التحول الرقمى - أرشيفية
الواقع والحقيقة يؤكدان أن منذ منتصف القرن العشرين، بدأت الرقمنة تتغلغل ببطء في بعض القطاعات، ثم اندفعت بقوة مع ظهور شبكة الإنترنت في التسعينيات، وتعززت بانطلاق البيانات الضخمة في الألفية الحالية 2013م، فباتت الآحاد والأصفار تسيطر على العالم، إذ أن هذا الترميز الثنائي (0 و1)، وهو لغة الحاسب، يبتلع يوماً بعد يوم كل شيء، من لعـب الأطفال إلى المؤسسات وحكومات الدول التي "تترقمن".
والرقمنة أخذت بتغيير الطريقة التي يعيش فيها العالم من معظم جوانبها الاقتصادية والاجتماعية، حتى أصبح من النادر أن تجد شخصاً ليست له علاقة "بالرقمنة" من قريب أو بعيد، وأصبح يطلق على الذين لا يلمون بكيفية التعامل مع تقنيات المعلومات الرقمية "الأميون الرقميون"، وبالأخص في مصر رغم ما تقوم به الدولة من جهود كبيرة في تيسير تقديم الخدمات للجمهور، وتقديمها بأعلي جودة، والتي يعد من أبرزها أطلاق منصة "مصر الرقمية" والتي يقدم من خلالها خدمات عديدة للمواطنيين بمنتهي السهولة واليسر، وبدون الحاجة للتوجه لمقرات الجهات الحكومية مقدمة الخدمات.
رحلة التحول الرقمي في مصر
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على رحلة التحول الرقمي في مصر في سلسلة من التقارير، فعلى الرغم من الجهد الكبير من قبل الدولة، إلا أنك تُفاجأ أثناء لقاءات تدريبيية متعددة بشباب محافظات مختلفة كمحافظات مدن القناة ومحافظات الدلتا أنهم لا يعلمون شيئاً عن منصة مصر الرقمية، ولا يوجد لديهم أي معلومات عن الخدمات التي تقدم من خلال تلك المنصة، على الرغم من أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكد أهمية الرقمنة لما لها من دور في ضمان وصول الدعم لمستحقيه، من خلال ضبط البطاقات التموينية – بحسب الدكتور أحمد عبدالوهاب، الخبير واستشاري التدريب، ومؤسس الجمعية المصرية للباحثين العلميين.
في البداية - قال الرئيس السيسي، في كلمته في أكتوبر عام 2021 أثناء افتتاح عدد من مشروعات الإسكان البديل للمناطق غير الآمنة بمدينة 6 أكتوبر: "عدم وجود رقمنة للدولة المصرية خلانا مش شايفين كويس، بياناتنا مش واضحة، فحصل استقرار لواقع غير دقيق، وبه الكثير من الفساد"، وقال: "إنه نتيجة لهذا الوضع فوجئت إن ليا بطاقة تموين تحمل اسمي في محافظة المنيا وحد بيصرف بها المواد التموينية وده سببه الفساد" – وفقا لـ"عبدالوهاب".
حقائق عن التحول الرقمي في مصر
الحقيقة أن التحول الرقمي في مصر بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، مع التحول إلى استخدام الحاسب الآلي في العديد من المؤسسات المصرية، وعلى رأسها وزارة الدفاع ومصلحة الضرائب العامة والتأمينات، وكان بزوغ عهد جديد في التحول الرقمي في مصر عام 2001 بإنشاء الحكومة الإلكترونية والتي تعد من أهم طرق تيسير تقديم الخدمات للمواطنيين، وكانت مصر بالإضافة إلى الأردن والإمارات وسوريا من أوائل الدول العربية التي أنشأت الحكومة الإلكترونية، ولتتبناها فيما بعد بقية الدول، ومن أوائل الخدمات التي بدأ بها تطبيق التحول الرقمي في مصر، خدمات تنسيق القبول بالكليات والمعاهد، وقد كان تقديم هذه الخدمة إلكترونياً بشكل اختياري في عامها الأول، وتم تقييم هذه التجربة، وأظهر هذا التقييم النجاح الكبير والطفرة العظيمة التي حققته تلك التجربة في مجال تقديم الخدمات للمواطنيين – الكلام لـ"عبدالوهاب".
وما الجديد في التحول الرقمي في مصر في السنوات الأخيرة؟
ففى السنوات الأخيرة بدأ تخطيط استراتيجي لاستخدام التحول الرقمي كوسيلة لمستقبل أفضل للمصريين، فمع تدشين الجمهورية الجديدة يتم بناء مصر الرقمية، فتماشيًا مع رؤية مصر 2030 وضعت استراتيجية مصر لتحقيق التحول الرقمي، حيث شرعت الحكومة من خلال وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في بناء مصر الرقمية، وتمثل مصر الرقمية رؤية وخطة شاملة وتُعد بمثابة حجر الأساس لتحويل مصر إلى مجتمع رقمي، وتتبنى مصر استراتيجية ومسار عمل قويين لتحويل الخدمات الحكومية القائمة والنظام البيئي المجتمعي إلى نظام بيئي رقمي قائم تمامًا على البيانات، وذلك لتقديم الخدمات الحكومية بصورة أسرع وأبسط – هكذا يقول "عبدالوهاب".
وتتعاون وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع كافة قطاعات الدولة لتحقيق التحول الرقمي من خلال محورين وهما، الخدمات المقدمة للمواطنين وتحسين الأداء الحكومي، و يستهدف برنامج تطوير الخدمات الحكومية تقديم خدمات متميزة بطريقة سهلة لكافة المواطنين والتوسع فى استخدام البوابات الإلكترونية ونظم التواصـل الحديثة لتقديم الخدمات للمواطنين وفق معايير الجودة مع ربط كافـة البيانـات والخـدمات التي تقدم للمواطنين إلكترونياً، ويشمل كذلك تعزيز الشفافية والحوكمة فى الجهاز الإداري للدولة عن طريق وضع نظام يتسـم بالشفافية ويشمل الاستغلال الأمثل للموارد وهو ما يتطلب مواكبـة التحـول الرقمـي فى إعداد وتنفيذ والرقابة على الموازنة العامة للدولة – طبقا لـ"عبدالوهاب" .
يرتكز بناء مصر الرقمية على ثلاثة محاور أساسية
وقد تم تطوير العديد من الخدمات الإلكترونية وإطلاقها بعدد من الهيئات، منها هيئات إنفاذ القانون والتوثيق والأحوال الشخصية ومحاكم الأسرة والتموين والكهرباء والزراعة والمرور والشهر العقاري وصندوق الإسكان الاجتماعي، ودعم التمويل العقاري والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وللبدء فى هذا التحول إلى مجتمع رقمي وبناء اقتصاد رقمي قوي، يرتكز بناء مصر الرقمية على ثلاثة محاور أساسية، هي: (منصة مصر الرقمية، المهارات والوظائف الرقمية، والإبداع الرقمي)، وأطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العديد من المشاريع التي تم تنفيذها فى إطار بناء مصر الرقمية لإتاحة الخدمات الحكومية الرقمية للمواطنين من خلال خمسة منافذ، وهي منصة مصر الرقمية وتطبيقات الهاتف المحمول ومراكز الاتصال (15999) ومكاتب البريد ومراكز خدمة المواطنين.
إطلاق منصة "مصر الرقمية" الإلكترونية
وقد تم إطلاق منصة "مصر الرقمية" الإلكترونية لتوفير مجموعة واسعة من الخدمات الحكومية على نحو أفضل وأكثر فاعلية، من تلك الخدمات الحكومية فى المرحلة الأولى خدمات المرور والتموين والتوثيق والشهر العقاري والسجل التجاري والضريبة العقارية، وذلك بالتعاون مع الجهات المقدمة للخدمات، كما تشمل المرحلة الثانية خدمات أخرى تتضمن خدمات المحاكم والإسكان الاجتماعي والأحوال المدنية، وخدمات الترخيص.
وقد تم توفير طرق دفع إلكترونية مختلفة لرسوم الخدمات، بما فى ذلك شركات الدفع الإلكتروني ومحافظ الهاتف المحمول وبطاقات الائتمان، وفى إطار الخطوات التي تتخذها الدولة المصرية فى إطار التحول إلى المجتمع الرقمي قامت بتخصيص 7.8 مليار جنيه فى موازنة 2019/2020 لمشروع تحديث البنية المعلوماتية والمحتوى الرقمي للدولة المصرية (موقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية).
الدعم التشريعي للتحول الرقمي
كما وفرت الدولة البنية التشريعية المناسبة للتحول الرقمي، حيث ظهرت تشريعات تشير إلى التحول الرقمي ولكن بشكل اختياري ومثال على ذلك لائحة قانون الخدمة المدنية، والتي نصت المادة 70 منها على أنه: " تعد إدارة الموارد البشرية بالوحدة سجلا إلكترونيا أو ورقيا للأداء الوظيفي لكل موظف ....... "، والمادة 80 منها والتي نصت على أنه: " تعلن إدارة الموارد البشرية الموظف إلكترونيا أو ورقيا بصورة من تقرير تقويم أدائه وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اعتماده من السلطة المختصة......"، والمادة 84 منها والتي نصت على أنه: " تعلن إدارة الموارد البشرية الموظف إلكترونيا أو ورقيا بنتيجة تظلمه من تقرير تقويم أدائه، والأسباب التي بنيت عليه.....".
وحقق الدعم التشريعي طفرة كبيرة حينما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1146 لسنه 2018 ونص فى مادته الأولي على أنه يتم استحداث تقسيمات جديدة فى كل وحدات الجهاز الاداري للدولة منها نظم المعلومات والتحول الرقمي، وبهذه المادة قضت الحكومة المصرية مقدماً، وبشكل عملي وسريع على إحدى المعوقات الادارية الرئيسية امام التحول الرقمي، وهي مشكلة الهياكل التنظيمية، وفى ذات الاطار الخاص بالهياكل التنظيمية فقد كلفت وزارة الاتصالات بإدارة ملف التحول الرقمي بشكل كامل ومستقل، بعد أن كان هناك تشارك بينها وبين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى إدارته.
إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني
وسبق ذلك إجراء إصلاحات هيكلية تضمنت إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (2259) لعام 2014، وإنشاء المجلس القومي للمدفوعات بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم (89) لعام 2017 الذي أسفر عنه مشروع قرار المدفوعات غير النقدية، وإنشاء المجلس الأعلى للتحول الرقمي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم (501) لعام 2017 الذي أسفر عنه أصدار وثيقة مصر الرقمية، والزم قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (123) لعام 2017 جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والهيئات الاقتصادية وغيرها من الجهات الحكومية بصرف جميع مستحقات العاملين لديها من خلال نظام الدفع الالكتروني ببطاقات ( ATM).
وألزم قرار وزير المالية رقم (269) لعام 2018 بتحصيل المستحقات الحكومية والضريبية والجمركية من خلال منظومة الدفع والتحصيل الإلكتروني، وفى مارس 2019 وافق مجلس النواب على قانون الدفع غير النقدي، حيث صدر القانون رقم 18 لسنة 2019 بشأن استخدام وسائل الدفع غير النقدي، والذي يلزم كافة الجهات بإتاحة قبول وسيلة الدفع الإلكتروني وأعلنت وزارة المالية فى مايو 2019 بدء تطبيق قرارها بعدم قبول أي مدفوعات نقدية أعلى من 500 جنيه بنظام الدفع النقدي.
منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الانكتاد"
وقد سبق تلك الاجراءات، نجاح خطوات أخري فى رحلة التحول الرقمي فى مصر منها إطلاق مصر الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية فى 2017 بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الانكتاد"، وتدشين مشروع البنية المعلوماتية المصرية لربط أكثر من 70 قاعدة بيانات حكومية ببعضها، وميكنة آليات التحصيل الضريبي بالتعاون مع وزارة المالية، وتحويل بورسعيد إلى أول مدينة رقمية فى مصر خلال النصف الثاني من عام 2019، وبناء عاصمة إدارية جديدة ترتكز على فلسفة التحول إلى حكومة رقمية.
وتم إصدار 30.4 مليون بطاقة إلكترونية بنهاية سبتمبر 2018، وبلغ عدد نقاط البيع الإلكتروني فى مصر 74.2 ألف نقطة، ووصل عدد الحسابات المقترنة بالإنترنت البنكي إلى 2.1 مليون حساب عام 2018، وبلغ عدد البنوك التي تقدم خدمة الإنترنت البنكي إلى 32 بنك عام 2018، وبلغ عدد ماكينات الصراف الآلي (ATM) فى مصر 11.9 ألف ماكينة عام 2018.
بالأرقام.. ارتفاع حجم الاستثمارات فى قطاع الاتصالات
وواكب تلك الإجراءات ارتفاع حجم الاستثمارات فى قطاع الاتصالات بنسبة 22,9%، ليصل إلى 35,4 مليار جنيه خلال عام 2018/2019، مقارنة بـ28,8 مليار جنيه خلال عام 2017/2018، وكذلك ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت فى مصر بنسبة 7,9%، ليصل إلى 40,9 مليون مستخدم عام 2018/2019، مقارنة بـ 37.9 مليون مستخدم خلال عام 2017/ 2018، وزيادة عدد مشتركي الإنترنت عن طريق الهاتف المحمول بنسبة 15,7%، لتصل 36.2 مليون مشترك فى مايو 2019، مقارنة بـ 31.3 مليون مشترك فى مايو 2018، وبلغت قيمة صادرات الخدمات الرقمية 3,6 مليار دولار خلال عام 2018/2019.
وفى الأخير يؤكد "عبدالوهاب": الحكومة المصرية تتبني استراتيجية قومية للتحول الرقمي تهدف من خلالها تقديم خدمات متميزة للمواطنين من خلال اتاحة الخدمات الرقمية بطرق سهلة وبسيطة، وبتكلفة مناسبة، وفي كل وقت، وفي كل مكان، وسيتمكن المواطن المصري، في أي مكان، من تلقى هذه الخدمات إلكترونيًا، وأن من الأجدر بنا كمواطنيين وخاصة الشباب أن نستفيد من هذا التغيير الجذري في تقديم الخدمات لنا من خلال التحول الرقمي لما يوفره لنا من مميزات يأتي في مقدمتها ميزة الأمان.
