التهجير القسري يعد من أشد الجرائم التي عانت منها البشرية في الماضي والحاضر، ومن أكثر الجرائم إلاما للنفس الإنسانية لما تتضمنه من اقتلاع للإنسان من جذوره، وماضيه، وذكرياته التي عاشها، وغالبا ما ترتكب هذه الجريمة أثناء الحروب أو تكون نتيجة لها لمحاولة تغييرالطابع الديمغرافي أو التاريخي لمنطقة معينة، ويعد التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية ويندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية .
ومرفوض من كل دول العالم المتحضر، وندعم موقف الدولة المصرية في رفضها المساس بحقوق الفلسطينيين أو نقلهم، سواءً كان بشكل مؤقت او طويل الأجل وعدم تهجيرهم من أرضهم، ودعم التعايش والسلام والبدء في التنفيذ الفعلي لحل الدولتين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والقرارات ذات الصِّلة، حيث إنّ التهجيرالقسري هو نقل السكان المدنيين من وإلى أماكن غير أماكنهم الأصلية، أو هو إبعاد المدنيين من منطقة إلى منطقة أخرى غير التي يشغلونها، ضد إرادتهم وبدون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أشكال الحماية الأخرى، ومن دون إمكانية الوصول إلى الحماية.
التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على موقف القانون الدولى والمعاهدات والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بشأن جريمة التهجير القسري، بإعتباره ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها، وهذا فيه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، بما فيها الحقوق في السكن اللائق والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي والتحرر من المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - يكون التهجير القسري إما مباشراً أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد، فللفرد أن يستقر في مكان، فتتجلى بذلك تحديداً حرية أساسية، هي حرية المسكن أو يتحرك متنقلاً من مكان الى آخر قريباً كان أم بعيداً فتتجلى بذلك حرية التنقل بوصفها من الحقوق الأساسية اللصيقة بشخصية كل إنسان، وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، وأكده كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر عام 1966 – وفقا لـ"صبرى".
جريمة تندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية
إلا أن هذه الحقوق كثيراً ما تنتهك بجريمة بشعة وهي جريمة التهجير القسري، أو ما تسمى بالإبعاد، أو النقل القسري ، وشهد العالم عمليات تهجير قسري واسعة النطاق للسكان المدنيين في مراحل متعددة من تاريخه الطويل، وبُعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وقد عرف أيضاً القضاء الجنائي الدولي التهجير القسري بإنه جريمة ضد الإنسانية ترتكب لإبعاد مجموعة من الأشخاص عن موطنهم الأصلي إلى مكان آخر لأغراض سياسية أو عرقية أو دينية أو أغراض أخرى – الكلام لـ"صبرى".
إن التهجير القسري يعد انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ومخالف لأحكام القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة الدولية، والبروتوكولين الإضافيين اللذان أصدرتهما الأمم المتحدة سنة 1977 والمتعلقان بحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة الداخلية والدولية، ومخالف لاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 ديسمبر 1992، التي تنص في مادته الأولي – طبقا لـ"صبرى":
1- لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري.
2- لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة
وتنص المادة الخامسة من ذات الاتفاقية "تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية"، ونصت المادة السادسة من الاتفاقية تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لتحميل المسؤولية الجنائية على أقل تقدير لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها.
ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة يقع التهجير القسري "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان متى ارتكب بطريقة متتابعة ومنظمة أو على نحو واسع النطاق ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، ومن ثم تعد جريمة ضد الإنسانية وذلك بنقل الأشخاص المدنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصورة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي" .
كما يشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 إذا ارتكب هذا الفعل ضد الأشخاص الذين تحميهم أحكام هذه الاتفاقية وهم السكان المدنيون، إذا وقع خلال النزاعات المسلحة الدولية وتضمنت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب على أنه يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة الى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أية دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه، كما تضمنت اتفاقيات جنيف هذا الاتجاه قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها فإنها جريمة حرب.
الآثار المترتبة على التهجير القسرى
جدير بالذكر أن للتهجير القسري العديد من الأثار من أهمها نزوح الأشخاص المهجرين عن موطنهم الأصلي أو تحويلهم إلي لاجئين، وتعرف مبادئ الأمم المتحدة الأشخاص النازحون بأنهم “ الأشخاص، أو جماعات الأشخاص الذين أكرهوا على الحرب، أو ترك منازلهم، أو أماكن إقامتهم المعتادة، أو اضطروا إلى ذلك أو سعيا لتفادي أثار نزاع مسلح، أو حالات عنف عام ، أو انتهاكات حقوق الإنسان، أو كوارث من فعل البشر ولم يعبروا الحدود الدولية المعترف بها للدولة. ويعد النزوح من أهم أثار التهجير القسري ويكون داخل حدود البلد ويتمتع النازح بالحقوق التي يضمنها له القانون الوطني، لاستمرارية تمتعه بصفة المواطنة، كما يتمتع بالحقوق الإنسانية التي تضمنتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
وعرفت المادة الأولى من الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه: " إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد"، والتعريف الوارد في هذه الاتفاقية يعتبر اللجوء نتيجة من نتائج التهجير القسري ويترتب عليها، واللجوء يتم بمغادرة حدود الوطن، لذلك يجب على المجتمع الدولي التصدي لجريمة التهجير القسري من خلال المحكمة الجنائية الدولية، لمنع حالات الاختفاء القسري ومكافحة إفلات مرتكبي جريمة الاختفاء القسري من العقاب.
فالتهجير القسرى يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي
وإن موضوع حماية حقوق الإنسان من تعسف أنظمة الحكم أصبح المعيار الأساسي لكشف مدى صدق الالتزام بالقوانين والإعلانات الدولية والمواثيق العالمية، والالتزام بالبوصلة الأخلاقية الصحيحة، فالتهجير القسرى يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتحريضاً على ارتكاب جرائم حرب، حيث أن اتفاقية جنيف الرابعة تحظر في مادتها 49 بشكل قاطع النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، كما يصنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادته 8 التهجير القسري كجريمة حرب تستوجب المحاكمة، كما أن المادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول تصنف نقل السكان المدنيين قسراً كانتهاك جسيم يستوجب المحاكمة، والمحكمة الجنائية الدولية تمتلك الولاية القضائية على هذه الجرائم.
وموقف مصر ثابت في رفض أي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، حيث أن هذا الموقف يتوافق مع المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف التي تلزم الدول باحترام وكفالة احترام الاتفاقية في جميع الأحوال، كما أن قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 يؤكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، حيث أن هذا ما تؤكده أيضا المادة 1(2) من ميثاق الأمم المتحدة والتي بينت حق الشعوب في تقرير مصيرها، مشدداً على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكفل في مادته 13 حق كل فرد في التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود دولته.
وموقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية
والدعوة لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 تمثل تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن 338 لعام 1973 وقرار الجمعية العامة 194 الخاص بحق العودة، وإرادة الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه منذ عقود يؤكد رفضه القاطع لكل مشاريع التهجير والتوطين، حيث أن التاريخ أثبت تمسك الفلسطينيين بحقوقهم المشروعة رغم كل الضغوط والمؤامرات، وارتباط الفلسطينيين بأرضهم وتراثهم وهويتهم راسخ في وجدانهم ولا يمكن تصفيته بقرارات أو تصريحات عنصرية، حيث أن المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف الحر في ثرواتها ومواردها الطبيعية، وهو ما يتمسك به الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع.
وموقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية يعكس التزامها بالمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، وحرصها على تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، خاصة وأن مصر تواصل جهودها الدبلوماسية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض كافة المحاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو المساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي.