سطر مناضلو سيناء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أحد أبرز فصول البطولة والنضال الوطني في تاريخ مصر الحديث. فقد أثبت أكثر من 757 مناضلاً أنهم العين الساهرة على أمن مصر، حيث وُكل إليهم دور حيوي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء. هؤلاء الأبطال، الذين وُلدوا في قلب الصحراء وارتوت عروقهم بحب الوطن، كان لهم دور بارز في إمداد القيادة في القاهرة بالمعلومات العسكرية والأمنية عن تحركات العدو، وتنفيذ عمليات فدائية ضد قواعده ومواقعه الحربية في سيناء.
لم يكن مناضلو سيناء مجرد أفراد يتعاملون مع المعركة بالأساليب العسكرية التقليدية، بل كانوا بمثابة شبكة وطنية من المقاتلين الذين أداروا عمليات سرية ومعقدة في ظروف بالغة الصعوبة. كانت مهمتهم الأولى والرئيسية هي رصد تحركات العدو الإسرائيلي في مختلف أنحاء سيناء، وتمكنوا من تنفيذ ضربات مؤثرة جعلت قوات الاحتلال تواجه العديد من الخسائر. هؤلاء الأبطال، الذين كان لهم الفضل الكبير في إجهاض مخططات الاحتلال، قدموا تضحيات جسيمة، من بينهم من استشهد أثناء أداء مهماته، ومنهم من وقع في قبضة العدو وعُذب لفترات طويلة، ومع ذلك، ظلوا ثابتين على مبادئهم الوطنية وأصروا على أداء مهامهم حتى النهاية.
ما قام به هؤلاء المناضلون كان له الأثر الكبير في إضعاف الاحتلال، وفي الوقت نفسه ساهم في نجاحات القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر 1973، والتي أدت في النهاية إلى تحرير سيناء بالكامل من الاحتلال الإسرائيلي. لا تزال سيرة هؤلاء الأبطال محفوظة في قلوب المصريين، وذكراهم خالدة في تاريخ الأمتين المصرية والعربية.
في شهادته لـ"اليوم السابع"، أكد الشيخ عبدالله سليم جهامة، رئيس "جمعية مجاهدي سيناء"، التي تضم كافة المناضلين من أبناء سيناء الذين شاركوا في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، على أهمية الدور الذي لعبه أبناء سيناء في مقاومة الاحتلال، مشيرًا إلى أن التاريخ سيخلد أعمالهم، مهما حاولت الأجيال القادمة أن تروي عنهم. وقال: "الحديث عن هؤلاء الأبطال لا يمكن أن يُوفّي حقهم بالكامل، فهناك العديد من التفاصيل التي لا يعرفها سوى من عاصروا تلك الحقبة، لكن ما قام به هؤلاء الأبطال كان فخرًا لكل المصريين".
أوضح الشيخ جهامة أن المقاومة لم تكن مقتصرة على مجموعة صغيرة من المقاتلين فقط، بل كان لها صدى واسع داخل كل قرية ومدينة في سيناء، من خلال تفاعل كافة فئات المجتمع مع مهام المقاومة. فقد ضمت شبكة المقاومة مجموعة من الفدائيين من الشباب، ولكن أيضًا من كبار السن والأشخاص البسطاء مثل رعاة الغنم، الذين كان لهم دور بالغ الأهمية في مراقبة تحركات العدو. كانوا يقومون بتوثيق هذه التحركات وإرسالها عبر أجهزة اللاسلكي التي كانوا يؤمنونها ويخفونها في أماكن سرية لتجنب اكتشافها من قبل الاحتلال.
لقد لعبت هذه المعلومات الدقيقة دورًا حاسمًا في نجاح العمليات العسكرية التي سبقت حرب أكتوبر 1973، حيث كانت هذه العمليات تُنفّذ بدقة وتستهدف بشكل مباشر نقاط ضعف العدو. كان لدى أبناء سيناء معرفة استثنائية بالمنطقة، بما في ذلك الممرات الصحراوية الوعرة، التي كانت تستخدمها المقاومة لعبور قناة السويس في ظروف شديدة الصعوبة. هذه المعلومات الدقيقة أسهمت في التدمير الممنهج للبنية العسكرية الإسرائيلية في سيناء، حيث تم تدمير العديد من قواعد الاحتلال ومرافقه الحيوية.
تكريم أبناء سيناء واعتراف الدولة
من جانب آخر، أشار الشيخ عبدالله جهامة إلى أن الدولة المصرية لم تنسَ تضحيات أبناء سيناء، إذ تم تكريم هؤلاء الأبطال من قبل الدولة في مراحل عدة. فقد تم منحهم العديد من الأوسمة والنياشين، وكان أبرزها نوط الامتياز من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات، وكذلك الرئيس الأسبق حسني مبارك. وكانت هذه الجوائز رمزية لإظهار التقدير للمجاهدين الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن.
كما أكد أن جمعية مجاهدي سيناء تعمل على الحفاظ على إرث هؤلاء الأبطال، حيث يتم جمع جميع الملفات التي توثق بطولاتهم وتقديمها للأجيال الجديدة. وقال: "نحن حريصون على تكريم كل من ساهم في تلك المرحلة، بالإضافة إلى دعم أسرهم واحتياجاتهم. إن ما قدموه لوطنهم لن يُنسى أبدًا".
أكد الشيخ جهامة، أن أبناء سيناء يقفون دائمًا خلف القيادة السياسية الوطنية، ويؤكدون تأييدهم الكامل لكافة القرارات التي تهدف إلى استقرار المنطقة ورفعتها. كما نوه إلى أن التنمية التي تشهدها سيناء الآن، من خلال المشروعات العملاقة التي يتم تنفيذها، تعكس رغبة الدولة في تحقيق الاستقرار وتحقيق آمال المواطنين في سيناء. وقال: "نحن جميعًا وراء القيادة السياسية، ونؤمن أن الدولة تسعى جاهدة لتطوير سيناء ورفع مستوى معيشة أبنائها، ونحن على يقين أن الأيام القادمة ستشهد مزيدًا من الإنجازات".