فى يوم غائم من أيام ديسمبر قبل أكثر من مائة عام، رست السفينة «روزلن» فى ميناء «يافا»، حاملة على متنها ما يقارب الـ650 مهاجرا يهوديا إلى أرض فلسطين، معلنة عن بدء الموجة الثالثة والأخطر من هجرة اليهود، تلك الموجة التى شهدت تضاعف أعدادهم، فعاثوا فى الأرض فسادا قتلوا أصحابها وطردوهم من بيوتهم ليتمكنوا هم من بناء إسرائيل على أنقاض الفلسطينيين، تنفيذا لمقولة ثيودور هيرتزل، أحد أكبر زعماء الصهيونية، أن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وكلما مرت السنوات ظنت تل أبيب أنها بقتل وتهجير الفلسطينيين ستتمكن من القضاء عليهم وتصفية القضية، ولكن ما حدث كان العكس تماما، حيث لم يترك أصحاب الأرض سبيلا لمقاومة المحتل الغاشم إلا وسلكوه، فقاوموا مرة بالسلاح ومرة بـ«الإنجاب».. نعم.. اتخذ الفلسطينييون من كثرة الإنجاب سلاحا للمقاومة، ووضعوا استراتيجية منذ عقود بأن زيادة أعدادهم هو دور قومى، والحفاظ على مستوى الخصوبة هو أعلى مراتب الوطنية.
هذا وضع حذر منه الكثير من السياسيين والباحثين الإسرائيليين، ووصفوه بأنه «قنبلة ديمغرافية» وأوصوا بضرورة التخلص منها بأى وسيلة، وبدأت بالفعل عملية التحول الديموغرافى فى قطاع غزة، الذى شكل منذ أمد بعيد شوكة فى ظهر المشروع الصهيونى، ولم تجد إسرائيل فرصة سانحة أفضل من حربها على القطاع.
أعداد الفلسطينيين المتزايدة صداع فى رأس تل أبيب
ووفقا لأرقام جهاز الإحصاء الفلسطينى فى مايو الماضى، فإن عدد الفلسطينيين فى فلسطين وخارجها تضاعف نحو 10 مرات منذ نكبة عام 1948، وأضاف الجهاز فى بيان أنه على الرغم من تهجير نحو مليون فلسطينى فى عام النكبة وأكثر من 200 ألف فلسطينى بعد حرب يونيو 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالى فى العالم 14.63 مليون نسمة فى نهاية عام 2023، وشرح الجهاز الفلسطينى أن عدد الفلسطينيين فى فلسطين التاريخية بلغ نحو 7.3 مليون فلسطينى، فى حين قدّر عدد اليهود نحو 7.2 مليون مع نهاية عام 2023، ما يعنى أن عدد الفلسطينيين يزيد على عدد اليهود فى فلسطين التاريخية.
تلك الأرقام هى أكبر مخاوف الكيان المحتل، التى تفوق بمراحل مخاوفه من فصائل المقاومة وسلاح حماس، وتحمل تفسيرا منطقيا لإصرار إسرائيل المستمر باستهداف الأطفال والنساء خلال الحرب على قطاع غزة التى دخلت عامها الثانى، على الرغم من الضرر الذى لحق بها دوليا بسبب تلك المجازر، فالهدف الأساسى من عملية الإبادة الجماعية التى تجرى فى قطاع غزة هو إحداث تغيير ديموغرافى عميق فى التركيبة السكانية للأراضى الفلسطينية المحتلة، واستهدفت عملية التغيير الديموغرافى القضاء على ثلاث فئات عمرية أساسية تراها تل أبيب الأخطر على وجودها، وهى فئات الأطفال والنساء بشكل خاص والشباب بشكل عام، حيث تمثل فئة الشباب الأساس الذى يقوم عليه مشروع المقاومة الفلسطينية، فى حين فئة الأطفال والنساء هى ضمانة لاستمرار النسل الفلسطينى صاحب الأرض.
نسبة الأطفال من شهداء الحرب
وفقا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية- حتى كتابة هذه السطور- بلغ عدد الشهداء خلال عام من الحرب 41805 آلاف شهيد، أى ما نسبته 1.8% من إجمالى سكان قطاع غزة، وبلغ عدد الأطفال منهم 16891 ألفا أى 40% من نسبة الشهداء من فئة الأطفال، و11458 ألف سيدة أى 27.4% من الشهداء من فئة النساء، هذا بخلاف إصابة 96.794 آخرين.
وحول نسبة استهداف الأطفال، يقول المتحدث باسم منظمة اليونسيف، كاظم أبوخلف، لـ«اليوم السابع»: إن هناك تعمدا لاستهداف الأطفال سواء بالقتل أو الإصابة، لافتا إلى أن التقديرات حتى الآن تذهب إلى أن العدد يقترب من الـ17 ألفا، ولكن هناك الحاجة إلى مزيد من التحديث، وهناك 13 ألفا من الجرحى، فنحن نتحدث بمعدل 84.2 من الأطفال يقتل ويجرح بشكل يومى.
كما لفت «أبوخلف» إلى أن هناك أعدادا لا يمكن حصرها، لأنه أمر فى غاية الصعوبة فى ظل ما يشهده القطاع، وبالطبع هذه الأرقام مرشحة للزيادة بشكل كبير، فور انتهاء الحرب وبدء رفع الأنقاض، وقال: «هناك أيضا آلاف من المفقودين من الأطفال ومن المتوقع أن نجدهم جثثا تحت الردم فور توقف الحرب ودخول المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض».
وبخلاف القتلى والمفقودين، فلقد خلفت الحرب جيلا من «العجزة»، حيث أكد متحدث اليونسيف أن الكثير من الأطفال خسر طرفا أو أكثر من طرف وعلى أقل التقديرات هناك 12 ألف طفل يمر بهذه الأزمة.
ووفقا للإحصائيات الرسمية، دمر الاحتلال الإسرائيلى منذ أكتوبر 2023 وحتى أغسطس الماضى أكثر من 117 مدرسة وجامعة كليا، و332 مدرسة وجامعة جزئيا حسب مركز الإحصاء الفلسطينى، تلك المدارس التى تحولت إلى مراكز إيواء لآلاف الأطفال والنساء النازحين، ووفقا لمجلس حقوق الإنسان فى جنيف فى إبريل 2024، فقد دمر الاحتلال أكثر من 80% من مدارس غزة، وخلال 6 أشهر فقط قتل أكثر من 5479 طالبا و261 معلما و95 أستاذا جامعيا، وأصيب أكثر من 7819 طالبا و756 معلما.
حتى الأجنة التى لم تخرج للحياة بعد لم تسلم من الإرهاب، حيث استهدفت قذيفة إسرائيلية أكبر مركز للخصوبة فى قطاع غزة، وقضت على أكثر من أربعة آلاف من أجنة أطفال الأنابيب، إضافة إلى ألف عينة أخرى لحيوانات منوية وبويضات غير مخصبة كانت هى الأخرى مخزنة فى مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب.
الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى يدق ناقوس الخطر
دق مركز الإحصاء الفلسطينى ناقوس الخطر بما تقوم به إسرائيل، حيث توقع أن يتأثر التركيب العمرى والنوعى للسكان نتيجة ما اعتبره استهداف الجيش الإسرائيلى المتعمد لفئات محددة كالأطفال والشباب، معتبرا أن ذلك يؤدى إلى «تشوه شكل الهرم السكانى فى ظل توقعات بانخفاض عدد المواليد للسنوات المقبلة نتيجة استهداف فئة الشباب».
وأفاد الجهاز إلى أن البيانات تشير إلى أن نسبة الشباب من إجمالى عدد الشهداء الذكور تبلغ حاليا نحو 26%، وبلغت نسبة الشهداء دون سن 30 سنة نحو 75%، وأن هناك حوالى 3.500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، فى حين بلغ عدد الجرحى أكثر من 95 ألفا، 70% منهم من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو 10 آلاف مفقود.
وأشار إلى أنه بناء على هذه المعطيات، فإن معدل النمو المقدر فى قطاع غزة لعام 2023 سينخفض من نحو 2.7% وفق تقديرات الجهاز لعام 2023 إلى نحو 1% فقط خلال عام 2024 وتحديدا بعد منتصف العام، إذ ستنخفض معدلات المواليد والإنجاب بصورة كبيرة جدا نتيجة لتوجه الأزواج لعدم الإنجاب نظرا للأوضاع السائدة، وخوفا على صحة الأمهات والأطفال، وانخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال عدوان الاحتلال إلى مستويات متدنية للغاية.
وأضاف المركز، فى إحصاء له فى أغسطس الماضى، تزامنا مع يوم الشباب العالمى، أنه من المتوقع أن يتأثر التركيب العمرى والنوعى للسكان مباشرة نتيجة لاستهداف جيش الاحتلال المتعمد لفئات محددة للسكان كالأطفال والشباب، ما يؤدى إلى تشوه فى شكل الهرم السكانى خاصة فى قاعدته، مع العلم أن هناك تأثيرا متوسطا وبعيد المدى يتوقع أن يطال التركيب العمرى للسكان، يتمثل بانخفاض عدد المواليد للسنوات المقبلة والذين يمثلون القاعدة الأساسية للهرم السكانى، نتيجة لاستهداف فئة الشباب التى تنجب أو التى يتوقع أن تساهم فى إنجاب الأطفال خلال السنوات المقبلة.
أطفال غزة بذرة المقاومة وقنابل موقوتة تهدد إسرائيل
هذا المسعى الإسرائيلى لتعطيل النمو السكانى الفلسطينى وتقليل أعداد الأطفال ليس خفيا، بل تمت الإشارة إليه فى كثير من الدراسات والبحوث منذ سنوات طوال، وتم بحثه بشكل مفصل فى مؤتمرات عدة عقدتها كبرى الجامعات الإسرائيلية، مثل جامعتى حيفا و«تل أبيب»، الذين وصفوا الأطفال الفلسطينيين بأنهم «قنابل ديموغرافية موقوتة» يمكن أن تنسف مستقبلا المشروع الصهيونى كاملا، وهذا يفسر التصريحات العلنية لمسؤولين إسرائيليين بضرورة قتل أطفال غزة الرضع والخدج فى المستشفيات وقصف المدارس.
وتأكيدا لذلك، قال الباحث السياسى والمدير التنفيذى للمركز الوطنى للدراسات، هانى الأعصر، لـ «ليوم السابع »: إن إسرائيل تدرك تماما أن الفلسطينيين لديهم استراتيجية واضحة بمقاومة الاحتلال من خلال الإنجاب بكثرة، وبالتالى يظل ميزان السكان لصالح الفلسطينيين أصحاب الأرض، لبقاء القضية الفلسطينية حية، مستشهدا على ذلك بتوصيات المراكز البحثية فى تل أبيب بضرورة تغيير الميزان الديموغرافى لصالحهم، مذكرا بمؤتمر «هرتزيليا» الذى يعقد كل عام، والذى أوصى فى إحدى دوراته تحت عنوان «ميزان المناعة» بمنع الزواج بين فلسطينيى 48 وفلسطينى الضفة الغربية لتقليل عدد الأطفال قدر المستطاع وحتى لا تزيد نسبة العرب داخل إسرائيل.
أوضح «الأعصر» أنه بالنظرة المبدئية لأعداد القتلى وتقسيمهم النوعى بين فئات الأطفال والشباب والنساء نتأكد أن هناك تعمدا إسرائيليا باستهداف فئات بعينها، خلال العام الماضى ومنذ بدء حرب الإبادة، التى شنتها ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، مؤكدا أن ارتفاع عدد الضحايا من الأطفال والنساء هو استهداف ممنهج من إسرائيل ولها من وراء ذلك عدد من الأهداف، أهمها القضاء على أجيال جديدة من الأطفال الفلسطينيين على مدار العقد المقبل، لأنها مدركة تماما أن معركتها مع الفلسطينيين للبقاء هى معركة ديموغرافية بامتياز.
وأضاف: إن غزة تمثل تحديا كبيرا لتل أبيب، لأنها كانت دوما خارج السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل وكانت تتفوق فى أعداد الزيادة السكانية على الضفة الغربية التى تشهد تضييقا من جانب السلطات الإسرائيلية بشكل مستمر.
ومن هنا تحاول إسرائيل بشتى الطرق القضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها، ومن بينها ضرب استراتيجية زيادة الإنجاب فى غزة واللعب على الميزان السكانى، وهذا يفسر جنونها فى إلقاء أطنان من التفجرات على الأحياء السكنية ومراكز الإيواء.
وأشار «الأعصر» إلى أن ما حدث فى غزة خلال عام سيؤدى حتما إلى خلل فى الهرم السكانى والتركيبة السكانية، خاصة فى فئة الشباب والأطفال، وهذا سينعكس سلبا على كل المناحى فى القطاع، سواء اجتماعية أو اقتصادية، إلا أن الجانب الأكثر تضررا هو ملف المقاومة الفلسطينية، فمن المعروف أن فصائل المقاومة خسرت خلال هذا العام الكثير من شبابها المقاتلين، وبالتالى ستحتاج إلى عملية إحلال سريعة للحفاظ على قوامها فى الميدان.
مسؤول بمركز الإحصاء: معدلات الولادة والإنجاب ستنخفض بدرجة تقترب من الصفر
قال الدكتور محمد دريدى، مدير الإحصاءات السكانية والاجتماعية فى الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى: إن معدلات الولادة والإنجاب ستنخفض بصورة كبيرة جدا تقترب من الصفر، نتيجة توجه الأزواج إلى عدم الإنجاب بسبب الأوضاع، وخوفا على صحة الأمهات والأطفال، بالإضافة إلى انخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال العدوان وبعده إلى مستويات متدنية للغاية، وهو ما يعنى أن معدل النمو السكانى لسنة 2024 لن يزيد على 0.5%، وسيستمر فى الانخفاض مع استمرار العدوان على القطاع، بمعنى أن الزيادة السكانية المتوقعة لسنة 2023 والسنتين المقبلتين على الأقل فى ظل العدوان لن تساوى ما كان متوقعا لها خلال عام واحد، أى أن عدد السكان لن يتجاوز 2.3 مليون للفترة 2023-2025، بينما التقديرات تشير إلى أن عدد سكان القطاع سيتجاوز 2.4 مليون سنة 2025، وهو ما يعنى ضرورة إعادة تنقيح بيانات التقديرات السكانية فى ظل هذا العدوان الغاشم.
وأضاف «دريدى» من خلال ورقة بحثية مبدئية، أصدرها بعد 5 أشهر فقط من الحرب عن التأثير الديموغرافى للحرب، أن التركيب العمرى والنوعى للسكان سيتأثر مباشرة نتيجة استهداف الجيش الإسرائيلى لفئات محددة من السكان كالأطفال والشباب، الأمر الذى يؤدى إلى تشوه فى شكل الهرم السكانى، وخصوصا فى قاعدته، فيفقده الشكل المتسق الذى يتميز به الهرم السكانى فى القطاع، وهناك تأثيرا بعيد المدى ومتوسط المدى يتوقع أن يطال التركيب العمرى للسكان، يتمثل فى انخفاض عدد المواليد للسنوات المقبلة، الذين يمثلون القاعدة الأساسية للهرم السكانى، نتيجة استهداف الفئة العمرية التى تنجب، أو التى يتوقع أن تساهم فى إنجاب الأطفال خلال السنوات القادمة بعد العدوان.
وخلص إلى أنه من المتوقع أن يرتفع مستوى الفقر والجوع إلى مستويات قياسية، كما أن مؤشر التنمية البشرية سيشهد تراجعا يمكن أن يعيد القطاع إلى عقدين سابقين، وبالإضافة إلى الآثار المتوقعة فى الواقع الصحى والتعليمى والتدمير الكامل للبنية التحتية، فإنه يمكن أن تتفاقم معاناة السكان فى القطاع، وتنذر بانتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع معدلات الوفيات وانخفاض متوسط العمر المتوقع عند الولادة.
وبالتواصل مع الدكتور دريدى، أكد لـ «اليوم السابع » أن النتائج التفصيلية للتغير الديموغرافى لاى مكن لأحد توقعها فى ظل استمرار العدوان، وأن الوضع يحتاج إلى دراسة معقدة وبحث وتحليل، لافتا إلى أن العدوان المستمر على القطاع هو الأقسى ديموغرافيا، وهذه توقعات أولية ومن أجل دراسة أكثر تعمقا وتفصيلا بشأن أثر العدوان فى الواقع الديموغرافى لسكان القطاع، فإن هناك حاجة ماسة إلى إعادة حصر سكان القطاع، تتضمن بعض البيانات الديموغرافية بشأن خصائصهم بعد انتهاء العدوان.
النسل الفلسطينى فى خطر بسبب ما تتعرض له النساء
وخلال سبتمبر الماضى، أجرت وزارة الصحة الفلسطينية دراسة تحليلة على تصنيفات الضحايا والمصابين الذين سقطوا فى حرب الإبادة على القطاع، والتى أظهرت أن هناك خطرا على النسل الفلسطينى وقد تهدد الحرب الإسرائيلية العرق الفلسطينى وتجعله بعد 20 عاما نادرا.
واستنتج فريق وزارة الصحة الفلسطينية بعد أن رصد مقتل 11458 ألفا أى 27.4% من الشهداء من فئة النساء، وبلغ الأطفال منهم 16891 ألف طفل أى 40% من نسبة الشهداء من فئة الأطفال، أن هذه حرب على النساء والأطفال، فإسرائيل دولة متطورة جدا وتمتلك أسلحة موجهة تستطيع من خلالها إصابة أهدافها من دون أن تتسبب فى سقوط ضحايا جانبيين، لكنها اتبعت أسلوب الإبادة الجماعية للقضاء على النسل الفلسطينى.
وأشارت الدراسة إلى أن «قتل عدد مهول من النساء، يهدد النسل، إضافة إلى أن الأطفال هم حجر أساس المستقبل وقتلهم يعنى أن تركيبة مجتمعنا الديموغرافية ستكون مختلفة فى الغد القريب، ولفتت الدراسة إلى أن النسوة اللواتى قتلن فى الحرب لو بقين على قيد الحياة لأنجبن فى عام واحد قرابة 42 ألف طفل، وكان بإمكان هؤلاء الصغار تشكيل مستقبل أفضل بعد 20 عاما، لكن الحرب أودت بحياة الأمهات».
وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطينى، فإن المرأة تشكل 49% من المجتمع الفلسطينى، ويقدر عدد المواليد سنويا فى القطاع بنحو 60.000 حالة ولادة، ونحو 5000 مولود شهريا، ومعدل الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية فى قطاع غزة بلغت، وفقا لهذه المعطيات، نحو 3.9 مواليد، كما تشير البيانات إلى أن متوسط عدد عقود الزواج المسجلة سنويا فى القطاع يبلغ نحو 20.000 عقد، بمتوسط شهرى مقداره 1500 عقد، أى بمعدل 52 حالة يوميا.
قررت وزارة الصحة، بعد دراسة جنس ضحايا الحرب، الحفاظ على العرق الفلسطينى، وتقديم الرعاية الصحية للنساء والأطفال قبل أية فئة أخرى، واتبعت أسلوب المفاضلة أثناء تعاملها مع الحالات التى تصل إلى مستشفيات القطاع.
يقوم بروتوكول المفاضلة على أساس أن يجرى الأطباء فحصا أوليا للمصابين فيصنفون بحسب الجنس ودرجة الخطورة، وعلى هذا الأساس يتخذ الطبيب المشرف قراره إما بتقديم الرعاية الصحية لجميع المصابين أو التركيز على إنقاذ النساء أولا والأطفال ثم الرجال.
وقال الدكتور سامح عبدالوهاب، أستاذ الجغرافية البشرية بجامعة القاهرة لـ «اليوم السابع»: إن الحرب على قطاع غزة بلا شك ستخلف تأثيرا على كل الأوضاع، وستحدث تغييرا ديموغرافيا غير مسبوق سينعكس على كل المجالات، مثل التغيير العمرى لتركيبة السكان، وكذلك تغيير غير مسبوق للبطالة والتوزيع السكانى داخل القطاع.
كما أشار إلى أن هناك ملفا خطيرا أيضا، وهو ملف الإعاقة التى ستنتج عن الحرب، والتى تعتبر مأساة حقيقية وفى منتهى الخطورة، مشددا على أن هذا كان هدفا متعمدا لإسرائيل بأن تخلق جيلا من أصحاب الإعاقات، لأنهم سيمثلون عبئا نفسيا واقتصاديا ووطبيا على المجتمع.
وجدد الدكتور عبدالوهاب أن هناك تغيرات مؤكدة على التركيبة السكانية والديموغرافية من جوانبها المختلفة، سواء فى نسبة النمو السكانى أو التركيبة السكانية والخصائص، ولكن الكم والمقدار لا يمكن أن يتم إلا من خلال دراسة معمقة، وحصر دقيق عقب توقف الحرب. وهو ما أكده لؤى شحادة، الوكيل المساعد لشؤون التخطيط والتطوير والعلاقات الدولية فى الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى لـ «اليوم السابع »، حيث أشار إلى التغيير الديموغرافى فى القطاع وتغيير التركيبة السكانية هو أمر حتمى لا محالة، خاصة مع كل نسبة القتل فى فئات الأطفال والنساء والشباب ومع تعقيد المشهد وغياب الخصوصية وصعوبة إتمام زيجات جديدة، إلا أنه اعتبر النسبة المتوقعة أمرا صعبا فى ظل استمرار الحرب.