في مصر، حيث تنبض الأرض بتاريخها العريق وحضارتها التي تعود لآلاف السنين، يظهر التنقيب عن الآثار كأحد أكثر الأنشطة المثيرة للجدل لدى البعض من الخارجين عن القانون، تلك التي تحمل في طياتها شبح الخطر على الإرث الثقافي والحضاري، وبينما تُعَدُّ الآثار شاهدة على عظمتها، فإن السعي وراء الكنوز المدفونة قد تحول إلى تجارة غير مشروعة، تهدد بتدمير ما تبقى من آثارٍ وتهدر قيمة تاريخية لا تقدر بثمن.
صيد الكنوز بين الجشع والمخاطرة
منذ فجر التاريخ، كان المصريون القدماء يخبئون كنوزهم الثمينة في المقابر والمقاصير، تاركين وراءهم إرثًا غارقًا في الغموض، يستمر في إلهام الباحثين والمنقبين، ومع ذلك، فإن هذا الميراث الثقافي المذهل أصبح هدفًا لأولئك الذين يسعون خلف المال السريع، متجاهلين القيمة الحقيقية لهذه القطع الأثرية التي تمثل جزءًا من هوية الأمة.
لكن وراء جشع المنقبين عن الآثار، لا يزال هناك خطر يهدد هذا التراث، فغالبًا ما يُستخدم الحفر العشوائي أسلوبًا للتنقيب، مما يتسبب في تدمير المعالم الأثرية والسطو على مكونات تاريخية لا تقدر بثمن، وقد أظهرت الضبطيات الأخيرة أن هناك زيادة ملحوظة في عمليات التنقيب غير القانونية، والتي غالبًا ما تتم في مناطق متفرقة من محافظات الصعيد، والوجه البحري، وحتى في القاهرة.
جهود الداخلية.. حرب غير مرئية ضد سارقى الكنوز
وفي مواجهة هذه الظاهرة، لا تكاد وزارة الداخلية تجد يومًا يخلو من مواجهة التحديات الأمنية في هذا الصدد، ففي السنوات الأخيرة، تكثف جهود الأجهزة الأمنية لصد هذه العمليات غير القانونية، وقد نجحت وزارة الداخلية في إحباط العديد من محاولات التنقيب عن الآثار، حيث بلغت الإحصائيات الحديثة أن الأجهزة الأمنية ضبطت أكثر من 2000 قضية تنقيب في عام واحد فقط، تم خلالها القبض على أكثر من 3000 شخص، تم تحريز أكثر من 500 قطعة أثرية، مع تفكيك العديد من شبكات التهريب الدولي للآثار.
بدوره قال اللواء دكتور علاء الدين عبد المجيد الخبير الأمنى،"نحن في حرب مستمرة للحفاظ على ما تبقى من تراثنا، والمنقبون عن الآثار في بعض الأحيان لا يدركون حجم الأضرار التي يسببونها"، لقد أصبحت التكنولوجيا أحد الأسلحة الرئيسية التي يعتمد عليها رجال الأمن في تحديد مواقع التنقيب غير القانونية، بالإضافة إلى التعاون مع الجهات القضائية والمحلية لتكثيف المراقبة في المناطق الأثرية النائية.
خطر الآثار المهربة
التنقيب غير القانوني لا يقتصر فقط على الحفر العشوائي، بل يتعدى ذلك ليشكل تهديدًا على المستوى الدولي، فبعض القطع الأثرية المنهوبة يتم تهريبها إلى الخارج، حيث يُباع بعضها في أسواق السلع الثقافية العالمية بأسعار خيالية، ومع هذه التجارة غير المشروعة، يُحرم الشعب المصري من جزء من هويته الثقافية والتاريخية.
وفي خطوة استراتيجية، أعلنت وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة عن نجاحاتها في تعطيل عمليات التهريب، حيث أحبطت خلال العام الماضي عمليات تهريب لآثار من مصر إلى دول أوروبية وآسيوية، بما في ذلك قطع أثرية نادرة تعود للعصر الفرعوني، لكن هذه النجاحات لا تعني أن المعركة قد انتهت، لا يزال المنقبون عن الآثار يواصلون محاولاتهم في تهريب الآثار، يواجههم رجال الشرطة بحسم وقوة.
حلول ورؤى مستقبلية
ومع استمرار هذه الظاهرة، تظل الحاجة إلى تكثيف الجهود الوطنية والدولية من أجل مكافحة هذه العمليات قائمة، فالاستراتيجية الأمثل تكمن في الجمع بين التدابير الأمنية والرقابة التكنولوجية، بالإضافة إلى نشر الوعي بين المواطنين حول أهمية الحفاظ على التراث الثقافي، وقد بدأت وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار في تنظيم حملات توعية تستهدف المجتمعات المحلية في المناطق الأثرية، لحثهم على التعاون مع السلطات في مواجهة التنقيب غير القانوني.
التنقيب عن الآثار أصبح خطر يهدد تاريخًا عريقًا، وما بين جشع المتسللين ورغبتهم في جمع المال السريع، يظل السؤال: هل سيظل الإرث المصري في أيدٍ أمينة أم أن الخطر سيستمر في التهديد به؟ في مواجهة هذا التحدي، يبقى الدور الأكبر على الأجهزة الأمنية التي تقف في خط الدفاع الأول لحماية ما تبقى من كنوز الماضي، وحفظ ذاكرة الأمة للأجيال القادمة، حيث تنجح العيون الساهرة باستمرار في الحفاظ على القيم الحضارية والتصدي للمحاولات اليائسة للتنقيب عن الآثار.