واجهت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسيطرة على غزة عقباتٍ عدة، أبرزها رفض سكان القطاع مغادرة أراضيهم، والمعارضة الدولية والإقليمية الواسعة للمقترح، فضلاً عن التحديات القانونية التي تقف عثرة أمام التنفيذ، والرفض العربي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، وبالطبع الموقف المصري الصلب والشجاع.
وكان ترامب قد اقترح، الثلاثاء، سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد أن اقترح في وقت سابق تهجير الفلسطينيين في القطاع بشكل دائم.
وقال ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعملنا هناك أيضاً. سنتولى المسؤولية عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى في الموقع وتسوية الموقع بالأرض والتخلص من المباني المدمرة وتسويتها وإيجاد تنميةٍ اقتصاديةٍ من شأنها أن توفر عدداً غير محدودٍ من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة".
أولًا صمود الشعب الفلسطيني
قوبل مقترح الرئيس الأمريكي بالسيطرة على غزة برفضٍ واسعٍ من أهالي القطاع لمغادرة أراضيهم، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من وطنهم، حيث يطمحون إلى إقامة دولةٍ مستقلةٍ في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
واقترح السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، أنه إذا كان هدف ترامب هو إرسال الفلسطينيين إلى "مكان سعيدٍ ولطيف"، فيجب عليهم العودة إلى منازلهم الأصلية في إسرائيل.
وقد تجلّى إصرار سكان القطاع على البقاء في أراضيهم بوضوحٍ في الأسبوع الماضي، عندما عاد مئات الآلاف إلى شمال غزة، على الرغم من تدميرها بالكامل تقريباً.
ثانياً: الرفض العربي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين
رفضت مصر والأردن، مراراً وتكراراً مقترحات ترامب السابقة لإعادة توطين الفلسطينيين داخل حدودهما، وانضمت السعودية والإمارات وقطر إلى مصر والأردن في رفض خطة ترامب للسيطرة على غزة.
وكشفت تقارير أن مسؤولين أمريكيين في المنطقة أبلغوا البيت الأبيض في الأيام الأخيرة أن مصر لن تقبل باستقبال فلسطينيين من قطاع غزة، وأنها لن تتأثر بالحوافز المالية، في الوقت الذي يستعدون فيه لتكثيف إدارة ترامب للضغوط على القاهرة.
من جانبه، حذر عاهل الأردن، عبد الله الثاني، الأربعاء، من خطورة محاولات تهجير الفلسطينيين، لافتاً إلى أن "أي حلٍّ لن يكون على حساب أمن واستقرار الأردن والمنطقة"، وفق بيانٍ للديوان الملكي.
وأعاد البيان التأكيد على "ضرورة تكثيف الجهود العربية لتثبيت الفلسطينيين على أرضهم، واستدامة وقف إطلاق النار في غزة، وتعزيز الاستجابة الإنسانية".
ثالثاً: التحديات القانونية أمام مقترح ترامب
قال خبراء في القانون الدولي إن اقتراح ترامب بنقل ملايين الفلسطينيين بشكل دائم من غزة للسماح بإعادة إعمارها تحت "ملكية" الولايات المتحدة قد يرقى إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
وأضاف الخبراء أن صياغة الرئيس الأمريكي لخطته دون أي إشارة إلى القانون الدولي تشكل سابقة خطيرة من شأنها تشجيع زعماء العالم الآخرين على القيام بنفس الشيء والمساهمة في انهيار السلام والأمن العالمي، وفق تقرير لصحيفة الغارديان.
وتحظر معاهدات دولية قائمة منذ فترة طويلة إجبار الناس على مغادرة أراضيهم والاستيلاء عليها.
وتنص اتفاقية جنيف الأصلية لعام 1949 على أن "النقل القسري الجماعي" إلى أي بلد "محظور، بغض النظر عن دوافعه". وينص البروتوكول المحدث الذي أضيف في عام 1977 على أنه "لا يجوز إجبار المدنيين على مغادرة أراضيهم لأسباب مرتبطة بالنزاع".
رابعاً: المعارضة الدولية الواسعة
أثار إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل دولية حادة عربياً وإقليمياً ودولياً باستثناء إسرائيل التي رحبت بالمقترح.
ورفضت دول ومنظمات وحركات عربية، الأربعاء، محاولات تهجير فلسطينيي قطاع غزة وخطة الرئيس الأمريكي للاستيلاء على القطاع.
وجاء ذلك وفق مواقف رسمية صادرة عن السعودية والإمارات والأردن ومصر وسلطنة عمان، بخلاف فلسطين، والجامعة العربية والبرلمان العربي.
وعلى جانب آخر، طالب النائب رياض عبد الستار، عضو مجلس النواب، بتشكيل قوة عسكرية عربية في مواجهة أي مخططات خبيثة تطال المنطقة ، وتكون حائط صد ضد أي أطماع خارجية، أسوة بحلف شمال الأطلسي.
وأوضح النائب البرلماني، في بيان له، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عنيفة للغاية، وتتطلب موقف عربي موحد، ولا بد من كبح جماح رئيس وزراء الاحتلال ، مطالبًا بضرورة اتخاذ موقف مقابل من خلال طرد السفراء الإسرائيليين من كافة الدول العربية.
وقال إن تصريحات الرئيس الأمريكي حيال الأوضاع في غزة ، لا يمكن قبولها ، مؤكدًا الرفض المصري القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير إخواننا الفلسطينيين من غزة، سواء تلك التي تروج لها إدارة ترامب أو غيرها، وهذه المخططات ليست فقط انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني، بل تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري والعربي، وتعيد إنتاج مأساة النكبة بصورتها الأكثر قسوةً .
كما أكد أن مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لن تسمح بأن تكون أرضاً لتصفية القضية الفلسطينية أو بوابةً لتهجير شعب أعزل من أرضه التاريخية.
وشدد على ضرورة العمل الآن، على تدفق المساعدات إلى غزة، مشيرًا إلى أن مصر تساهم بأكثر من 70% من هذه المساعدات وهناك مواقف عربية جيدة مثل عملية الفارس الشهم التي تقوم بها الإمارات، والتي شهدت السفينة الأكبر من حيث الحمولة بـ 5800 طن من المواد الإنسانية، ومواد غذائية ومواد إيوائية ومستلزمات طبية، وستصل السفينة قبل شهر رمضان الفضيل لتوفير المساعدات العاجلة للأشقاء الفلسطينيين، مستطردًا :"من واجبنا كعرب ومسلمين أن نتحرك فوراً لإنقاذ أهالي غزة من المعاناة الإنسانية المتفاقمة، خاصةً في مواجهة البرد القارص الذي يفتك بالأطفال والمرضى وكبار السن.
ودعا إلى تعزيز تدفق المساعدات العربية والإسلامية عبر معبر رفح، شريان الحياة الوحيد للقطاع، وتكثيف الجهود لإعادة الإعمار العاجل لمنازلهم ومرافقهم الصحية والتعليمية التي دمرتها الحرب.