ينشر موقع "برلماني" نص الفتوى التي أصدرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، برئاسة فارس سـعد فام، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، ردًا على الطلب المقدم من الدكتورة منال عوض وزير التنمية المحلية، بشأن استيضاح مدى جواز تعلية مبلغ (276960) جنيهًا قيمة إيرادات فحص عينات المواد المخدرة التي يجريها المعمل المشترك (البكتريولوجي) بمحافظة الفيوم بحساب الدائنين بمديرية الشئون الصحية بالفيوم بدلًا من أيلولة تلك المبالغ إلى إيرادات الموازنة العامة للدولة.
الوقائع– حسبما يبين من الأوراق– أن الجهاز المركزي للمحاسبات لدى مراجعته مستندات مديرية الشئون الصحية بمحافظة الفيوم في الفترة من إبريل 2022 حتى مارس 2023؛ تكشف لديه تعلية مبلغ (276960) جنيهًا - فقط مائتان وستة وسبعون ألفاً وتسعمائة وستون جنيهاً مصرياً لا غير - قيمة إيرادات فحص عينات المواد المخدرة التي يجريها المعمل المشترك (البكتريولوجي) التابع لمديرية الشئون الصحية بالفيوم بحساب الدائنين بالمديرية بدلًا من أيلولة تلك المبالغ إلى إيرادات الموازنة العامة للدولة بالمخالفة لأحكام قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم (6) لسنة 2022.
وتضيف "الوزارة": وإذ ترى المحافظة أن قسم المخدرات بالمعمل المشار إليه أُنشئ في مارس 2022، وتم تعلية إيرادات هذا القسم بناءً على موافقة مدير مديرية الشئون الصحية بتاريخ 21/2/2022؛ لذا طلبتم عرض الموضوع على الجمعية العمومية.
بينما قالت الجمعية في فتواها إلى أن الموضوع عُرض علىها بجلستها المعقودة بتاريخ 12 من فبراير عام 2025م الموافق 13 من شعبان عام 1446هـ، فتبين لها أن الدستور ينص في المادة (124) على أن: تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا... ويحدد القانون السنة المالية، وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها...، وأن القانون رقم (6) لسنة 2022 بإصدار قانون المالية العامة الموحد ينص في المادة الأولى على أن: يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن المالية العامة.
وتضيف "الجمعية": ومع عدم الإخلال بالأحكام والضمانات التي قررها الدستور والقوانين المنظمة لموازنات بعض الجهات، والهيئات المستقلة، والأجهزة الرقابية، والمجالس القومية، ومجلسي النواب والشيوخ، تسري أحكام القانون المرافق على الجهات التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة من وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية وما يتبع هذه الجهات من وحدات ذات طابع خاص، والصناديق والحسابات الخاصة، والمشروعات الممولة من الحسابات الخاصة. كما تسري أحكامه على الهيئات العامة الاقتصادية.
ولا تسري أحكامه على: الصناديق والحسابات التي تعتمد في تمويلها على اشتراكات أعضائها، اى الحسابات التي يرد بشأنها نص صريح بالاستثناء ضمن بنود الاتفاقيات الدولية، وفي المادة السادسة على أن: يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويُعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، وقد نُشر هذا القانون بالجريدة الرسمية بالعدد (5) مكررًا (د) في 8/2/2022، كما ينص في المادة (6) على أن: تقدر الموارد دون أن يستنزل منها أية نفقات، ولا يجوز تخصيص مورد معين لمواجهة استخدام محدد إلا بناءً على قانون، وفي المادة (7) على أنه: لا يجوز بعد العمل بهذا القانون إنشاء صناديق وحسابات خاصة إلا بقانون...، وفي المادة (47) على أن: تتولى الخزانة العامة تمويل عجز موازنات الجهات التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة، ويئول إليها فوائض تلك الجهات، ما لم تنص قوانين إنشائها على خلاف ذلك.
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم- وعلى ما جرى به إفتاؤها- أنه من المبادئ العامة والأصول الحاكمة للموازنة العامة للدولة مبدأ عمومية الموازنة بشقيه: عدم الخصم، وعدم التخصيص، والمقصود بعدم الخصم: ضرورة أن تشمل الموازنة العامة للدولة جميع الإيرادات العامة وجميع النفقات العامة دون استثناء، وبطريقة إجمالية دون خصم، أو إنقاص، أو اقتطاع أي منهما، بحيث يتعين إدراج كل منهما على استقلال دون إجراء مقاصة بينهما، والمقصود بعدم التخصيص: عدم إفراد إيراد معين لنفقة محددة إلا في الأحوال الضرورية التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية عملًا بأحكام قانون الموازنة العامة للدولة رقم (53) لسنة 1973 الملغى، وبناءً على قانون بعد نفاذ أحكام قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم (6) لسنة 2022.
واستطردت: ومن ثم فإن الأصل العام هو أيلولة جميع الإيرادات التي تحققها الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، ومن بينها وحدات الإدارة المحلية، إلى الخزانة العامة، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص، وحال ورود هذا النص فإنه يعد استثناءً من هذا الأصل، فلا يقاس عليه، ولا يتوسع في تفسيره، وتتولى الخزانة العامة تمويل عجز موازنات الجهات التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة، ويئول إليها فوائض تلك الجهات، ما لم تنص قوانين إنشائها على خلاف ذلك، وبتلك الأحكام تتمكن السلطة التشريعية من ممارسة رقابتها على الإنفاق العام، ولا يمكن لتلك الرقابة أن تؤتي أكلها ولا أن تحقق ثمارها إذا أُتيح للجهات الخاضعة لها أن تتحلل منها، أو تتنصل من مضمونها، لذلك استقر الأمر على أن القواعد القانونية المتعلقة بالصرف من الموازنة العامة هي قواعد آمرة لا تجوز مخالفتها.
واستعرضت الجمعية العمومية ما خلص إليه سابق إفتائها الصادر برقم (1341) بجلسة 9/10/2019 (الملف رقم 88/1/91) بأن صندوق تحسين الخدمة ودعم البحوث المشتركة بوزارة الصحة والسكان المُنشأ بقرار رئيس الجمهورية رقم (96) لسنة 1978 بإنشاء صندوق لتحسين الخدمة ودعم البحوث المشتركة بالقطاع الصحي يتميز من حيث الوجود القانوني- إنشاءً وتنظيمًا– عن صناديق تحسين الخدمة بالمعامل، وصناديق تحسين الخدمة بمديريات الشئون الصحية بالمديريات، وصناديق تحسين الخدمة بالمستشفيات والوحدات الطبية الملحقة بالوحدات المحلية، ومن ثم فإنه لا يمتد إلى هذه الصناديق، بالنظر إلى أن مغايرة طبيعتها القانونية وسبيل إنشائها وتنظيمها سريان أحكامه عليها، وبحسبان أن هذا الاستثناء لا يجوز التوسع في إعماله، ولا القياس عليه، بنحو تبقى معه موارد هذه الصناديق وكافة استخداماتها مخاطبة بأحكام عمومية الموازنة العامة للدولة، استصحابًا بما تشكله هذه العمومية من أصل قانوني واجب التطبيق والنفاذ.
ومن ناحية أخرى - فقد منح قرار رئيس الجمهورية رقم (2444) لسنة 1965 بشأن تنظيم وإدارة المستشفيات والوحدات الملحقة بالمجالس المحلية للمستشفيات والوحدات الطبية الملحقة بالوحدات المحلية التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الإدارة المحلية ووزير الصحة؛ التمتع بالاستقلال المالي والإداري، وأن يُنشأ صندوق تحسين خدمة لكل مستشفى أو وحدة من الوحدات المشار إليها تخصص حصيلته لتحسين الخدمة بهذه الجهات، ومن بين موارده الإيرادات الخاصة التي يحصلها المستشفى أو الوحدة نظير تقديمها خدمات علاجية بمقابل، وهو ما يقطع بأن مناط تخصيص الموارد والاستخدامات المشار إليها، أن يكون المستشفى أو الوحدة الطبية قد صدر قرار من وزير الإدارة المحلية ووزير الصحة بتحديدها ضمن الجهات المخاطبة بتطبيق أحكام هذا القرار الجمهوري.
وأنه يبين من تتابع قرارات تحديد وتنظيم المستشفيات والوحدات الطبية المقصودة بأحكام قرار رئيس الجمهورية آنف الذكر، إنها قد خلت من الإشارة إلى اعتبار المعامل المشتركة بالمحافظات من ضمن الجهات المعنية بتطبيق أحكام هذه اللائحة وأحكام القرار الجمهوري المشار إليه، ومن ثم فإن هذه المعامل ينحسر عنها ما قضت به المادة (4) من قرار رئيس الجمهورية- آنف الذكر- بشأن إنشاء صندوق تحسين خدمة بكل مستشفى أو جهة طبية محددة، تخصص له موارد واستخدامات بعينها، على وفق ما تقدم، وتغدو صناديق تحسين الخدمة بهذه المعامل غير مخاطبة بأحكام هذا القرار الجمهوري بما يستتبعه خضوعها لأحكام القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة فيما يتعلق بأيلولة فائض موازنات تلك الصناديق إلى الخزانة العامة، وذلك التزامًا بمبدأ عمومية الموازنة بقاعدتيه عدم الخصم وعدم التخصيص.
وهديًا بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الجهاز المركزي للمحاسبات اعترض على قيام المعمل المشترك (البكتريولوجي) التابع لمديرية الشئون الصحية بالفيوم بتعلية إيرادات فحوص عينات المواد المخدرة، التي أجراها خلال الفترة من إبريل 2022 حتى مارس 2023، بحساب الدائنين (تحت التسوية) بمديرية الشئون الصحية بمحافظة الفيوم، ولما كانت هذه التعلية تمت دون مسوغ قانوني وبالمخالفة لأحكام قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم (6) لسنة 2022، فيما تضمنه من وجوب أيلولة حصيلة هذه الإيرادات إلى الخزانة العامة، التزامًا بقاعدة عمومية الموازنة التي تقوم على قاعدتي عدم الخصم وعدم التخصيص، فمن ثم يكون اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات في هذا الشأن متفقًا مع صحيح حكم القانون.
لـــذلــــك:
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى عدم صحة تعلية حصيلة إيرادات فحوص المواد المخدرة التي يجريها المعمل المشترك (البكتريولوجي) بمديرية الشئون الصحية بالفيوم إلى حساب الدائنين بالمديرية، وذلك على الوجه المبين بالأسباب.