد هذه الممارسات غير القانونية لضمان احترام القانون الدولي وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، ومشيرا الي أن الحل الوحيد لهذا الصراع هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومشددا على ان أي إجراءات أحادية الجانب من قبل إسرائيل لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد وإطالة أمد الصراع.
نبذة تاريخية عن المنصب
يعود تاريخ تأسيس مهمة المنسق إلى العام 1967 إبان احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، حين قررت إسرائيل أن تبقي على الضفة والقطاع تحت إدارتها العسكرية، ثم في العام 1981 قرر وزير الجيش الإسرائيلي السابق، أرئيل شارون، تأسيس جهاز الإدارة المدنية الذي يتبع له المنسق، وفي المحصلة فإن التبعية الكاملة لهذه المناصب تعود إلى وزير الجيش الإسرائيلي، وفي الضفة الغربية يدير الضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، هشام إبراهيم، هذه المهمة، وهو ضابط شارك في حرب لبنان مع إسرائيل في العام 2006 وتدرج في عدة مناصب قيادية في الجيش.
مهمة الحاكم العسكرى
والواقع والحقيقة يؤكدان أن عمل المنسق من الوسائل الإسرائيلية هو القوة الناعمة في الضفة الغربية المحتلة، والهادفة إلى إحداث اختراق في صفوف المجتمع الفلسطيني مستغلًا بذلك حاجة الناس، مثل قضايا إصدار تصاريح العمل في أراضي الداخل المحتل، وإصدار التصاريح لأصحاب رؤوس الأموال من التجار ورجال الأعمال، وإزالة المنع الأمني مقابل تعهدات والتزامات بعدم الانخراط في أي نشاط معادي، ومتابعة مناحي حياة الفلسطينيين كافة، عبر المعابر وفي بعض المناطق المصنّفة (ج) أي الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، ومحاولة التواصل المباشر عبر مواقع التواصل مع الفلسطينيين في المناسبات والأعياد، بالتالي ما يُفهم من عمل المنسق، إلى حد ما، أنه تطبيق سياسة التدجين الاقتصادي والاختراق الاجتماعي في الأراضي المحتلة.
رأى نواب مصريين في القرار
من جانبه، أكد المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد، أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعيين حاكم عسكري لغزة، يبعث بعدة رسائل أهمها غلق باب المفاوضات ورفض إسرائيل لأي اتفاقيات تستهدف وقف إطلاق النار، ولو كان ذلك على حساب مقتل الرهائن والمحتجزين، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تعني إعلان إسرائيل احتلال قطاع غزة مرة أخرى، وأنها ماضية في حربها اللا إنسانية على القطاع والتي أندلعت في أكتوبر الماضي.
وقال "الجندي" في تصريحات صحفيه: إن نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ مستقبله السياسي في ظل تهم الفساد التى تلاحقه، لافتا إلي أن مماطلة رئيس الوزراء الإسرائيلي ومحاولاته المستمرة لعرقلة مفاوضات التهدئة، تؤكد وجود مخطط إسرائيلي لإعادة احتلال قطاع غزة، وعدم الانسحاب العسكري منه خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي علي التحركات الفلسطينية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وفرض خطة الحكم الإقليمي على الفلسطينيين.
سكان القطاع يواجهون إبادة جماعية
وحذر عضو مجلس الشيوخ، من سياسة الغطرسة والقرارات الأحادية التي يقوم بها نتنياهو، وإصراره علي استمرار الحرب على الأراضي الفلسطينية بالكامل وليس قطاع غزة فقط، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى إشعال المنطقة، ويهدد السلام الإقليمي والأمن والسلم الدوليين، خاصة في حال انزلاق قوي إقليمية مثل إيران وحلفائها في هذه الحرب، مؤكدا أن استقرار الشرق الأوسط يبدأ بوقف الحرب علي قطاع غزة، وبدأ مسار سياسي لحل القضية الفلسطينية جذريا.
ودعا النائب حازم الجندي، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني الذي يواجه أبشع جرائم الإبادة من جانب جيش الاحتلال ليس في قطاع غزة فقط، وإنما في الضفة الغربية أيضا، مؤكدا أن دولة الاحتلال لديها مخطط بتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة من أجل توسيع حدود دولتها والقضاء تماما علي حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وهو ما يتطلب التحرك الدولي من أجل تنفيذ مقررات الأمم المتحدة في هذا الشأن.