في موسم تعلو فيه الأرواح نحو الصفاء وترتفع النوايا فى اتجاه الحرمين الشريفين، يخرج بعض تجار الوهم عن صمتهم ليحولوا أحلام البسطاء إلى كابوسا مريرا، لتكون الصدمة من شركات سياحية غير مرخصة، بأوراق براقة وكلمات معسولة، تعد راغبي الحج والعمرة برحلات ميسرة، ولكنها في الواقع لا تبيع سوى السراب، مستغلة شوق الناس إلى زيارة بيت الله.
شركات الوهم السياحي
بأسماء رنانة وشعارات دينية جذابة، تتواجد الشركات والمكاتب التي تعمل بلا ترخيص في مختلف المحافظات، مستغلة ثقة المواطنين في الكلمات الطيبة، وعدد هذه الشركات ليس صغيرًا؛ إذ تمكنت وزارة الداخلية خلال أسبوع واحد فقط من ضبط 42 شركة ومكتبًا سياحيًا غير مرخص في عدة محافظات.
تتعدد أساليب الاحتيال بين تلك الشركات، لكن الهدف واحد: استنزاف أموال المواطنين دون تقديم الخدمة، بعضهم يعد برحلات بأسعار خيالية، وبعضهم يختفي فور استلام الأموال، تاركًا وراءه أحلامًا محطمة ومواطنين في حالة من الذهول والندم.
تحايل على القانون
تدرك الجهات الأمنية حجم الخطر، لذلك تعمل على مكافحة الظاهرة عبر حملات مكثفة تستهدف تلك الشركات، وفي هذا السياق، أهابت وزارة الداخلية بالمواطنين ضرورة توخي الحذر، والتعامل فقط مع الشركات المرخصة، خصوصًا مع اقتراب موسم الحج الذي يعد فترة ذهبية لتجار الأوهام.
ورغم التحذيرات، لا يزال البعض يقعون ضحايا هذه الشركات بسبب ضعف وعيهم القانوني، أو ثقتهم الزائدة في الإعلانات المبهرة، التي تتناثر على مواقع التواصل الاجتماعي بلا ضوابط.
إحصائيات تكشف الحقيقة
تشير الإحصائيات إلى أن شركات السياحة غير المرخصة تتزايد بشكل ملحوظ مع المواسم الدينية، فوفقًا للبيانات الرسمية، تمكنت وزارة الداخلية من ضبط 42 شركة غير مرخصة خلال أسبوع واحد فقط، وهو رقم صادم يكشف حجم الأزمة.
لكن هذه الأرقام لا تعكس حجم المعاناة الإنسانية وراءها، فكل رقم يمثل عائلة خسرت مدخراتها، وأفرادًا خابت آمالهم في تحقيق حلم العمر.
حكايات الضحايا.. وعود مزيفة ونهاية مأساوية
"أبو أحمد"، أحد الضحايا، جمع مدخراته على مدار سنوات ليحج هذا العام، وقع في فخ إحدى تلك الشركات، التي وعدته برحلة بتكلفة زهيدة تشمل الإقامة والنقل، دفع مقدم الحجز، وانتظر اتصالًا لم يأتِ أبدًا، وعندما ذهب إلى مقر الشركة، وجد الأبواب مغلقة والشركة مختفية بلا أثر.
تتكرر مثل هذه الحكايات مع كل موسم ديني، لتكشف عن جشع لا حدود له، يستغل الدين لتحقيق مكاسب شخصية على حساب البسطاء.
دور الدولة والمواطن فى المواجهة
بينما تعمل وزارة الداخلية بكل طاقتها لضبط تلك الشركات، يظل وعي المواطن هو خط الدفاع الأول، فاختيار الشركة السياحية يجب أن يخضع للبحث والتأكد من حصولها على التراخيص اللازمة، كما أن التواصل مع الجهات الرسمية المختصة يمكن أن يساهم في تقليل فرص الوقوع في فخاخ الاحتيال.
رسالة إلى النصابين
شركات الوهم، مهما بلغت براعتها في التلاعب، لن تفلت من قبضة القانون، فالنصب في موسم الحج ليس مجرد جريمة مالية، بل هو اعتداء على حلم روحاني مقدس لا يعوضه المال.
ويبقى السؤال: متى يتعلم المواطن أن الحذر في اختياراته هو الحصن الأول أمام هؤلاء النصابين؟ ومتى يتوقف تجار الوهم عن العبث بأحلام الآخرين؟
الإجابة ربما تكون في وعي جماعي، وحملات توعوية مكثفة تقضي على أوهام تلك الشركات قبل أن تتسلل إلى قلوب البسطاء.