نحتاج حكومة وفاق وطنى
الضفة الغربية تواجه المعركة الكبرى
نحن بحاجة إلى الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات
على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. لكنهم يحاولون سرقته منا
خمسون عاما وهو يحمل على صدره «مفتاح العودة» يدرك دائما أن المقاومة ليست فقط فى البندقية، بل فى الفكرة، فى الإيمان، فى البقاء صامدا كجذور شجرة زيتون عصية على الاقتلاع، فى التفكير دائما بمن ينتظرون الفجر فى المخيمات، وبالبيوت التى تنتظر المفاتيح لتفتح أبوابها من جديد.
مصطفى البرغوثى أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية التى جسدت النضال الوطنى بحكمة وصمود، وُلد البرغوثى فى القدس عام 1954، وهو طبيب وناشط سياسى ومجتمعى بارز، أسس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، التى تمثل صوتا مستقلا يعبر عن آمال الشعب الفلسطينى فى الحرية، وهو الآن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية.
البرغوثى هو الطبيب الذى حوّل جراح شعبه إلى وقود للنضال، تحدث بقلب ينزف ألما، لكنه لا يفقد الأمل فى حواره مع «برلماني»، حيث عبر عن وجع شعب يعيش تحت نيران الاحتلال، ويصرخ بصوت عال: «نحن هنا، ولن نرحل»، وإلى نص الحوار:
فى البداية.. كيف قرأت اتفاق وقف إطلاق النار؟
الاتفاق لم يكن ليحدث على الإطلاق لولا صمود وبسالة الشعب الفلسطينى، هذا الصمود يعد مثار فخر لنا جميعا، حيث استطاع شعبنا مواجهة كل أنواع العنف والعدوان، فى ظل ظروف بالغة الصعوبة، لقد أظهر الشعب الفلسطينى قدرة هائلة على التحمل والصمود، ما أدى إلى إفشال الأهداف الإسرائيلية بالإبادة الجماعية والتطهير العرقى عبر عمليات قصف ممنهجة ودمار شامل.
ما العوامل الأخرى التى ساهمت فى الضغط على إسرائيل للوصول إلى هذا الاتفاق؟
هناك عدة عوامل ضغطت على إسرائيل، ومنها أولا الضغط الداخلى من عائلات الأسرى، ثانيا الشعور الإسرائيلى بالخسائر الضخمة، سواء على الصعيد الاقتصادى أو العسكرى والبشرى، لم تعد إسرائيل قادرة على تحمل هذه الخسائر، حيث قدر المحللون أن الخسائر الاقتصادية قد تقدر بنحو 80 مليار دولار منذ بدء العدوان، هذا يجعل من الصعب على الحكومة الإسرائيلية الاستمرار فى الحرب، إضافة إلى ذلك كان هناك تأثير خارجى، خاصة من الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب، الذى رغم انحيازه لإسرائيل، كان ينظر إلى إنهاء الحرب كوسيلة للحفاظ على استقرار المنطقة، فقد أدركت الإدارة الأمريكية، حتى قبل الانتخابات، أن استمرار النزاع يؤثر سلبا على مصالح إسرائيل نفسها.
كيف ترى الدور المصرى؟
الدور المصرى تاريخى ولا يمكن فصله عن واقع ومصير فلسطين، فمصر كانت دائما فى طليعة الدول المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وفى مقدمتها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أن جهودها حسمت التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار فى قطاع غزة، مصر أفشلت محاولات التهجير القسرى التى تسعى إليها سلطات الاحتلال، ما وضع حاجزا أمام خطط التطهير العرقى فى غزة والضفة الغربية.
مصر لا تعرف الحياد حين يتعلق الأمر بفلسطين، فهى تقف دائما فى الصفوف الأولى دفاعا عن الحق، وتعمل بلا كلل لإيقاف نزيف الدم الفلسطينى، موقف مصر ليس مجرد دعم سياسى أو إنسانى، بل هو موقف أخلاقى وإنسانى ينبع من إيمان عميق بعدالة القضية الفلسطينية، فمصر هى الحاضنة التى تمنح الفلسطينيين الأمل، وتشعرهم أن هناك من يقف معهم فى معركتهم الطويلة من أجل الحرية.
كيف ترى أثر هذا الاتفاق على معاناة الشعب الفلسطينى خاصة فى غزة؟
الأهم فى هذا الاتفاق هو الحد من معاناة شعبنا فى غزة، وتخفيف الفظائع التى يعيشونها منذ فترة طويلة، لقد تحمل أهلنا فى غزة الأذى بشكل لا يمكن وصفه، حيث فقدوا الأرواح والأحباء وفقدوا منازلهم ومقدراتهم.
ونرى أن هذا الاتفاق يجب أن يكون بداية لوقف العدوان، وليس مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، يجب أن نستهدف الحرية والكرامة لشعبنا، وأن نحقق بناء جديدا يضمن حقوقهم، الصمود الشعبى لم يكن فقط من أجل غزة، بل كان من أجل كل الشعب الفلسطينى، وهو بمثابة دعوة للأمة العربية وللعالم بأسره بأن يقفوا معنا.
هل توجد ضمانات تلزم إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار؟
الضمانات تأتى من عدة جهات، بما فى ذلك مصر وقطر والولايات المتحدة، حيث تم التأكيد على أنه سيكون هناك التزام من إسرائيل بعدم العودة للقتال طالما المفاوضات جارية.
والضغوط الدولية تلعب دورا كبيرا فى التأثير على الموقف الإسرائيلى، خاصة العزلة التى تعانى منها إسرائيل فى الساحة الدولية، معظم الدول بدأت تدرك أن استمرار الحرب لن يحل المشكلة بل سيؤدى إلى تفاقم الأمور، بالإضافة إلى ذلك فإن اهتمام إدارة ترامب بإنهاء الصراع وبدء المفاوضات يؤثر أيضا على الضغوط التى يمارسها على نتنياهو.
ترامب لا يستطيع تحمل استمرار الحرب فى وقت يواجه فيه تحديات داخلية أيضا، هذه العوامل مجتمعة تسهم فى الضغط على إسرائيل لإيجاد حلول سلمية.
ما الجهود المطلوبة الآن لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية؟
نحن بحاجة إلى توحيد الصف الوطنى الفلسطينى فورا ودون تأخير، لقد اتفقنا على آلية لذلك فى بكين، ووقع جميع القوى الفلسطينية الـ14 على تشكيل حكومة وفاق وطنى.
ماذا تعنى حكومة الوفاق الوطنى بالنسبة للموقف الفلسطينى؟
ستكون الضمانة لعدة أمور، منها عدم تجديد نتنياهو الحرب على غزة وضمان عدم فصل غزة عن الضفة الغربية وتقوية الموقف الفلسطينى، فالوحدة هى السلاح الذى لا يقهر.
ألا تقلق من احتمال تأثير المناورات السياسية الإسرائيلية على تنفيذ الاتفاق فى المستقبل؟
بالطبع، يجب أن نكون حذرين، التاريخ يعلمنا أن الحكومات الإسرائيلية دائما تستخدم المناورات السياسية كأداة للتهرب من الالتزامات، لكن فى الوقت الراهن هناك ضغط شعبى ودولى كبير يدفع باتجاه الحل.
وينبغى على المجتمع الدولى أن يبقى يقظا ويواصل الضغط على إسرائيل لضمان الوفاء بالتزاماتها، الضغط الشعبى فى الشارع الفلسطينى هو جزء من هذا المعادلة، ويجب أن يستمر.
ماذا عن ردود الأفعال محليا وعالميا بخصوص هذه التطورات؟
الردود المحلية تظهر شغفا وإرادة قوية من الشعب الفلسطينى للاستمرار فى النضال من أجل حقوقه، يجب أن نفهم أن هذا ليس مجرد حدث عابر، بل هو جزء من نضال تحررى وطنى مستمر، الفلسطينيون لا يناضلون من أجل الإغاثة أو المساعدات الإنسانية، بل من أجل حريتهم وحقهم فى تقرير المصير، نحن بحاجة إلى تعزيز الجهود العالمية من أجل الضغط على الاحتلال ودعمه، لأن العالم يجب أن يعرف أن هذا الشعب له حقوق مشروعة ولا يمكن القبول بالمساعدات الإنسانية فقط كبديل عن العدالة.
وفيما يتعلق بمشاعر الاحتفال بعد وقف العدوان هل تعتقد أن هذا قد يوجه رسائل معينة؟
بالتأكيد، نحن شاهدنا مشاهد الفرح والتضامن بين الناس فى غزة، هذا يظهر أن الناس عازمون على الاستمرار فى النضال رغم كل ما مروا به، الشعب الفلسطينى أظهر صمودا كبيرا، وهذا يعكس الارتباط العميق بالأرض، إن هذه المشاهد تعبر عن رسالة قوية مفادها أن الاحتلال لم ينجح فى اقتلاع المقاومة ولا فى كسر إرادة الفلسطينيين.
بالنظر إلى المستقبل، ما التحديات التى تنتظر الفلسطينيين؟
فلسطين ليست للبيع، فالأرض تأبى أن تلفظنا وجذورنا أعمق من أن تقتلع، وفى الحقيقة أن الأفق ليس سهلا، فنحن أمام معركة كبرى تتعلق بالضفة الغربية ومحاولات الضم والتهويد والعدد المتزايد من المستوطنات والممارسات الإرهابية من قبل قوات الاحتلال تفرض تحديات كبرى على جميع الفلسطينيين.
والخطر الأكبر فيما أطلقه ترامب من دعوة للتطهير العرقى لقطاع غزة وترحيل سكانه إلى مصر والأردن، وهذا يمثل خرقا لكل الخطوط الحمراء ولوجود الشعب الفلسطينى وللأمن القومى المصرى والأردنى، ومصر هى حجر العثرة الأكبر فى مواجهة هذه الدعوة، نحن بحاجة إلى الوحدة الوطنية لمواجهة هذه التحديات، الوحدة الداخلية هى السبيل الأساسى لتمكين الشعب الفلسطينى من تحقيق أهدافه، يجب أن تكون لدينا حكومة وفاق وطنى بموافقة جميع الفصائل، وهذا سيساعدنا على تعزيز الجبهة الداخلية وقوة الشعب لمواجهة كل ما يرتكب ضده.
وأخيرًا.. هل لديك رسالة تود إيصالها إلى الشعب الفلسطينى وأيضا للمجتمع الدولى؟
رسالتى هى أنه على الشعب الفلسطينى أن يبقى متماسكا، الفلسطينيون لن يستسلموا، ومتمسكون بالأرض حتى الموت.