أي قطاع اقتصادي لكي يستطيع أن يحقق نموا يجب أن يباع منتجاته بسعر عادل وبه هامش للربح حتى لو كان هذا الهامش قليلا، ويُعد الدعم من القضايا الاقتصادية الحرجة، لما له من آثار مباشرة على عجز الموازنة العامة، وهو الأمر الذي يترتب عليه آثار إيجابية وسلبية في نفس الوقت على كافة قطاعات الدولة المختلفة، ولذلك فإن استمرار دعم المنتجات البترولية يلعب دورًا سلبيًا في قدرة قطاع الطاقة والنفط، حيث يجعله غير قادر على النمو.
وشهد قطاع الطاقة في مصر بعض التغييرات الهامة والتي اقتضت بالضرورة التخفيف التدريجي لقيمة دعم المنتجات البترولية، وذلك لأن مفهوم الدعم هو ما يمثل قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها بالأسواق المحلية سواء عن طريق الإنتاج أو استيراد بعضها من خارج البلاد، كما كان لارتفاع أسعار النفط الخام ( فوق 80 دولارًا للبرميل ليفوق توقعات موازنات العديد من دول العالم للعام الحالي، وهو ما يشكل مكاسب لخزائن بعضها، ويتسبب في ضغوط على دول أخرى والتي تعتمد على الاستيراد لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية.
هناك العديد من العوامل التي تحدد سعر البنزين والتي من أهمها: أسعار النفط الخام والتي تتحكم بشكل كبير فى تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم، وعلى سبيل المثال نجد أن سعر النفط الخام يتدخل بنسبة حوالي أكثر من 55% في تحديد سعر البنزين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق، وبالتالي تشكل أسعار النفط الخام العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد أسعار البنزين، وهذا يعني أنه كلما كان اعتماد الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين لديها بتقلبات سوق النفط العالمي، كما أن النفط سلعة عالمية.
واستوردت مصر شحنات وقود بقيمة بلغت حوالي 3.3 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، بزيادة تصل حوالي 6% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي 2023، والذي شهد واردات نفطية بقيمة حوالي 3.1 مليارات دولار، حيث استحوذت المنتجات البترولية على حوالي ملياري دولار من إجمالي فاتورة الاستيراد، وذلك بنسبة حوالي 70% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وباقي قيمة الواردات تخص شحنات الفحم والنفط الخام الذي يوجه إلى معامل التكرير المصرية.
وبذلك تكون السنوات الماضية (2023-2024) زيادة حوالي 40% من إنتاج البنزين والسولار، تظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية، خلال عام 2023، إلى حوالي مليون طن، أي بنسبة ارتفاع سنوية حوالي 6.3%، والتي تضمنت حوالي 35.3 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي.
هناك فجوة كبيرة بين معدلات الإنتاج والاستهلاك والطلب المحلي من النفط الخام ومشتقاته البترولية ومن اعتماد الدولة المصرية على الواردات النفطية، ولذلك نجد إنه هناك إحتمالية كبيرة في إن تُسهم ارتفاع مستويات أسعار النفط في زيادة فاتورة الواردات النفطية بما قد يؤثر على الاحتياطي النقدي المصري بشكل سلبي.
الدولة تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها من المنتجات البترولية من الخارج، بإجمالي يصل إلى نحو حوالي 100 مليون برميل سنويًا، وهو رقم كبير للغاية، ولنا أن نتخيل في هذا الصدد أن الموازنة العامة للدولة ٢٠٢١-٢٠٢٢، كانت قائمة على حساب سعر برميل البترول على أساس 60 دولارا للبرميل الواحد (حاليا يتم احتسابه علي حوالي 80 دولارًا للبرميل)، وهو السعر الذي كان سائدا خلال تلك الفترة التي تم إعداد موازنة الدولة خلالها، بل كان متوقعًا أن يستمر هذا السعر خلال العام المالي الماضي.
تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وذلك مع تزايد استهلاك الوقود الأحفوري في مصر، وهو الأمر الذي يعرض الاقتصاد لتقلبات أسعار النفط الخام والضغط على بند المصروفات في الموازنة.
زيادة معدلات الاستهلاك النفطي وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج النفطي للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، مما يترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة.
تأثير حرب غزة على حركة أسعار المنتجات البترولية في مصر
لا شك ما يحدث من اضطرابات في مياه البحر الأحمر حاليًا ( هجمات الحوثيين كتداعيات للحرب على غزة ساهم بشكل كبير في رفع أعباء التكلفة الفعلية على الدولة فيما يتعلق بالشحنات المستوردة من الخارج بنسبة حوالي 12 للثلاثة أشهر الماضية، إذ ترتبط مصر بعقود استيراد للنفط الخام والوقود من بعض أسواق آسيا، وترتبط مصر بعقد سنوي مع العراق لاستيراد كميات من الزيت الخام، كما تستورد شحنات من الكويت والإمارات والسعودية.
وتعتمد حدة الأزمة الاقتصادية وجهود الحكومة للتعافي الكامل منها على مدى اتساع الحرب في غزة وتداعياتها على حركة النفط الخام، والذي قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط قد إلى أكثر من 100 دولارًا للبرميل النفطي الواحد مقارنة بنحو 86 دولار حاليًا، كما قد يتسبب استمرار الحرب علي غزة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة، ومن المتوقع أن تظل أسواق النفط في حالة من
الترقب والتقلب مع تطورات الأزمة الراهنة. أدت هذه الأسباب بدورها إلى ارتفاع تكلفة المنتجات النفطية، بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة نقل وشحن هذه المنتجات التي تستورد من الخارج، بعد تفاقم التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، نتيجة هجمات الحوثيين على ناقلات النفط والسفن هناك، حيث أثرت مباشرةً في الفجوة السعرية بين تكلفة وسعر بيع المشتقات النفطية
واستهلاك مصر من السولار - الذي لم يتم تحريكه خلال العديد من المناسبات يوميًا - يبلغ حوالي 42 مليون لتر، بمثابة 1.25 مليار لتر كل شهر، أي نحو حوالي 15 مليار لتر سنويًا من السولار، والدولة تحملت في 3 أشهر فقط حوالي نحو 4.25 جنيه دعم على كل لتر سولار، سنجد أن الدولة تتحمل دعم يصل إلي حوالي 178 مليون جنيه، ولكن القيادة السياسية ذهبت إلي قرار تثبيت سعر السولار لفترات طويلة سابقة بالرغم من زيادة الفجوة السعرية بين تكلفة توفيره وسعر بيعه في السوق المحلي)، كون أي زيادة في أسعار السولار قد تؤدي إلي ارتفاع في جميع السلع والمواصلات، مع توجيه الحكومة بضرورة ترشيد استهلاك الوقود بنسبة حوالي 50٪.
وارتفعت قيمة واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته خلال الربع الأول من العام الجاري (2024) بنسبة حوالي 5 مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، وذلك على خلفية زيادة الطلب محليا، وسعي الحكومة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء.
سجلت واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته في الربع الأول من العام الجاري زيادة قيمتها حوالي 173 مليون دولار عن فاتورة المدة نفسها من عام 2022، البالغة نحو 2.94 مليار دولار، وبلغت قيمة فاتورة مصر النفطية في يناير الماضي حوالي 1.08 مليار دولار ومرتفعة بذلك بنحو 140 مليون دولار، مقارنةً بالمستويات المسجلة خلال المدة نفسها من عام 2023، التي بلغت حوالي ۹۳۹ مليون دولار، كانت قيمة واردات مصر من النفط ومشتقاته في 2023 قد انخفضت بنسبة حوالي 6% على أساس سنوي، على خلفية انخفاض أسعار الوقود عالميًا، بعد ارتفاعها في 2022 بسبب الحرب الروسية الأوكرانية)، وعليه تشكل فاتورة دعم الوقود في مصر عبئًا إضافيًا على موازنة الدولة.
وعلى الرغم من الأسعار الحالية؛ فلا تزال أسعار البنزين في مصر في قائمة الأرخص عربيا؛ إذ إن معدل السعر الحالي البالغ 12.50 جنيها (۰,٢٧ دولارًا / السعر الحالي للتر بنزين 92 الأكثر تداولاً)، حيث احتلت مصر المركز الرابع على مستوى العالم فى الدول الأرخص فى أسعار الوقود وذلك في نهاية شهر مارس الماضي (الجزائر ٠,٣٣٦ دولار، الكويت ٠٣٤١ دولار، أنجولا ۰,۲۸۳ دولار).
وتأثرت مصر كبقية دول العالم بالارتفاعات السعرية والتي شهدتها أغلب الأسواق النفطية على مستوى العالم خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن الدولة المصرية بذلت جهودًا كبيرًا بهدف الحفاظ على السيطرة على أسعار البنزين والمشتقات البترولية، حيث تحملت عبئًا ماليًا كبيرًا، وذلك لدعم المواد البترولية بالإضافة إلى القدرة المصرية على توفير المنتجات البترولية محليا وهو الأمر الذي قلص الإعتماد على الاستيراد بشكل كبير خلال العام الماضي (٢٠٢٣)، وذلك لوجود خطة إستراتيجية لتحقيق الإكتفاء الذاتي من المشتقات البترولية خلال العام الجاري، عن طريق التوسع في إنشاء معامل التكرير، وهو الأمر الذي سيساعد الدولة في إطالة حالة الاستقرار والاستدامة في ملف المنتجات والمواد البترولية، وبالإضافة إلى زيادة معدلات الحفر الاستكشافي، وتعزيز التعاون الإقليمي في صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي.