الجمعة، 22 نوفمبر 2024 03:07 ص

حكايات يرويها الأبطال.. "مولانا سيد المبروك" ثمانينى يحكى تفاصيل شارك فيها قبل نصر أكتوبر.. عدالة السماء تُرسل للجنود "جَملاً" ليدُلهم على الماء والطعام.. ويؤكد: الفدائيون القشة التى علقت بها أثناء غرقى بالقناة

حكايات يرويها الأبطال.. "مولانا سيد المبروك" ثمانينى يحكى تفاصيل شارك فيها قبل نصر أكتوبر.. عدالة السماء تُرسل للجنود "جَملاً" ليدُلهم على الماء والطعام.. ويؤكد: الفدائيون القشة التى علقت بها أثناء غرقى بالقناة مولانا سيد المبروك - أحد مقاتلى حرب أكتوبر - ونجله حسن
الأحد، 06 أكتوبر 2024 06:00 م
كتب علاء رضوان

يحتفى الشعب المصرى هذه الأيام بالذكرى الـ51 لانتصارات حرب أكتوبر المجيد أو حرب العاشر من رمضان أو حرب تشرين التحريرية أو حرب يوم الغفران، كلها أسماء لانتصار عظيم خلده التاريخ، ومازالت تتحاكى به إسرائيل كنقطة سوداء في تاريخها، وهي خامس الحروب العربية الإسرائيلية، وفى مثل هذه الأيام ينشط محرك البحث – جوجل - عن موضوعات حرب أكتوبر 1973، ويكون من أبرز هذه الموضوعات الأبطال الذين شاركوا في تلك المعركة الخالدة.

 

ومن أمثلة هؤلاء الأبطال الحاج سيد سليمان أو مولانا سيد المبروك مثلما أطلق عليه عناصر كتيبته والذي تجاوز الآن الـ80 من العمر، وتحديدا 82 سنه، ولكن أحداث أكتوبر و67 ظلت عالقة في ذهنه من الوهلة الأولى، ودخوله الجيش وارتدائه الزي العسكري الذي اعتبره شرفا عظيما بالنسبة له وفخرا بين أقرانه وفخرا لأهله، فاستمر في الخدمة أكثر من 11 عاماً خاض فيهم حروبا عدة ومر بلحظات فرح وانكسار وموت وحياة، ويكشف لنا عن الجمل الذي كان دليلهم في الصحراء وكانوا يهتدون بالنجوم.

 

 يب

                الحاج سيد ممسكا بجزء من طائرة أسقطها

 

وإلى نص الحوار.. 

 

حدثني عن نشأتك وكيفية التحاقك بالجيش؟

 

ولدت عام 1942 في قرية عنيبس التابعة لمركز جهينة محافظة سوهاج، ونشأت على أصداء الهزيمة المنكرة حرب 1948م، وكان الحديث الشاغل في الشارع المصري آنذاك هو ظهور نجم إسرائيل الصاعد في فلسطين وتماديها في الوطن العربي، فنحن كطبيعتنا كأرياف نحتسب أنفسنا بعيدون عن تلك الحروب، وكنت منذ نعومة أظافري أتلهف وبشدة لكل أحداث الحرب وسماع الملاحم الوطنية التي يقومون بها جنودنا البواسل في الضفة الشرقية والناحية الأخرى من القناة، فكان أبطالنا من القرية يتهافتون عليهم أهالي القرية بأكملها كي يستمعون لقصصهم وبطولاتهم في المعارك، ومنذ تلك الحظة وداومة علي الذهاب إلى المركز في رحلة تكاد شبه يومية لسماع الراديو ومتابعة مجريات الأمور حتى أتي سن التحاقي بالجيش، وقررت في تلك اللحظة الالتحاق بالجيش حيث سلاح المدفعية الذي كنت أحلم به، فالتحقت بالجيش عام 1960م.

 

ددىىى

 

حدثنا عن الفترة التي قضيتها في الكتيبة قبل ضربها؟

 

كنت أعشق المدفع منذ صغري، وعند التحاقي بسلاح المدفعية صارت صداقة بيننا، وكنت أهتم به كأنني أهتم بنفسي، لدرجة كنت أنظف المدفع (بفوطة) الوجه، وأجدت صيانة المدافع واشتهرت بصيانة المدافع وسط زملائي بل تفوقت على الفنيين بحد ذاتهم، وكان هناك شاويش يغار مني، وذلك لتفوقي عليه في استخدام السلاح وصيانته، لدرجة أنه كان يأمرني بالنزول من على المدفع عند مرور القادة ليجلس مكاني لكي يظهر لهم أنه أكفاء مني، وفي إحدي المرات أمرني بالنزول وحدثت غارة من قبل العدو فقفز هاربا وترك المدفع خاليا، فذلك الأمر فطر قلبي لضياع اللحظة التي كنت أتمناها وأعددت لها نفسي جيدا، فقفزت على المدفع لاصطياد الأهداف السانحة، ولكنى لم أستطع إصابة الأهداف بسبب ما حدث.

 

ططس

               الحاج سيد وسط أصدقائه من مقاتلى الكتيبة 

 

وفي موقف مشابه جاء الشويش ثانية لينزلني من على المدفع، ولكني لم أنفذ آوامره، فقام بضربي بقطعة خشب على ساقي وحدث شجار عنيف بيننا، وذهبنا إلى القائد وكان قراره مثل الصاعقة عليّ لحرماني من الصعود على المدفع ثانية، وتظلم لى قائدى المباشر للقائد العام وقال في حقي إنني أفضل جندي في سلاح المدفعية، وأتميز بصيانتها واستخدامها، وفي النهاية أمر القائد العام نقلى إلى عربات الذخيرة، وأثناء حراستي لعربات الذخيرة جاء بعض الجنود يركضون من أمام الدبابات سألين عن الماء، فنزلت إلى خزان المياه لأجمع لهم بعض الماء وأثناء تواجدي داخل الخزان سمعت قذائف الطيران وغارات العدو تحصد في أرواحنا وعند خروجي من خزان المياه أشلاء الجنود متناثرة من حولي، والجثث في كل مكان ولم أجد أحياء سوى 7 جنود غيري.

 

ماذا حدث بعد أن تجمعت أنت والسبعة جنود؟

 

بعد أن تجمعنا كان الطيران يحلق فوقنا، فركضنا إلى الصحراء ولم نعلم إلى أين نذهب حتي  أبتلعتنا الصحراء، وانتظرنا قدوم الليل لنسير ليلا متخفين من طائرات العدو، وبعد مرور يومين لم تستطع أقدامنا تحمل (البيادة) والسير بها، فخلعتها من قدمي، فكنا نسير ليلا ونهتدي بالنجوم وتذكرنا قوله تعالي: "وبالنجم هم يهتدون"، وسرنا بضعة أيام بدون أكل ولا مياه حتى تورمت أقدامنا وتشققت شفتانا، وتدفقت الدماء منها من قلة المياه، وتهالكت أجسدنا حتى لم نستطع السير، فجلسنا فاقدين الأمل في العودة منتظرين الموت ليرحمنا من ذلك العذاب وعند بزوغ شمس الرابع عشر لنا في رحلتنا وجدنا جمل علي بعد أمتار منا، فأيقظت أصدقائي من حولي من أجل الإمساك به، فهممنا بإمساكه، فقال واحد منا: "لا تمسكوا به ولكن نتتبع آثاره ليدلنا على مكان به مياه وغذاء".

 

دددسسس

                          الحاج سيد مع نجله حسن 

 

وتابع: "وبالفعل تتبعنا الجمل فوجدناه يذهب إلى منحدر بين الجبال أشبه بوادي يوجد به زرع ومستنقع مياه، وعندما إقتربنا أكتشفنا أنه خشخاش ووجدنا كوخ  صغير لحارس المزرعة وعندما رأي الزي العسكري الذي نرتديه فر هاربا، ودخلنا الكوخ من خلفه، فوجدنا بعض الطعام لا يكفي إلا رجل واحدا، فقسمنا علينا وشربنا من مستنقع المياه، وجلسنا به يوما كاملا حتي نسترد عافيتنا ونكمل المسيرة، وفي اليوم السادس عشر سرنا في الاتجاه الذي فر منه هاربا حارس المزرعة حتي وجدنا أحد الأفراد، فدلنا علي طريق المنجم فسرنا إليه مسرعين، وأثناء سيرنا وجدنا لافتة مكتوب عليها اتجاه المنجم، وأنه يقع علي بعد 96 كيلو، فقطعنا المسافة في يومين نظرا لأن الطريق ممهدة، وقبل وصولنا للمنجم وجدنا أن القوات الإسرائيلية مسيطرة عليه والأعلام الإسرائيلية ترفرف عاليا ودورية تتكون من أربعة جنود فأنتظرنا قدوم الليل، فأنقضضنا عليهم، وأخذنا ما طاب لنا من طعام وسرنا للخلف بعربة الجنود في اتجاه القناة، فتركنا السيارة، لأن الطريق غير ممهدة".

 

 

واستطرد: "وأكملنا السير علي أقدامنا إلى أن وجدنا سيدة تحمل فوق رأسها (جركن مياه)، فإتجهنا إليها مسرعين، ففزعت السيدة وألقت ما تحمله، فأهدائنا من زعرها، وأرشدتنا الي البئر فعصف بنا الحال إليه، ونزلنا فيه وعندما صعدنا من البئر علمنا بأننا في منطقة تسمي (رومانا)، وأنه تحت سيطرة العدو الصهيوني، فدب فينا روح اليأس والاستسلام، فأخبرنا أحد مشايخ القبيلة أن العدو يقوم بوضع الآسرى تحت سيور الدبابات، وحذرنا من الاستسلام، فصرخت في الجنود لكي أشجعهم، ونكمل سيرنا لنعبر القناة ونلتحق بباقي الجيش للعودة للانتقام من العدو الصهيوني، ولما رأيت القناة القيت نفسي فيها لكي أعبر للضفة الأخرى، ولم اشعر بما تم بعدها وإذا بأشخاص يستقلون مركب صيد في القناة، وآخذوني الي خندقهم، وعندما آفقت وجدتهم من حولي، وطلبت منهما التوجه إلى معسكرات الجيش المصري".

 

ددؤؤؤ

                              المقاتل سيد سليمان 

 

ويضيف: "وعند ذهابنا إلى معسكر الجلاء حيث الجيش الثالث الميداني أحضروا لنا الأطباء لكي يضمدوا جراحنا، وبعد الانتهاء ذهبنا إلى الخيمة الخاصة بنا، وهنا حدثت المفارقة، حيث حضر إلينا جندي ويحمل بين زراعيه أكواب مليئة بالشربات، فأعطاني الأكواب، فصرخنا بصوت عالي، وألقينا بالأكواب علي الأرض، فحضر إلينا قائد المعسكر، وطلب منا الهدوء فقلت له: (يا فندم لنا ما يقارب شهر الآن ولم نذق طعاما ولا شرابا، وفوجئنا بذلك العسكري يحمل لنا شربات بدل الطعام.. هل هذا شربات النصر الذي تقدموه لنا أم شربات الهزيمة)، فزرفت دموع القائد، وطلب منا الجلوس، وصرخ في الظابط والجنود من حوله، وقال أجلبوا لي طعاما في أسرع وقت، وقدموا لنا الطعام، وبعدها أعطانا أجازة لمدة شهر، وعند نزولنا للأجازة قال لنا أحد الضباط إن ننزل بالزي الملكي، وذلك لتجنب السخرية والتهكم من بعض ضعفاء النفوس والمستهترين، ولكن لم يكن معنا زي ملكي في ذلك الحين، ونزلت الأجازة، واستقللت قطار الصعيد في رحلة إلى الصعيد وواجهة في طريقي في الرحلة سخرية هؤلاء الأفراد، فكانت سخريتهم تغرس في جوفي سكينا مسموما، فعند رجوعي إلى منزلنا، وجدت أهلي قد فقدوا الأمل في قدومي وظنوا أني استشهدت في الحرب، وفوجئ الجميع بقدومي".

 

حدثني عن ذهابك إلى الأردن والصعوبات التي واجهتها هناك؟

 

بعد رجوعي من الأجازة طلبنا قائد الكتيبة، وطلب منا الذهاب إلى أسوان لتأدية الخدمة هناك، فهذا الأمر كان بمثابة الصاعقة نزلت عليّ، وطلبت من القائد أن لا أذهب، وأن أتواجد مع زملاء هنا لكي نسترد أراضينا، فطلب مني الجلوس، وأمر بخروج الجميع، وقال لي سوف نرسل بك إلى مهمة سرية في الأردن حيث مراقبة العدو، وتحركات طائراته من هناك وعن قرب نظرا لبعد المسافة وصعوبة المكان، ففي الفجر اليوم الثاني ذهبنا كتيبة سرية مكونة من 150 فرد من ضباط وعساكر ومهندسين وفنين، فنزلنا في  الأردن وتلقينا إشارة بتغير لغة الإشارة في أسرع وقت، نظرا لرصد العدو لها، وطلبوا منا تغير المكان لأن الاستخبارات الإسرائلية قد رصدتنا وفي طريقها للقضاء علينا، فقدم إلينا قائد السرية، وطلب منا إخلاء المكان.

 

 

ددديي

 

واستطرد: "بعد مناقشات مع القائد قررنا البقاء والمواجه وفي ظهر اليوم التالي وجدنا ما يقارب 300 طائرة قادمون علينا، ويقذفون علينا بقذائفهم، ونحن أطلقنا عليهم مدافعنا، والنيران ومن كثرت الطائرات من فوقنا كان يرتطموا في بعضهم لبعض، ويتساقطون حتي سقط ما يقارب لثمانية طائرات، وأسقط من بينهم أنا طائرتان، وفي النهاية انتهت الغارة، ولم يتبقي من السرية سوى 26 جنديا، وأنا منهم ومحتفظ بصور أصدقائي إلى الآن واستمرت مهمتي في الأردن ما يزيد عن عام ونصف إلى أن أرسل إلينا بعض زملائنا للمناوبة بيننا، ودارت الأيام كانت كالمرار إلى أن أذن الله لنا بالنصر واسترجاع الأرض والعرض في حرب 73 المجيدة".


 
طططؤؤ
 

ططططط

الأستاذ حسن سيد سليمان - نجل الحاج سيد 

print